بسطات "الكتب المزيفة" في فلسطين... ملاذ للقارئين وكابوس للناشرين

منذ 1 سنة 203

قد يتربع كتاب "الرجال من المريخ والنساء من الزهرة" للكاتب الأميركي جون غراي على رفوف أرقى المكتبات العالمية، لكنك قد تجده أيضاً عند بسطة الفلسطيني العم فواز (45 سنة) في رام الله بالضفة الغربية، مع كتب أخرى لنيكولو ميكافيلي وإسحق نيوتن ومؤلفات حائزة جائزة نوبل، مثل رواية "العمى" للكاتب البرتغالي خوسيه ساراماغو.

في مساحته المحدودة على الرصيف المكتظ بالباعة والمتسوقين، يرتب فواز كثيراً من كلاسيكيات الأدب العربي والعالمي والمترجم وكتب السياسة والفلسفة والحب، وقد تلمح على بسطته كتباً جديدة بعد أسبوع أو اثنين من صدورها، تباع غالباً بنصف ثمنها الحقيقي أو أقل، فالكتب المقلدة على البسطات والأرصفة في فلسطين، والتي يتراوح سعرها بين خمسة إلى 20 دولاراً، أصبحت ملاذاً لكثير من القراء الشباب، الذين لا يملكون المال اللازم لشراء الكتاب الأصلي من المكتبات المرخصة.

ويعيش 36 في المئة من السكان الفلسطينيين ومن بينهم فئة الشباب، تحت خط الفقر، وذلك بحسب أحدث تقرير صدر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، الذي أشار أيضاً إلى أن نصف القوى العاملة الفلسطينية عاطلة من العمل، فيما يتقاضى 83 في المئة من العاملين أقل من الحد الأدنى للأجور (نحو 550 دولاراً).

مشهد حضاري

وتحول بيع الكتب المزيفة إلى نشاط تجاري يوفر مصدر رزق لعدد من الشباب في مدينة رام لله (وسط الضفة الغربية) من دون غيرها، بهدف نشر المعرفة وتشجيع ثقافة القراءة بين الشبان، مع هامش بسيط من الربح، حيث لا يكلفهم الأمر سوى حمل عشرات من المؤلفات والعناوين، والجلوس بها في الشارع، وذلك لتوفير 200 شيكل (68 دولاراً) يومياً من بيع كتب، لا يهم بالضرورة مصدرها.

وبينما ينهمك شباب عشرينيون في تفحص عناوين الكتب، يقول فواز وهو يتكئ على مجموعة من المجلدات "في زمن العولمة والثورة التكنولوجية، لا بد من تشجيع الشباب على إحياء القراءة من جديد، أسوة ببعض الدول الغربية، والعربية مثل الأردن ومصر، حيث لا تخلو شوارعها من بسطات الكتب التي أصبحت مع الوقت ظاهرة حضارية جميلة للمدينة تعكس ثقافتها"، وأضاف "المؤلفات المعروضة هي كتب مقلدة وليست نسخاً أصلية، وسواء أرضى أصحاب دور النشر والمؤلفين أو لم يرضهم ذلك، هناك واقع يقول إن سوق الكتب المزورة والرخيصة وإن كان محدوداً جداً، له جمهوره، وفي النهاية المستفيد الوحيد من كل هذا هو القارئ".

يقول إباء نافع وهو شاب يحرص على شراء الكتب ولديه شغف بالقراءة، "على رغم ضيق ذات اليد، إلا أن الفارق بالأسعار بين الكتب المزيفة مقارنة بالأصلية، يشجع كثيرين على شرائها بثمن بخس، وقد أعاد ذلك الاعتبار لقيمة الكتاب وأهميته، حتى إن البعض أصبح لديه اقتناء الكتب أشبه بالموضة ومدعاة للتباهي".

خسائر كبيرة

وفيما يرى العم فواز أن بسطات بيع الكتب تضيف للمدن "وجهاً أدبياً مشرقاً"، وتعطي الأرصفة فرصة إعادة روح القراءة للناس، يرى آخرون أن الكتب المزيفة تؤثر بلا شك على حقوق الناشر والمؤلف على حد سواء، وأن عمليات القرصنة وإن كانت غير مستفحلة في فلسطين، فإنها تضرب الكتب الأصلية والمؤلفين وتضع المشروع الثقافي الفلسطيني في زاوية حرجة.

مدير مكتبة دار الشروق التي تعد من أكبر المكتبات في الضفة الغربية، خضر البس، يقول، "نحن نتقيد بسعر الكتاب الذي يحدده المؤلف والناشر وبالغالب يكون سعره مرتفعاً، فيما ندفع نحن أجور النقل والشحن من الخارج والتخليص الجمركي، ويتبقى لنا هامش ربح بسيط".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف، "أسعار الكتب مرتفعة في العالم العربي لأن الغرب ببساطة يطبع عشرات أضعاف ما نطبعه، وعدم وجود رقابة من السلطة الفلسطينية لانعدام القوانين الرادعة سيترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لكل من يريد تزوير الكتب وبيعها على البسطات، وعلى رغم أن كتبهم لا يمكن قراءتها بالعين نظراً إلى رداءتها، إلا أن بعضها يباع بسعر الكتب الأصلية، لكن الأدهى من كل ذلك، أن تتسرب نسخة مصورة على الإنترنت من الكتاب متاحة للتحميل المجاني، وهذا يضرب مبيعات الكتاب الأصلي في مقتل".

في المقابل، أجمع عدد من القراء الذين التقتهم "اندبندنت عربية" في الضفة الغربية، أن ارتفاع أسعار الكتب وتكلفتها والظروف الاقتصادية، وضعت القراءة الورقية في حالة متردية جداً، بخاصة في ظل انتشار الكتب الإلكترونية المتاحة من دون عناء البحث عنها، ومن دون أدنى تكلفة مادية، وهو الأمر الذي أجبر بعض المكتبات لبيع اللوازم المدرسية إلى جانب بعض الكتب، لسداد الإيجار الشهري ورواتب الموظفين، بخاصة أن عدد المشترين للكتب في الضفة الغربية يتراوح من خمسة إلى 10 أشخاص شهرياً فقط بحسب كتبيين (متجر إلكتروني لبيع الكتب).

قانون وتشريعات

أظهرت معطيات سابقة للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أن الذكور (فوق 18 سنة) يقضون فقط 2.7 في المئة من أوقاتهم في القراءة بمختلف أشكالها، مقابل نسبة أعلى للإناث تبلغ 4.2 في المئة. وبينت المعطيات، أن معدلات الأمية في فلسطين لعام 2021، تعتبر من أقل المعدلات في العالم بنسبة لم تتجاوز 2.3 في المئة بين الأفراد البالغين 15 سنة فأكثر.

IMG-20230130-WA0054.jpg

وفي الوقت الذي تؤكد فيه وزارة الثقافة الفلسطينية فقدانها لقانون أو نظام يحاسب ويراقب النشر والمكتبات، تشير إلى أن قانون المطبوعات والنشر، ساري المفعول في الضفة الغربية منذ عام 1995، لا يتضمن أي حماية للكاتب ودور النشر في محاسبة المزورين، بخاصة مع تعطل المجلس التشريعي الفلسطيني، وعدم عقده منذ عام 2006 لصوغ القوانين، بينما حذر متخصصون من أن عدم اهتمام الحكومة الفلسطينية بمثل هذا القانون، سيبقي حماية الملكية الفكرية وحقوق المؤلف مؤجلة حتى إشعار آخر.

من جهته، قال مدير الأدب والنشر في وزارة الثقافة الفلسطينية عبد السلام عطاري، إنه "في ظل هيمنة عالم التطور والتكنولوجيا الذي نعيشه على الشباب، والانتشار الواسع لشبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت، أصبحت عملية القرصنة متاحة أكثر وبطرق أسهل وأسرع ولا يمكن السيطرة عليها، حتى باتت مواجهة الكتب المطبوعة والمزورة تحدياً صعباً". 

"ديليفري" وأكشاك

الحال في رام الله ليست مشابهة للحال في مدن فلسطينية أخرى، فعندما اعتزم الشاب نضال الخندقجي (35 سنة) من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، افتتاح كشك متنقل للكتب، جوبه بالرفض من الجهات المسؤولة عن تنظيم المدينة، بحجة أن الأكشاك والبسطات تعطل الحركة المرورية. يقول، "عندما فكرت بوسيلة جديدة لإعادة حبل الود المقطوع بين الشباب وقراءة الكتب، وتوطيد العلاقة بينهما من جديد، وإزاحة الغبار الذي اعترى رفوف المكتبات في المجتمع الفلسطيني، قوبل طلبي بالرفض لأسباب غير واضحة، على رغم تعهدي لهم بتحمل جميع نفقات المشروع".

ومع تردي الظروف الاقتصادية لكثير من الفلسطينيين الشباب، ومنع كثير منهم الجلوس على الأرصفة والطرقات لبيع الكتب، لجأ البعض لبيعها عبر الإنترنت مع خدمة التوصيل حتى المنازل تجبناً للملاحقة القانونية وغضب الناشرين والمؤلفين.