بعد أشهر من المشاحنات بين الحلفاء الغربيين بشأن الموافقة على تزويد أوكرانيا بالدبابات، اتفقت الدول الأوروبية بقيادة ألمانيا والولايات المتحدة على إمداد كييف بدبابات قتال حيث تتوجه دبابات أبرامز التي تصنعها الولايات المتحدة وليوبارد 2 الألمانية إلى خط المواجهة. عقب هذا الفوز الدبلوماسي لكييف يحول القادة العسكريون الأوكرانيون انتباههم إلى ما يعتبرونه الخطوة المنطقية الموالية في جهودهم لصد الغزاة الروس، الحصول على الطائرات المقاتلة الحديثة.
بالنسبة لأوكرانيا، كان النضال من أجل الحصول على دبابات القتال الغربية مجرد البداية.
أكد عدد من المسؤوليين العسكريين والدبلوماسيين الغربيين أن الجدل الداخلي حول تزويد أوكرانيا بالمقاتلات الحربية قد انطلق بالفعل بدفع من المسؤولين الأوكرانيين المدعومين من دول البلطيق. وقال دبلوماسي من دولة في شمال أوروبا "ستكون الخطوة الطبيعية التالية، دعم أوكرانيا بالمقاتلين".
من المرجح أن تثير مسألة دعم أوكرانيا بالطائرات الحربية والمقاتلين الكثير من الجدل يفوق بكثير الخلاف الذي أثير حول تزويد كييف بالدبابات، لأن القضية تتعلق بإعلان الحرب المباشرة على روسيا. في أوروبا، قال العديد من المسؤولين والدبلوماسيين إن حكوماتهم لم تعد تعتبر هذه الفكرة مستبعدة، لكن المخاوف من التصعيد لا تزال عالية.
وأضاف الدبلوماسي الأوروبي أن واشنطن أخبرت كييف أن تزويدها بالطائرات الحربية أمر "محظور في الوقت الحالي، هناك خط أحمر". "، لكنه أضاف "في الصيف الماضي كان تزويد أوكرانيا بقاذفات صواريخ متعددة هيمارس، ضمن الخطوط الحمراء غير أن الخط تحرك بالفعل. نفس الخط تحرك فيما يتعلق بالدبابات".
ولفت مبعوث كبير ثان من قوة أوروبية للسرعة الكبيرة التي يتم بها عملية تزويد أوكرانيا بالأسلحة الغربية وقال "لا يمكن تصور إقحام مقاتلينا في الحرب إلى جانب أوكرانيا تمامًا اليوم، لكن قد نجري هذه المناقشات في غضون أسبوعين أو ثلاثة أسابيع".
من المقرر أن يعقد وزراء دفاع حلفاء أوكرانيا قمة أخرى الشهر المقبل في قاعدة رامشتاين العسكرية الأمريكية في جنوب غرب ألمانيا، حيث من المتوقع أن تكون مسألة الدعم الجوي والطيران محل تركيز رئيسي. وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الهولندي ووبك هويكسترا أمام برلمان بلاده الأسبوع الماضي إن حكومته ستنظر في إمكانية توريد طائرات مقاتلة من طراز إف 16، إذا طلبت كييف ذلك". وتابع "نحن منفتحون، ولا توجد محرمات".
تصريحات وزير الخارجية الهولندي جاءت في أعقاب التصريحات التي أدلى بها الشهر الماضي وزير الخارجية السلوفاكي راستيسلاف كاير، الذي أعلن لوكالة إنترفاكس الأوكرانية أن حكومته كانت "مستعدة" لتسليم مقاتلات ميغ 29 تعود للحقبة السوفيتية إلى كييف، وأن المفاوضات جارية مع شركاء الناتو والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حول كيفية القيام بذلك".
غير أن قادة الدول الغربية الفاعلين أقل حماسة من نظرائهم في في البلطيق. فقد استبعد الأربعاء المستشار الألماني أولاف شولتس تسليم طائرات مقاتلة لكييف، مشيرا إلى ضرورة منع المزيد من التصعيد العسكري. وتابع المسؤول الألماني بقوله "لن نقوم بتسليم طائرات مقاتلة إلى أوكرانيا. تم توضيح هذا الأمر في وقت سابق، بما في ذلك من طرف الرئيس الأمريكي".
يعتقد بعض المسؤولين الأوروبيين أن اجتماع رامشتاين الشهر المقبل سينكب بشكل بارز على صياغة خطة طوارئ، في حالة فرض واقع الحرب اللجوء للمقاتلات الحربية في مرحلة ما، بدلاً من إبرام صفقة بشأن عمليات تسليمها لأوكرانيا على المدى القريب. ويتوقع الحلفاء الأوروبيون لأوكرانيا صراعًا قد يستمر من ثلاث إلى خمس سنوات أخرى أو أكثر. كما يتخوف الغرب من الحد الأقصى لتغاضي روسيا للمساعدات المقدمة لأوكرانيا من طرف الغرب دون إثارة رد فعل عدواني من موسكو.
تصعيد مطرد
اتفق الحلفاء الغربيون في أوائل العام الماضي على "سياسة غير مكتوبة" تقضي بعدم تزويد أوكرانيا بحزمة أسلحة شاملة عقب الغزو الروسي، خوفًا "من رد عدواني من روسيا"، على حد قول دبلوماسي أوروبي كبير. وتضمنت السياسة الغربية تقديم الدعم بشكل تدريجي وتقييم الرد الروسي في كل خطوة.
يشير دبلوماسي أوروبي بقوله "تعتقد العديد من الدول الغربية أنه إذا أردنا تزويد أوكرانيا بكل المعدات التي طلبوها منا في المرحلة الأولى من الحرب، فسيكون هناك رد فعل روسي قوي، بما في ذلك اللجوء للطاقة النووية".
من هذا المنظور يمكن القول أن الاستراتيجية الغربية لدعم أوكرانيا في هذا الصراع اتخذت الاتجاه التصاعدي البطيئ ولكن بشكل ثابت. فمن نظام جافلين المضاد للدبابات وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة مثل ستينغر إلى راجمات الصواريخ إم 142 هيمارس ومؤخرا صواريخ باتريوت أرض جو والدبابات والمركبات المدرعة. وبالتالي، فإن تسليم الطائرات لأوكرانيا "مسألة وقت فقط"، كما تنبأ نفس الدبلوماسي.
التقى وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي مع كبار المسؤولين الأمريكيين في واشنطن الأسبوع الماضي لمناقشة المزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا، بخلاف إمدادات الدبابات. وفي حديثه بعد الاجتماع، رفض كليفرلي القول ما إذا كانت تلك المحادثات قد غطت إمداد الطائرات المقاتلة أو القنابل العنقودية أو الصواريخ بعيدة المدى. وأشار "لن أتكهن بشأن طبيعة الدعم العسكري في المستقبل. لقد تطور دعمنا مع تطور الحرب وتطور متطلبات الأوكرانيين".
يقول مسؤولون بريطانيون، إن المملكة المتحدة ستحجم عن إرسال طائرات إلى أوكرانيا أكثر مما يتعين عليها إرسال دبابات ومعدات عسكرية برية أخرى. هناك مخاوف أيضًا من تراجع الدعم الشعبي وسط مزيد من التصعيد.
يتفق الدبلوماسيون الأوروبيون على أن الغرب سيرغب أولاً في استنفاد جميع الخيارات الأخرى للدعم الجوي، بما في ذلك المزيد من الطائرات الهجومية بدون طيار وربما الصواريخ بعيدة المدى. ووافقت واشنطن مؤخرًا على شحنة من صواريخ زوني غير الموجهة التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة والتي يمكن للجيش الأوكراني إطلاقها من طائرات ميغ من الحقبة السوفيتية.
في يوليو / تموز الماضي، وافق مجلس النواب الأمريكي على 100 مليون دولار لتدريب الطيارين الأوكرانيين على قيادة الطائرات المقاتلة الأمريكية. وفي أكتوبر / تشرين الأول المنصرم، أعلنت أوكرانيا اختيار مجموعة من عشرات الطيارين للتدريب على الطائرات المقاتلة الغربية.
في أغسطس- أب الماضي، قال كولن كال وكيل وزارة السياسة الدفاعية للصحفيين إنه "ليس من غير المعقول أن تكون الطائرات الغربية في المستقبل جزءًا من الأسلحة المقدمة إلى أوكرانيا.
وقال يوري ساك، مستشار وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف، إن أولوية كييف بعد الدبابات هي تأمين الطائرات الحربية وأن "أعذار" حلفائنا ليست مستعصية على الحل. أنا مقتنع الآن بأن الغرب يعلم أننا بحاجة إلى زيادة تبرعاته العسكرية". وتابع ساكأن القوات الجوية الأوكرانية ترغب في الحصول على طائرات إف 16 وإف 15 الأمريكية، لكنها منفتحة على الطائرات الآخرى أيضًا.
يتم نشر غالبية طائرات إف 16 وإف 15 الأمريكية في مناطق أخرى، بما في ذلك المحيطين الهندي والهادئ. وقال ساك "هناك ما يقرب من 50 دولة تستخدم حاليًا طائرات إف 15. لا أعتقد للحظة أن أوكرانيا لا تستحق الطائرات المقاتلة".
كابوس لوجستي
سيكون إرسال الطائرات مهمة لوجستية جادة لحلفاء أوكرانيا. فطائرات أف 15 وإف 16 تتطلب مدارج طويلة وعالية الجودة، وهو ما تفتقر إليه أوكرانيا. يقول الخبراء إنه سيكون من السهل على روسيا اكتشاف أي محاولة لبناء قواعد عملياتية وضربها.
وقال جاستن برونك، خبير أبحاث كبير في القوة الجوية في مركز الأبحاث البريطاني، إن المقاتلات الأمريكية من طراز إف 18 أو جريبنز السويدية الصنع ستكون أكثر ملاءمة، لأنها أحد أكبر خاصياتها الإقلاع من ممرات هبوط أقصر وتتطلب صيانة أقل. وفي هذا الصدد، صرح وزير الدفاع السويدي بال جونسون لصحيفة بوليتيكو الأربعاء أن السويد "ليس لديها خطط فورية لإرسال مقاتلات حربية إلى أوكرانيا".
قد تتطلب الطائرات المقاتلة الأخرى، مثل رافال الفرنسية الصنع أعدادًا كبيرة من التقنيين على الأرض في أوكرانيا لإصلاح الطائرات وإعدادها للرحلات الجوية، مما قد يجعلهم تلقائيًا أهدافًا للهجمات الروسية. ولكن عند سؤاله عما إذا كان إمداد أوكرانيا بطائرات رافال القتالية سيشكل تصعيدًا، أشار مسؤول حكومي فرنسي إلى أن أوكرانيا تلقت بالفعل أسلحة "ثقيلة" من الغرب، مثل مدافع قيصر.