بشار جرار يكتب عن تشكيل نتانياهو لأكثر حكومة يمنية في إسرائيل: عودة أطول القادة الإسرائيليين في الحكم إلى رئاسة الوزراء

منذ 2 سنوات 253

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

حدث كبير ما جرى في إسرائيل، الثلاثاء، وعلى أكثر من صعيد. انتخابات استثنائية بنتائج قياسية للكنيست الخامس والعشرين منذ قيام إسرائيل. العنوان الأكبر تمثل بعودة "مظفرة" لأطول رؤساء الحكومات الإسرائيلية في الخدمة، اثنا عشر عامًا دون انقطاع. عودة بعد غياب لم يدم سوى ستة عشر شهرًا.

العنوان الأكبر ربما هو تشكيل مرتقب لأكثر الحكومات الإسرائيلية يمينية منذ قيام الدولة. وتلك ليست "صدفة" سياسية في ظل مشاركة هي الأعلى في الاقتراع منذ عام 1999. بلغت نسبة الاقتراع بحسب اللجنة المركزية للانتخابات في إسرائيل، وهي هيئة مستقلة، 57.7%. الحكومة السابعة والثلاثون في تاريخ إسرائيل ستكون تحالفا يجمع الليكود، حزب بنيامين نتانياهو، مع حزبين يمينيين عمليًا بقيادة الصهيونيين المتدينين، مع إتاحة الفرصة لتوسعة لا تخرج عن المروحة اليمينية بحيث لا تفرض عليه لا مشاركة عربية من اليسار، ولا اليسار الإسرائيلي أيضًا الذي مُني بهزيمة نكراء.. يسار الوسط ميريتس، صار خارج الكنيست لأول مرة منذ عام 1993. يُتهم بأنه الأكثر يسارية فيما يخص تسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وعليه كانت الخسارة محتومة خاصة مع صعود اليمين.

أمام نتانياهو أغلبية مريحة 64 أو 65 صوتًا لكن الضغوط التي قد يتعرض إليها مع أول امتحان ستكون من "ذوي القربى" حزبيًا من اليمين السياسي والديني. يعلم مؤيدو ومعارضو نتانياهو داخليًا وخارجيًا أن الرابح الأكبر في هذه الانتخابات الخامسة منذ 2019 هو زعيم تحالف الصهيونية الدينية إيتامار بن غفير، المتهم من قبل الإسرائيليين العرب بالعنصرية، والمتهم من قطاع ليس بالصغير من الإسرائيليين بالتشدد الديني والتطرف السياسي. حزبه والحريديون (المتدينون من اليهود الأرثوذوكس) عمومًا رفعوا عدد مقاعدهم من خمسة عشر إلى تسعة عشر مقعدا، وهو نصر سياسي لم يحظ به من حيث الأداء حتى الليكود.

امتحانات كثيرة متوقعة من شريك نتانياهو الأقوى داخل أسرة اليمين. أبدأ بالهيّن والذي يبدو أنه محل إجماع. التصدي للجريمة المنظمة في الوسط العربي الإسرائيلي. شعار متفق عليه، لكن ضمن رؤى متضاربة بعضها ذهب إلى حد تبني نظرية المؤامرة! "قمع" عصابات تهريب المخدرات والسلاح مثلا قد يتخذ غطاء لقمع أمني سياسي يدفع بعزل العرب الإسرائيليين وترحيلهم إلى غزة أو دول جوار، كما يريد بن غفير عوضا عن تفعيل مشاركتهم في الحياة السياسية. نحو 55% من عرب إسرائيل لم يشاركوا بالاقتراع في هذه الانتخابات رغم النجاح اللافت الذي تحقق نسبيا في ظل حكومتي نفتالي بينيت ويائير لابيد.

أما الامتحانات الأكثر خطورة فهي أمنية سياسية يراها كثيرون، ومن الطرفين العربي والإسرائيلي، "وجودية": المس بالوضع الراهن "ستاتيس كو" في القدس وضم غور الأردن.

مع التشظي الأفقي والعمودي في سلطتي رام الله وغزة - لا أحد اقتنع بمصالحة الجزائر الأخيرة، قياسًا بفشل مصالحات عديدة سبقتها أهمها المصالحة التي رعتها السعودية في مكة المكرمة بين فتح وحماس عام 2007. هاجس اندلاع انتفاضة ثالثة قائم، سواء أكانت نتيجة "انعدام الأفق السياسي"، كما حذر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ابن الحسين مرارًا، أو مقدمة لفوضى "خلاقة" يراد منها إحداث فراغ أمني في الضفة الغربية أو قطاع غزة بكل ما يحمله من خطوط حمراء وهواجس أمنية من ضمنها التهجير القسري "ترانسفير"، والذي يعتبر قضية أمن قومي وخط أحمر "مغلّظ" بالنسبة لمصر والأردن.

من المؤكد أن نتانياهو يولي حاليا اهتمامًا أكبر بملف إيران - الذي قد ينهار نظامه كما تفاءل الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل يومين. لدى نتانياهو رصيد كبير في اتفاقات إبراهيم، وعينه على عودة - غير مستبعدة - للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي منحه ما لم يكن ليحلم به هو واليمين الإسرائيلي: الاعتراف بالقدس "عاصمة موحدة وأبدية" لإسرائيل والاعتراف بضم الجولان.

أيام صعبة بانتظار أطراف كثيرة ونتانياهو لن يكون بمنأى عن ضغوط غير مسبوقة داخليًا وخارجيًا.. مرة أخرى الرابح من يملك نظرًا أبعد ونفسًا أطول.