بصيص أمل.. كيف تساعد غرسات دماغية المصابين بالشلل على "التحدث" مجددًا؟

منذ 1 سنة 150

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- كان لدى الدّكتور جيمي هندرسون أمنيّة واحدة طوال فترة طفولته، تتمحور حول أن يتمكّن والده من التحدّث معه. والآن، بصفته عالمًا، وجرّاح أعصاب في جامعة "ستانفورد" للطّب، يعمل هندرسون وزملاؤه على تطوير غرسات دماغيّة قد تكون قادرة على تحقيق رغبات مماثلة لأشخاص آخرين يعانون من الشلل، أو ضعف النّطق.

تُظهر دراستان نُشرتا في مجلة "Nature" الأربعاء،  كيف يمكن لغرسات الدماغ، الموصوفة بالأطراف الصناعيّة العصبيّة، تسجيل النشاط العصبي للشخص لدى محاولته التّحدث بشكلٍ طبيعي.

وبعد ذلك، يمكن فك تشفير النشاط الدماغي وتحويله لكلمات على شاشة الحاسوب، وذلك عبر الصوت، أو حتّى باستخدام شخصيّة رمزيّة متحرّكة.

وقال هندرسون، مؤلّف إحدى الدراستين، وأستاذ في جامعة "ستانفورد"،بمؤتمرٍ صحفي حول بحثه: "عندما كنت في الخامسة من عمري، تعرّض والدي لحادث سيارة مدمِّر جعله بالكاد قادرًا على الحركة أو الحديث. أتذكّر أنّني كنت أضحك على النكات التي حاول قولها، لكنّ قدرته على الكلام كانت ضعيفة للغاية لدرجة أنّنا لم نتمكن من فهم النكتة".

ودرس هندرسون وزملاؤه في جامعة "ستانفورد" ومؤسسات أمريكيّة أخرى، استخدام أجهزة استشعار الدماغ المزروعة لدى بات بينيت البالغة من العمر 68 عامًا.

وكانت بينين شُخِّصت بالتصلّب الجانبي الضموري عام 2012، ما أثّر على قدرتها على الكلام.

وفي دراستهم، كتب الباحثون أنّ بينيت تمكّنت من إبداء بعض حركات الوجه المحدودة، ونطق الأصوات، لكنّها لم تستطع إنتاج كلمات واضحة بسبب مرض التصلب الجانبي الضموري، وهو مرض عصبي نادر يؤثّر على الخلايا العصبيّة في الدماغ والحبل الشوكي.

وفي مارس/آذار من عام 2022، أجرى هندرسون عمليّة جراحيّة لزرع مصفوفات من الأقطاب الكهربائيّة في منطقتين من دماغ بينيت.

وسجّلت الغرسات نشاطًا عصبيًا عندما حاولت بينيت إبداء حركات الوجه، أو إصدار الأصوات، أو التحدث بكلمات مفردة.

ورُبِطت المصفوفات بأسلاك تخرج من الجمجمة، وتم توصيلها بجهاز حاسوب.

وقام البرنامج بفك تشفير النشاط العصبي، وتحويل النشاط إلى كلمات معروضة على شاشة الحاسوب في الوقت الفعلي.

وعندما انتهت من الحديث، ضغطت بينيت على زر لإتمام فك التشفير.

بصيص أمل.. كيف تساعد غرسات دماغية المصابين بالشلل على "التحدث" مجددًا؟درس باحثون استخدام أجهزة استشعار الدماغ المزروعة لدى بات بينيت البالغة من العمر 68 عامًا. Credit: Steve Fisch/Stanford Medicine

وقيَّم الباحثون هذا الابتكار أثناء محاولة بينيت التحدث عبر النطق، وتحريك فمها من دون النطق.

ووجد الباحثون أنّه عند استخدام مفردات مكوّنة من 50 كلمة، بلغ معدّل الأخطاء في فك التشفير 9.1% في الأيام التي نطقت فيها بينيت، و11.2% في الأيام التي كانت صامتة فيها.

وعند استخدام مفردات مكوّنة من 125 ألف كلمة، بلغ معدل الخطأ في الكلمات 23.8% في جميع الأيام التي حاولت فيها النطق، و24.7% في الأيام الصامتة.

وقال مؤلف الدراسة، والعالم في معهد "هوارد هيوز" الطبي التابع لمختبر الأطراف الاصطناعيّة العصبيّة، فرانك ويليت، في المؤتمر الصحفي: "في عملنا، نحن نُظهِر أنّه يمكننا فك رموز محاولات الكلام بمعدّل خطأ يبلغ 23% عند استخدام مجموعة كبيرة مكوّنة من 125 ألف كلمة محتملة. وهذا يعني فك رموز حوالي 3 من كل 4 كلمات بشكلٍ صحيح".

وأضاف ويليت: "مع هذه الدراسات الجديدة، أصبح من الممكن الآن تخيّل مستقبلٍ يمكننا فيه توفير إمكانيّة الحديث بطلاقة مجددًا لشخصٍ مصاب بالشلل، وتمكينه من قول ما يريد قوله بحريّة ودقّة عاليتين بما يكفي لفهمه بشكلٍ موثوق".

وكتبت بينيت في بيان صحفي: "بالنسبة لغير اللفظيّين، يعني هذا أنّهم يستطيعون البقاء على اتصالٍ بالعالم الأكبر، وربما الاستمرار في العمل، والحفاظ على الأصدقاء، والعلاقات العائليّة".

ومع ذلك، في الوقت الحالي، ذكر الباحثون أنّ النتائج التي توصلوا إليها هي "إثبات لمفهوم" أنّ فك تشفير حركات الحديث باستخدام مفردات كبيرة أمر ممكن، لكن يجب اختباره على عددٍ أكبر من الأشخاص قبل أخذه بعين الاعتبار للاستخدام السريري.

هناك أمل

وشملت الدراسة الأخرى المنشورة الأربعاء امرأة لم تستطع التحدث بوضوح بسبب الشلل بعد إصابتها بجلطة دماغيّة عام 2005، عن عمرٍ يناهز 30 عامًا.

وفي سبتمبر/أيلول من عام 2022، زُرِع جهاز قطب كهربائي في دماغها في مركز "UCSF" الطبي في سان فرانسيسكو من دون أي مضاعفات جراحيّة.

وسجلّت الغرسة نشاطًا عصبيًا تم فك شفرته وتحويله إلى نص على الشّاشة.

وكتب الباحثون في الدراسة أنّهم شهدوا عمليّة "فك تشفير دقيقة وسريعة للمفردات الكبيرة" بمعدّل وسطي بلغ 78 كلمة في الدقيقة، ومعدل خطأ ​​في الكلمات بلغ 25%.

ومن جهة أخرى، عندما حاولت المريضة التحدث بصمت، تم تركيب نشاطها العصبي على شكل أصوات الحديث.

كما طوّر الباحثون رسمًا متحركًا للصورة الرمزية للوجه لمرافقة الكلام المُركَّب بناءً على حركات وجه التي حاولت المريضة إبداءها.

وفي المؤتمر الصحفي، أشار الدّكتور إدوارد تشانغ، وهو جرّاح الأعصاب ومؤلّف الدراسة من جامعة "كاليفورنيا" في سان فرانسيسكو، إلى "تداخل" نتائج الدراستين الجديدتين حول غرسات الدماغ، إضافةً إلى "هدفهما طويل المدى" المتمثّل باستعادة القدرة على التواصل لدى المصابين بالشلل.

ورُغم دراسة الأجهزة الموصوفة في البحثين الجديدين بصفتها "إثباتات للمفهوم"، وكونها غير متاحة تجاريًا حاليًا، إلا أنّها قد تُمهّد الطريق للعلوم المستقبليّة، وربما الأجهزة التجاريّة المستقبليّة.