يبدأ مسلسل "أمومي" Maternal الدرامي الجديد الذي تعرضه قناة "آي تي في" ويدور حول الأمومة والعمل في مهنة الطب، بمشهد مثير للقلق من الفوضى المتناغمة. تحاول ثلاث طبيبات، مرهقات ويعانين من نقص شنيع في النوم، تقديم وجبة الإفطار لأطفالهن المزعجين وتجهيزهم للذهاب إلى الروضة وفصلهم عن صناديق ألعابهم الفائضة ليتمكن من إيصالهم في الوقت المناسب. هذا هو أول يوم بعد إنهاء كل منهن إجازة الأمومة الخاصة بها، على رغم أن هذا الروتين المحموم الأشبه بتدريب عمال الإطفاء، سيتكرر كل صباح بصيغة أو بأخرى، تماماً كما يحدث في كل المنازل المنتشرة في أنحاء المملكة المتحدة وخارجها (بما فيها منزلي). مريم (التي تلعب دورها بارمايندر ناغرا) هي اختصاصية طب أطفال تعود إلى وظيفتها بعد إجازة أمومة استمرت حوالى عامين. إنها تجرؤ على الإجهار بسؤال يمكن أن يعتبر إدانة لأي أم عاملة، أو قد يولد شعوراً ساحقاً بالذنب لدى أي أم جديدة، فتصرخ قائلة لزوجها عبر السيارة التي تملؤها صرخات الرضيع: "ماذا لو كرهت الابتعاد عنهم؟ ... أو أحببت الابتعاد عنهم، وهذا أسوأ، أليس كذلك"؟
تنضم إلى ناغرا الممثلة ليزا ماكغريليس، بطلة مسلسل "ماما" Mum، التي تلعب دور هيلين، طبيبة في عيادة للأمراض الحادة، تمت ترقية زوجها الخائن ليصبح مديرها بينما كانت في إجازة طويلة لتربية أطفالهما. العضو الأخير في الثلاثي هي كاثرين التي تؤديها لارا بولفر بطلة مسلسل "شيرلوك" Sherlock، وهي أم عازب تواجه صدمة تعمل جرّاحة، تفتقد إلى الدعم لدرجة أن والدتها نفسها تطلب حذف اسمها من قائمة الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم في حالة الطوارئ. من الصعب تخيل أن كاثرين كانت تحتفظ بأي شيء في الثلاجة باستثناء النبيذ والصلصات المعلبة قبل إنجاب ابنتها إليس. لقد سمعت وصفاً للأمومة بأنها التجول في العالم بينما تحملين قلبك خارج جسدك وهو توصيف رومانسي. ما تقوله هؤلاء الممثلات، وكلهن أمهات في الحياة الواقعية، هو أن تجربة الأمومة قادرة على جعلك هشة ومرتجفة مثل عصب عار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا يقتصد المسلسل في استعراض الدراما التي تدور في المستشفيات: تقدم كل حلقة معضلة طبية حرجة لا يتم إيجاد حل لها دائماً. لكن الصراع الجوهري في "أمومي" الذي يربط بين تلك الطبيبات، مرتبط جدا بتجربة الأمومة الحديثة لدرجة أنه يكاد يكون مملاً: كيف تقضين يومك بينما تعلمين أن اليوم التالي سيكون مرهقاً بالقدر نفسه. حتى أن التنسيق لإجراء مكالمة مصورة مع ناغرا وماكغريليس وبولفر في الوقت نفسه كان بمثابة درس مثالي في محدودية الوقت لدى الأهالي، ولم ننجح في ذلك بالضرورة لأن الأطفال قادرون على استشعار متى تتأثر حاجاتهم بسبب جدول شخص آخر. عندما كنت أتحدث إلى ماكغريليس، يبدأ طفلي الصغير بمناداتي من خلف الباب متوسلاً إلي للانضمام إليه في غرفة لعب الأطفال، أو كما تسميها ماكغريليس التي لديها هي الأخرى طفل في سن الثانية "بالوعة فائضة بشدة". اتفقت منذ البداية على منح بولفر استراحة محددة لتتمكن من تجهيز ابنتها للقيلولة عندما نسقت محادثتي معها ومع ناغرا، وهما صديقتان مقربتان في الواقع تعيشان بالقرب من بعضهما البعض في لوس أنجليس. كان وجود ناغرا التي لديها ابن في سن المراهقة، مساعداً ليؤكد لنا أن الأمر يصبح أبسط من الناحية اللوجستية على الأقل بمرور الوقت. تقول: "لكن الصعوبة تكون حقيقية" إلى حين بلوغ تلك المرحلة.
ليس من الواضح مقدار التشابه في ماضي مريم وهيلين وكاثرين، ما عدا حقيقة أنهن يعملن في المستشفى ذاته وأنجبن أطفالهن في الوقت نفسه. تشير ماكغريليس إلى أن إنجاب الأطفال في الفترة عينها يساعد في الواقع على خلق روابط عميقة، ربما بشكل خاص بالنسبة للأشخاص الذين أصبحوا آباءً أثناء فترة العزلة التي فرضها وباء كورونا، مثل البطلات الثلاث (ومثل ماكغريليس، بولفر ومثلي). لما كانت السيدات في موقع التصوير في ليفربول الصيف الفائت، كن وعائلاتهن يتناولن الطعام سوية، ويعتمدن على بعضهن للتوصيل بالسيارة وتبادل جليسات الأطفال، حيث أصبحت الممثلة رازا جافري، ابنة عم زوج بولفر، والتي تلعب أيضاً دور طبيبة في "أمومي" جليسة أطفال ناغرا. تقول ماكغريليس إنها لم تضع نفس القدر من شخصيتها في دور ما على الأطلاق أو شعرت بالرابط بينها وبين الشخصيات أكثر من هؤلاء النسوة المرهقات.
قد تكون صناعة الفن غير رحيمة بالآباء الجدد. بعد ولادة أكبر أبناء ماكغريليس، عادت الممثلة إلى العمل بعد سبعة أسابيع فقط من الولادة. تخبرني: "كنت أدر الحليب بكثرة، لذلك كنت منزعجة طوال الوقت، وأصبت بالتهاب الثدي. كنت مضطرة إلى استخراج الحليب كل ساعتين" لكن في مهنة التمثيل "عندما يعرض عليك دور عليك قبوله نوعاً ما". كانت "تضغط على نفسها" أثناء اليوم ثم تنهار وتبكي عندما تعود إلى المنزل. تضيف: "لذلك أنا أعرف ما هو شعورك عندما تحاولين أن تكوني شيئين في وقت واحد، وعدم إجادة أي منهما على الإطلاق". عانت من أرق "هستيري" بعد ولادة طفلتها الثانية، كلوي، التي تلعب دور صغيرتها في المسلسل، وعادت للعمل بنفس سرعة رجوعها بعد ولادة طفلها الأول.
كانت الأعباء المحددة الملقاة على عاتق الأم العاملة أخيراً تتصدر الأعمال الكوميدية الممتازة، بما في ذلك مسلسل "كارثة" Catastrophe المضحك من بطولة شارون هورغان و"أشياء أفضل" Better Things الاستفزازي والجريء من بطولة باميلا أدلون. لكنني أجد "أمومي" متفرداً لأنه يلتقط قسوتها بدقة.
لا تقتصر الأمومة العاملة فقط على الإهانة الفاضحة لحضور اجتماع ببلوزة مبقعة بالحليب، أو حتى الاختيار البشع بين تقديم عرض يضمن لك ترقية والوصول إلى مدرسة طفلك في الوقت المناسب لحضور مسرحية عيد الميلاد. إنه ملايين التفاصيل اليومية التي تبدو تافهة. تذكر تحضير وجبة الغداء المدرسية، واختيار ما ستضيعنه فيها، ولوم نفسك لأن التفاح نفد. تقرير ما ستقولينه لطفلك، ثم التمني فوراً لو أنك قلته بأسلوب ألطف. إنه تذكر أن هاتفك ما زال في المنزل بمجرد تشغيل محرك سيارتك، ثم الإسراع لجلبه، والانطلاق لإيصال الأطفال إلى المدرسة بسرعة للتعويض عن التأخير والوصول إلى العمل في الوقت المحدد. لأن إخفاء الأمومة هو المعيار المثالي الذي تشعر الأمهات العاملات بالضغط كي يصلن إليه، مثل سماع عبارة: "آه، أنت أم لتوأم؟ لم أكن لأخمن ذلك".
كانت مشاهدة "أمومي" في بعض الأحيان أشبه بالتحديق في مرآة غير لطيفة. مثلي مثل هيلين، جررت ابنتي الغاضبة إلى السيارة، قلقة حيال ما إذا شاهدني أحد الجيران أكثر من اهتمامي بمشاعر طفلتي. ومثل كاثرين، قبلت تكليفاً من العمل في اللحظة الأخيرة لأنه بدا ممتعاً أكثر من خيار العودة إلى المنزل وصرف جليسة الأطفال. قول إن كونك أماً عاملة، أو أكرر مرة أخرى أي نوع من الأمهات، يتعلق بالتضحيات هو عبارة ممجوجة. ما يصوره "أمومي" بطريقة وحشية ومقنعة هو أن التجربة المعاشة لـ "النجاح في كل شيء" هي في الواقع سلسلة من الإخفاقات الصغيرة.
تصف بولفر المسلسل الذي يبدأ بمقطع تجري أحداثه خلال نوبة عمل في هيئة خدمات الصحة الوطنية بأنه "سياسي بهدوء"، وتقصد بذلك أنه يهدف إلى الإمتاع أكثر من إثارة الجدل. إنها محقة، ومع ذلك فكلما شاهدت المزيد من الحلقات كلما بدا سياسياً أكثر. إنه يدور حول هيئة خدمات الصحة الوطنية، ونقص التمويل، وكيف دمر الوباء البنية التحتية الهشة لقطاع الرعاية الصحية، وتركيبة المجتمع التي تجعل عبء التربية يقع في الغالب على الأمهات، وهي حقيقة كشفها الوباء ثم فاقمها. حتى عنوان المسلسل، أمومي، فاجأني باستعداده الشجاع لاستبعاد فئة من المشاهدين.
في أحد المشاهد المهمة في الحلقة الأولى، تطلب كاثرين من بيكي، وهي جراحة أقدم منها لديها أطفال، أن تنصحها كيف تمكنت من الحفاظ على أسرتها بينما كانت تقضي ساعات كافية في غرفة العمليات. تنفجر بيكي بشكل عفوي في البكاء بسبب عدم جدوى المحاولة حتى. تقول: "هل تريدين نصيحتي؟ احصلي على تدريب الآن وأنت ما زلت شابة كفاية للقيام بعمل آخر". عندما تصر كاثرين على أنها لا تريد سوى أن تكون جراحة، تجيبها بيكي بلا رحمة: "إذن لماذا صرت أماً؟".
مما أثار إعجابي وأرعبني في الفقرات المتاحة للنقاد لمشاهدتها من الحلقات كان التأثير اللاحق والواسع غير المتوقع للأمومة الجديدة. ربما تعود بعض النساء إلى المكتب مثلما تركنه بالضبط، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لأخريات، وهنا أتحدث عن نفسي وعن كل أم أعرفها شخصياً. عندما كانت بولفر لا تزال حبلى بابنها البكر، تساءلت الممثلة الطموحة عما إذا كانت تريد الأداء مرة أخرى. في المسلسل، تحطمت أعصاب مريم بسبب سماع بكاء الأطفال لمدة عامين، وأصبحت بسبب ذلك طبيبة أقل ثقة. وكاثرين تتوق بيأس لاستئناف حياتها كجراحة متفوقة لدرجة أن اكتفاءها الذاتي أصبح نقطة ضعفها. تقول لزميلاتها في محاولة لتحفيزهن، اكتفينا من قصص الأطفال المصورة، "دعونا نستخدم عقولنا". لكن عندما تكون الصغيرة إليس نائمة تحدق بهدوء في صورتها.
تذكرنا ناغرا أكثر من مرة خلال محادثتنا بأن تربية الأطفال ليست عملية متجانسة واحدة ولكنها سلسلة من المراحل، لكل منها ملذات وتحديات مميزة. تركز هذه السلسلة، حتى الآن، على اللحظة التي تبدأ فيها الأم بدمج شخصيتها التي اكتسبتها منذ ولادة طفلها مع المرأة التي كانت لها الهيئة نفسها. أحد العناصر التي تحظى بتوثيق جيد أقل للأثر الواسع هو كيف تستطيع اللحظة نفسها خلق رابط فوري بينك وبين غرباء لديهم أطفال في نفس عمر صغيرك وأن متع الأمومة قد تمتد إلى ما هو أبعد من الاستمتاع بأطفالك. يقدم مسلسل "أمومي" رؤية غنية متعددة المستويات لأمومة المرأة العاملة على أنها مُرضية بصدق وتسهم في بناء وسط محيط بالنسبة للمحظوظات. حتى عندما تكون الأمومة في أصعب حالاتها، يكون العزاء على هيئة شخص يذكرك بأن هذه المرحلة ستنقضي.
يبدأ عرض مسلسل "أمومي" على شاشة "آي تي في" يوم الاثنين الساعة 9 مساء.