بشار جرار يكتب عن تصفية إسرائيل للسنوار و"اليوم التالي" للحرب في غزة

منذ 1 شهر 81

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

بطل مغوار، أم مجاهد مغامر، أم إرهابي مقامر، بصرف النظر عن موقف الجمهور من يحيى السنوار القائد السياسي والعسكري الفعلي والأوحد لحركة "المقاومة الإسلامية" (حماس) فإن المشهد الأخير ثبتت تفاصيله بتحليل الجينات أم مطابقة البصمات أم بالتحليل الفني للصورة كما فعلت CNN، فإن المؤكد هو خروج "البطل" من المشهد، غيابه أو تغييبه عن المسرح.

والمسرح هنا لا يقتصر على رفح وقطاع غزة ولا على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية ولا حتى على التنظيمات والنظم التي رفعت قبل سنوات من "طوفان الأقصى" شعار "وحدة الساحات". اتضح من الناحية العملية، أن الوحدة الحقيقية تمثلت ببنك أهداف إسرائيلي مرصود منذ سنين، وربما عقود.

اختيار الإعلان عن توقيت تصفية السنوار أتى في تمام اليوم العاشر من اختتام عام على حرب السابع من أكتوبر الذي تقول إسرائيل إنه اتضح بحسب وثائق وتحقيقات حصلت عليها جراء عمليات "سهام الشمال" أن الخطة -خطة محور إيران- كانت تقتضي فتح جبهتين جنوبية فشمالية تعززها -وإن اقتضى الأمر تعضدها- بفتح الجبهة الأهم وهي دخول نظام ملالي طهران الحرب بشكل مباشر لا مجرد رشقات صاروخية ومسيرات معلنة -متفق عليها- بعد أو مع الأذرع الأخرى في اليمن وسوريا والعراق.

مسارعة كامالا هاريس نائب الرئيس والمرشحة الرئاسية، مسارعتها الإدلاء بتصريح مقتضب -حتى قبل تأكيد قطعي من مصادر أخرى غير إسرائيلية مقتل السنوار- أشارت فيه إلى التأكيد على "اليوم التالي" ليس في غزة وحدها. المراد هو وقف تداعيات الحرب والتأسيس لـ "مسار" ينتهي بتلبية "تطلعات الفلسطينيين". كان الرئيس جو بايدن وهاريس قد أكدا مرارا -ومعهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن العائد إلى الشرق الأوسط في جولة جديدة- أكدوا جميعا الحاجة إلى "مسار يؤسس لتحقيق رؤية الدولتين". اقترن هذا المسار بحديث واضح -أتى على لسان هاريس على هامش قمة المناخ في أبوظبي العام الماضي- دعت فيه إلى "قيادة فلسطينية متجددة".

هل هذه "المتجددة" تعني انتهاء مرحلة أكثر المتحمسين لسوريا وإيران وحزب الله والحوثي، يحيى السنوار؟ هل تعني عودة حماس إلى الإخوان بعد ثبوت خذلان إيران إلى حد الخيانة كما تعالت بعض الأصوات التي اتهمت طهران بأنها "باعت" محورها على محرقة المفاوضات السرية، قبل عودة الرئيس السابق والمرشح الرئاسي دونالد ترامب؟ هل تم استدراج السنوار "منفردا" بمرافقة شخصين فقط إيهاما له بالموافقة على صفقة كبرى؟ هل كان استدارج كبش حنيذ لمحرقة تمت تغطيته بسردية مقتله دون استهداف بقذيفة مدفعية إثر اشتباك، أم أن الأمر اختراق استخباري تم من خلاله إعادة توجيه مسارات تحركه من تحت الأنفاق إلى المباني التي تخفي مداخلها في عملية أشبه ما تكون بـ "غزوة البيجرات وواقعة الووكي توكي"، أم باختراق أكثر تعقيدا، تمثل مثلا بتغيير إحداثيات "جي بي إس" التي شكا منها مواطنو وسواح عدد من دول الشرق الأوسط منذ بدء سلسلة التصفيات الكبرى التي استهدفت قادة حماس وحزب الله في لبنان وإيران، منذ صالح العاروري، فؤاد شكر، إسماعيل هنية، وثلاثة صفوف من القيادات العليا في حزب الله السياسية والعسكرية بمن فيهم "خليفة وخليفة خليفة" حسن نصرالله الأمين العام الأسبق لجماعة "حزب الله" اللبنانية المدعومة من إيران؟

هل يتم اختيار حليف قريب للإخوان رئيسا لحماس؟ هل يكون قريبا من تركيا أو من مزدوجي الجنسية كموسى أبو مرزوق الذي حمل الجنسية الأمريكية منذ ما قبل محاولة الموساد الفاشلة قتل أقرب حلفائه خالد مشعل والذي رهن العاهل الأردني الراحل الحسين بن طلال مستقبل معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية بحياة مشعل وحققه معها -الترياق من السم- أهدافا أخرى من أهمها إخلاء سبيل زعيم حماس ومؤسسها الشيخ أحمد ياسين.

هل تكون العودة إلى منظمة التحرير الفلسطينية وبالتالي توفير الشروط المناسبة لتنفيذ رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية –"رئيس دولة فلسطين"- محمود عباس وعده بدخول قواته قطاع غزة قبل أو بعد ترتيبات وضمانات دولية وعربية وربما إسلامية تنزع الغطاء "الشرعي" أو الديني السياسي عن تنظيمات كثيرة رفعت شعار الأقصى وفلسطين بعيدا عن 56 دولة عربية وإسلامية قادرة على التأسيس لسلام شامل عادل طال انتظاره؟

بتقديري، إقرار رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو المنتشي بانتصارات -هي في حقيقة الأمر استخبارية عسكرية قائمة على الدعم الأمريكي والأطلسي دونما تعطيل لذلك الدعم من أطراف إقليمية ودولية من بينها تركيا والصين وحتى إيران وروسيا- إقراره بأن قتل السنوار هو "بداية نهاية" الحرب وهو الأمر عينه الذي أكده المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميللر، الخميس، بأن واشنطن "ستضاعف جهودها" لوقف الحرب وانطلاق مسيرة "الأفق السياسي" ذلك الأفق الذي دعا العاهل الأردني عبدالله الثاني بن الحسين من على منبر الأمم المتحدة مرتين قبل وبعد اندلاع حرب السابع من اكتوبر بأنه السبيل الوحيد أمام الراغبين حقا في صنع السلام. سلام لا تضييع فرصه كما كتب في مستهل حكمه في كتاب "الفرصة الأخيرة" قبل نحو ربع قرن..