بعد صفقة رأس الحكمة.. خسائر بأسواق الذهب والبورصة والدولار في مصر.. وخبراء يعلقون

منذ 9 أشهر 100

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- رغم مرور 48 ساعة فقط على إعلان مشروع رأس الحكمة، انعكست تداعيات الصفقة على عدد من مؤشرات الاقتصاد المصري، أبرزها ارتفاع الجنيه أمام العملات الأجنبية في السوق الموازية، مما أدى إلى هبوط حاد في أسعار الذهب وكذلك في سوق المال، التي تكبدت أكبر خسارة منذ بداية عام 2024، في الوقت نفسه يتوقع خبراء اقتصاد، عزم الحكومة استخدام حصيلة الصفقة في سد الفجوة التمويلية، وتحقيق استقرار في سعر الصرف، والاقتراب من إتمام اتفاق صندوق النقد الدولي.

وقعت الحكومة المصرية، الجمعة الماضي، مع شركة القابضة (ADQ) الإماراتية، أكبر صفقة استثمار مباشر في تاريخها، لتطوير مشروع مدينة رأس الحكمة، البالغ مساحتها 170 مليون متر مربع، مقابل 24 مليار دولار إضافة إلى تحويل 11 مليار دولار من الودائع الإماراتية لاستخدامها في مشاريع رئيسية في جميع أنحاء مصر.

وفي أول جلسة تداول بعد الإعلان عن الصفقة، تراجع المؤشر الرئيسي للبورصة بنسبة 5.01% ليغلق عند مستوى 27840 نقطة بضغوط مبيعات عربية وأجنبية، وخسر رأس المال السوقي 119 مليار جنيه (3.9 مليار دولار).

قال الخبير المصرفي هاني أبو الفتوح، إن سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري انخفض تدريجيًا في السوق الموازية منذ الإعلان عن صفقة رأس الحكمة من مستوى 56 جنيهًا إلى مستويات بين 45-50 جنيهًا، وهي أدنى مستويات سجلها الدولار في السوق الموازية منذ شهور طويلة، متوقعًا استمرار تراجع الدولار في السوق الموازية خلال الفترة المقبلة مع استلام الدفعة الأولى من الصفقة مما سينعكس على سد الفجوة التمويلية لمصر، وتغطية الطلب على النقد الأجنبي.

وفقًا لحديث رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، خلال المؤتمر الصحفي عقب توقيع صفقة رأس الحكمة، فإن مصر ستتسلم الدفعة الأولى من الصفقة بقيمة 15 مليار دولار خلال أسبوع، على أن تتسلم الدفعة الثانية بعد شهرين بإجمالي 20 مليار دولار، وتقسم الدفعة الأولى بين 10 مليارات دولارية سيولة من الخارج مباشرة، و5 مليارات دولار تنازل دولة الإمارات عن جزء من الودائع الموجودة بالبنك المركزي المصري ويتم تحويلها من دولار إلى جنيه مصري حتى يتم استخدامها في إنشاء المشروع.

أضاف أبو الفتوح، في تصريحات خاصة لـCNN  بالعربية، أن إتاحة سيولة دولارية في السوق المحلي بعد استلام قيمة صفقة رأس الحكمة سيدفع حائزي الدولار إلى التخلص منه مما سيخفض من حجم الطلب المرتفع على الدولار، وكذلك سيسرع من خطوات البنك المركزي المصري لتخفيض سعر العملة بمستويات تتراوح بين 40-45 جنيهًا، وهي أقل من المستويات المتوقعة قبل الصفقة بسبب الوفرة الدولارية المرتقبة في السوق الرسمي.

وتواجه مصر أزمة نقص في النقد الأجنبي منذ مارس/آذار من عام 2022، بسبب خروج استثمارات أجنبية غير مباشرة بأكثر من 20 مليار دولار، وتأثر موارد مصر من النقد الأجنبي بسبب الحرب الأوكرانية وكذلك الحرب في غزة، مما دفعها إلى خفض قيمة الجنيه أمام الدولار بأكثر من 50%، والحصول على قرض من صندوق النقد الدولي.

وربط هاني أبو الفتوح، قرار البنك المركزي المصري بخفض سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية بتسلم مصر الدفعة الأولى من صفقة رأس الحكمة، مشيرًا إلى أن إتاحة سيولة دولارية في السوق الرسمي سيدفع إلى زيادة تحويلات المصريين بالخارج، واستعادة ثقة المستثمرين الأجانب في سوق الدين الحكومي، وكذلك إتمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

حسب تصريحات رئيس الوزراء المصري، فإن حصيلة صفقة رأس الحكمة ستسهم في حل أزمة السيولة الدولارية الموجودة، التي يرى أنها بداية تصحيح المسار للاقتصاد المصري.

في نفس السياق، قال إيهاب واصف، رئيس شعبة صناعة الذهب والمجوهرات والمعادن الثمينة باتحاد الصناعات المصرية، إن سعر الذهب اتخذ مسارًا منخفضًا منذ الخميس الماضي، مع الإعلان عن تنفيذ صفقات استثمارية كبرى بسبب توقعات حائزي الذهب تراجع الأسعار مما دفعهم لعرض ما بحوزتهم للبيع، وبالتالي انعكس على زيادة حجم المعروض في الأسوق، لينخفض سعر جرام الذهب بقيمة 450 جنيه (14.59 دولار) خلال الـ72 ساعة الماضية، حسبما قال هاني أبو الفتوح.

واتجه مصريون إلى استثمار مدخراتهم في شراء الذهب للحفاظ على قيمتها في ظل ارتفاع التضخم وسعر الدولار أمام الجنيه، وبلغ حجم المشتريات في 2023 حوالي 57 طنًا، وزاد سعر جرام الذهب المحلي بنسبة 87.6%، وفقًا لتقرير متخصص.

توقع واصف، في تصريحات خاصة لـ CNN بالعربية، استمرار انخفاض أسعار الذهب في السوق المصري مع زيادة حجم المعروض من المشغولات الذهبية والسبائك في الأسواق بشكل لافت منذ الإعلان عن صفقة رأس الحكمة.

في سياق متصل، قال سكرتير شعبة الذهب بالاتحاد العام للغرف التجارية سابقًا، نادي نجيب، إن سعر جرام الذهب عيار 21 - وهو الأكثر مبيعًا في مصر - تراجع من 3350 جنيهًا (108.6 دولار) إلى 3050 جنيهًا (98.88 دولار)، وذلك نتيجة عاملين؛ الأول انخفاض سعر صرف الدولار أمام الجنيه في السوق الموازية، والثاني زيادة حجم المعروض من المشغولات الذهبية في الأسواق بعد توقعات زيادة تدفقات النقد الأجنبي في البلاد بعد الإعلان عن تنفيذ صفقة رأس الحكمة.

وأضاف نجيب، في تصريحات خاصة لـCNN  بالعربية، أن عددًا كبيرًا من المصريين سيواصل الاستثمار بشراء المشغولات الذهبية والسبائك خلال الفترة المقبلة حتى بعد زيادة تدفقات النقد الأجنبي؛ لأنه إحدى الأوعية الادخارية لتحقيق عائد مرتفع منها، متوقعًا استمرار انخفاض أسعار الذهب خلال الفترة المقبلة مع تلقي أول دفعة من الصفقة.

في السياق ذاته، ترى عضو مجلس إدارة البورصة المصرية، رانيا يعقوب، أن الحكومة ستركز على استخدام عوائد صفقة أرض رأس الحكمة في سداد التزامات البلاد الخارجية، وهي على رأس أولويات الدولة للحفاظ على سمعتها الدولية في الالتزام بسداد فوائد وأقساط الديون، كما ستستخدم جزء من الحصيلة في توفير السلع الأساسية والمواد الخام ومستلزمات الإنتاج، وتوفير سيولة لتحويلات أرباح المستثمرين والشركات الأجنبية.

ويركز البنك المركزي المصري على توفير التمويل المطلوب من النقد الأجنبي للسلع الاستراتيجية والأدوية؛ لسرعة الإفراج الجمركي عن السلع الغذائية، والتي تصل إلى 1.3 مليار دولار محتجزة في الموانئ المصرية، وفقًا لبيان رسمي.

وأضافت رانيا يعقوب، في تصريحات خاصة لـCNN  بالعربية، أن توافر السيولة من النقد الأجنبي سيسهم في سرعة استئناف الاتفاق مع صندوق النقد الدولي؛ لأن الصفقة تعد رسالة قوية على قدرة الاقتصاد المصري على جذب استثمارات أجنبية مباشرة، وهي إحدى أهم العوامل التي تركز عليها المؤسسات الدولية في التعاون مع الحكومة المصرية.

وتوقعت يعقوب أن يتخذ البنك المركزي المصري قرارًا بخفض سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية "في القريب العاجل، بعد شهر رمضان حتى لا تنعكس الآثار التضخمية لقرار خفض الجنيه على أسعار السلع الأساسية، على أن يكون خفض الجنيه بقيمة أقل من الموجودة في السوق الموازية".

وأصبحت مصر على بعد خطوات قليلة من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على استئناف برنامج الإقراض لحل أزمة نقص النقد الأجنبي، وفقًا لتصريحات رئيس الوزراء.

من جهته، قال نائب رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، فتح الله فوزي، إن صفقة رأس الحكمة ستنعكس بشكل إيجابي على حل أزمة نقص النقد الأجنبي في البلاد، ما ينعكس على تحسن مؤشرات الاقتصاد المصري، إضافة إلى سرعة تنفيذ مخطط تنمية الساحل الشمالي الغربي، وجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية لمنطقة الساحل أو لغيرها من المناطق الجاذبة للاستثمار.

أضاف فوزي، في تصريحات خاصة لـCNN  بالعربية، أن مشروع رأس الحكمة لن يكون الصفقة الضخمة الأخيرة، وستكون هناك صفقات مماثلة مع صناديق استثمار سيادية خليجية خلال الفترة المقبلة، كما توقع أن تسهم الصفقة  بشكل إيجابي في زيادة أعداد السياح الوافدين للبلاد، وكذلك استثمارات محلية وعربية في التنمية العمرانية بمنطقة الساحل الشمالي.

ويتوقع أن تستقطب منطقة رأس الحكمة ما لا يقل عن 8 ملايين سائح إضافي لمصر خلال الفترة المقبلة، بعد تطوير المشروع، وإنشاء مارينا دولية كبيرة لليخوت والسفن السياحية الموجودة في البحر المتوسط، وإنشاء مطار دولي، وفقًا لبيان مجلس الوزراء.