شكّلت قمة باريس مناسبة لماكرون وميلوني للتحضير لقمة المجلس الأوروبي في 29 و30 حزيران/يونيو وقمة حلف شمال الأطلسي في فيلنيوس في 11 و12 تموز/يوليو.
أكّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني الثلاثاء في باريس رغبتهما "بالعمل معاً"، بعيداً عن "الخلافات" وفي مقدّمها ملف الهجرة، القضية الشائكة التي سمّمت العلاقات بين البلدين في الآونة الأخيرة.
وخلال استقباله رئيسة الوزراء الإيطالية في أول زيارة لها إلى باريس منذ تولّيها منصبها، نوّه الرئيس الفرنسي "بالعلاقة الفريدة القائمة بين إيطاليا وفرنسا".
وأكّد ماكرون أمام الصحافيين قوله: "هذه الصداقة هي التي تهمّني في المقام الأول (...) الصداقة التي تسمح لخلافات واختلافات أن تنمو أحياناً، ولكن في إطار محترم دوماً لأنّها تندرج في إطار تاريخ أكبر منّا، وأكثر عمقاً".
ودعا الرئيس الفرنسي إلى "حوار صريح وطموح ومتطلّب" بين باريس وروما. وردّت ميلوني على تصريح ماكرون قائلة: "إيطاليا وفرنسا دولتان مترابطتان، دولتان مركزيّتان مهمّتان، رائدتان في أوروبا تحتاجان إلى حوار في وقت كهذا لأنّ مصالحنا المشتركة متقاربة للغاية...كلّي أمل بأنّنا سنتمكن من خلال حوار اليوم من العمل معاً بشكل أفضل وبقدر أكبر".
بين تيارين: تقدمي..ومحافظ
وفي الواقع فإنّ ما يباعد بين الرئيس الفرنسي ورئيسة الوزراء الإيطالية، هو أكثر بكثير ممّا يجمع بينهما. فماكرون يعتبر نفسه سياسياً تقدّمياً مدافعاً شرساً عن الوحدة الأوروبية، في حين ترأس ميلوني ائتلافاً محافظاً متشدّداً وتنتمي إلى حزب فاشي النزعة وكانت لها في السابق مواقف واضحة مناهضة للبناء الأوروبي، وسرعان ما خرجت التوتّرات بين حكومتيهما إلى العلن.
وبعد لقاء قصير غير رسمي عقد في روما في تشرين الأول/أكتوبر بعيد تنصيب ميلوني بعد فوزها بالانتخابات التشريعية، غذّى ملف الهجرة هذه التوترات.
فقد رفضت إيطاليا في تشرين الثاني/نوفمبر استقبال السفينة الإنسانية "أوشن فايكينغ" و230 مهاجراً على متنها، ما دفع فرنسا إلى السماح لها بالرسوّ في موانئها مندّدة بالوقت نفسه بتصرّف روما "غير المقبول".
وأثار وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان في أيار/مايو الماضي سخط إيطاليا عندما قال إنّ ميلوني "عاجزة عن تسوية مشاكل الهجرة التي انتُخبت على أساسها". لكن بموازاة ذلك، عملت الأوساط الدبلوماسية في البلدين على إعادة نسج العلاقات باسم المصالحة التي غالباً ما تتقاطع.
والتقى ماكرون وميلوني على هامش قمم دولية عدّة، من بينها لقاء ثنائي استمرّ 45 دقيقة في هيروشيما باليابان على هامش قمة مجموعة العشرين في أيار/مايو الماضي.
وفي مطلع حزيران/يونيو استقبل ماكرون نظيره الإيطالي سيرجيو ماتاريلا لتسليط الضوء على "العلاقات المميزة التي تربط" البلدين بمعزل عن من يحكمهما.
ويوم الثلاثاء، تطرّق ماكرون وميلوني إلى قضية الهجرة لإظهار أنّ التعاون بينهما ممكن. وقال الرئيس الفرنسي: "ما زلنا نعاني من المآسي في البحر المتوسط".
"عزيزتي جورجيا"
وأضاف ماكرون مخاطباً ميلوني "بعزيزتي جورجيا"، قائلا: "التنسيق والعمل الجيّد بين بلدينا يجب أن يستمرّ ... ويجب أن نكون قادرين على تنظيم اللجوء والهجرة بشكل أكثر فاعلية في أوروبا من خلال الالتزام بقيمنا".
لكنّ رئيسة الوزراء الإيطالية لم تبد أيّ مرونة أو تتراجع عن مواقفها الصارمة بشأن هذه المسألة. وشدّدت ميلومني على ضرورة مواصلة "العمل معاً، على المستويين الثنائي والمتعدّد الأطراف" لحلّ هذه القضية الشائكة.
ويقول المؤرخ مارك لازار الاستاذ في كلية العلوم السياسية (سيانس بو) في باريس لوكالة فرانس برس: "رغم الاختلافات السياسية والإيديولوجية بين الحكومتين، ثمة إدراك لدى ميلوني وماكرون بضرورة أن تتحرّك فرنسا وإيطاليا بشكل مشترك. هذا يصبّ في مصلحة البلدين".
"اختلافات بشأن أوروبا"
ويرى لازار، أن "ثمة وحدة موقف فعلية" بشأن الحرب في أوكرانيا وإعادة التفاوض بشأن الميثاق الأوروبي لاستقرار الميزانيات.
ومنذ تولّيها رئاسة الحكومة الإيطالية حرصت ميلوني على إظهار دعمها الكبير لكييف، فيما أبدت موقفاً فاتراً حيال بروكسل.
وأعيد التأكيد الثلاثاء على "الدعم المشترك لأوكرانيا" غداة إعلان الرئيس الفرنسي أنّ منظومة الصواريخ أرض-جو الفرنسية -الإيطالية "سامب-تي باتت منشورة على الأرض في هذا البلد.
وشكّلت قمة باريس مناسبة لماكرون وميلوني للتحضير لقمة المجلس الأوروبي في 29 و30 حزيران/يونيو وقمة حلف شمال الأطلسي في فيلنيوس في 11 و12 تموز/يوليو.
ويقول جان-بيار دارنيس الاستاذ في جامعة لويس في روما: "نلاحظ أن العلاقة بين فرنسا والمانيا في الوقت الراهن ليست في أحسن حالاتها...من مصلحة" الثنائي ميلوني-ماكرون تعزيز "التلاقي" على صعيد الاقتصاد الأوروبي.
ويعتبر دارنيس أن هذا اللقاء "ضروري" إلا أنه يعقد "بشكل متكتم تقريبا"، على غرار ما حصل في تشرين الأول/أكتوبر في روما، فرئيسة الوزراء الإيطالية توجهت إلى باريس في الأساس للدفاع عن ترشح العاصمة الإيطالية لاستضافة "معرض أكسبو 2030 الدولي"، في حين أنّ باريس تدعم ترشيحاً منافساً.
وحذر مارك لازار من أنّ "الخلافات والجدل ستستمر بين اليمين الإيطالي وحزب ماكرون" حتى الانتخابات الأوروبية في حزيران/يونيو 2024 إذ "ثمة اختلافات عميقة بينهما حول مستقبل أوروبا، ما قد يؤثر في عودة العلاقات إلى طبيعتها".