تحيل كلمة "مينيماليست" إلى معجم فني له علاقة بالديكور والأثاث، وتعني البساطة في اختيار الأثاث الخاص بالمنازل والمكاتب.
أصبح هذا التصميم يكتسب أهمية بالغة في العالم بحكم أنه سهل التركيب والاستعمال، بما يجعل الناس داخل بيوتهم يتفننون في استخدامه وفق الطريقة التي يريدون بها تصميم بيوت الضيافة والمطبخ والمكتب، وغيرها. كما أن البساطة فكرة في جوهرها حديثة انتشرت مع الاكتساح العارم للحياة المعاصرة تمثل فلسفة مغايرة مقارنة مع التصاميم العربية الإسلامية المبنية على توجهات ذات صلة بالتراث، ونظراً إلى الأهمية التي بات تحظى بها "مدرسة البساطة"، فإن الطلب على أثاثها وقطعها أصبح كبيراً لدرجة يعاين فيها الزائر مختلف المحال التجارية في عدد من المدن العالمية.
جماليات الصنعة
تأخذ العلاقة بين نمط البساطة والواقع علاقة وجودية، ذلك أن هذا الشكل الفني يحاول عبر جمالياته أن يكون امتداداً حقيقياً للحياة في تلقائيتها، إذ غالباً ما يترك المشاهد مدهوشاً من بساطته الساحرة عبر توليف بصري مذهل.
وظهر هذا النوع من التصميم في الولايات المتحدة خلال السبعينيات في وقت بدا فيه العالم ينزع عنه عباءة مفاهيم المرحلة الحديثة صوب الزمن المعاصر. وتعد هذه المرحلة بمثابة مختبر بصري لهذا الطراز الفني، إذ غالباً ما اختبر نفسه خلال السنوات الأولى في ضوء تحولات المجتمع، مما يعني أن البقاء كل هذا السنوات الطويلة يضمر السحر الذي يمارسه هذا التصميم الداخلي على البيوت والمكاتب والشركات. لقد استبدل الأميركان تصاميم البيوت الداخلية الموروثة جمالياً من عصر النهضة والأنوار، معتمداً على نمط البساطة كموضة جديدة.
وإذا كانت البساطة تدفع الناس إلى استخدام أشكاله وأنواعه في تصاميم بيوتهم، فذلك يعود إلى أن اعتماده على اللونين الأبيض والأسود في غالب الأحيان يمنح العين راحة تجعلها تسبح في فضاء بصري أبيض.
ويعد الفراغ شكلاً من أشكال تماهي "المينيماليست" مع الفضاء، إذ يتناغمان فيما بينهما ويوجهان جمالياً ذائقة المتلقي إلى استخدامه بدرجة أولى، ولتحقيق نسقه البصري وأصالته الفنية يكون لزاماً على المستخدم أن يوحد استخدامه في البيت كله، حتى يترك تأثيره البصري.
فهو نمط لا يمكن توليفه مع عناصر جمالية أخرى مستوحاة من الآرت ديكور أو التراث وغيرهما، مما يعني أنه تصميم فني لا تكتمل جمالياته إلا بتوحيده في الفضاء، ذلك أنه يخضع على مستوى النسق الفني إلى نوع من البساطة الساحرة التي يظهر عبرها المكان فارغاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذا الملمح الجمالي للبساطة يجعله مطلوباً بالنسبة إلى الناس لأنه في جوهره تصميم عملي يمنح للفضاء بهجته وسكونه، ويعطي اللون الأبيض المستخدم في عدد من المنازل بعداً مرتبطاً بالصمت والسكينة والهدوء، كما يعطي للعين بهجتها في اختيار الصور واللوحات على الجدار. وغالباً ما يفرض التصميم طبيعة هذه اللوحات والصور وضرورة تماشيها مع ثيمة الصمت التي يستند عليها التصميم.
حضور عربي باهت
يعد هذا التصميم أقل حضوراً بالعالم العربي، بخاصة في البلدان التي لم تتأثر بالاستعمار، وحررت جمالياتها من التراث، إذ لا يعثر المتابع على توظيف الناس لهذا التصميم واستخدامه في بيوتهم ومكاتبهم، وذلك بطريقة يعطون فيها لمختلف التصاميم الجمالية الأخرى قيمة أكبر من هذا اللون الفني.
وعلى رغم أن الناس لم تعد تبحث عن تصاميم باذخة من حيث التاريخ والأصالة، بقدر ما أضحت تهتم بتصاميم بسيطة وخفيفة تعكس سرعة الحياة المعاصرة التي ينتمون إليها. فإن الأشكال الفنية والجمالية لا تأتي هباءً بقدر ما تكون ذات انعكاس فني أو مرآة جمالية للواقع. فغالب التصاميم الخارجية منها والداخلية، كانت نتيجة لأحداث اقتصادية أو اجتماعية أو فنية أو ثقافية، فهي ما يحركها من الداخل ويدفعها إلى البروز على شكل موضة جمالية. و"نمط البساطة" جاء في مجمله لكسر النسق البصري التقليدي القائم الذي يقيد صناعة التصاميم الكلاسيكية في العالم، كما أنه يؤكد في عدد من قطعه و"تحفه" أنه استمرار للحياة الرأسمالية وامتداد للحياة المعاصرة.
في بعض المدن داخل سوريا والعراق ومصر ولبنان، لا يعثر المرء على كثير من "المينيماليست" في البيوت الداخلية، بحكم أن هذه البيئة لها ذاكرتها الجمالية ونسقها البصري الذي يستمد ملامحه الجمالية من الذاكرة التاريخية، لهذا تلعب تواريخ المنطقة دوراً كبيراً في توجيه ذائقة الناس صوب التصاميم المعاصرة، إذ قلما نعثر عليها داخل هذه البلدان، في حين تحضر قوة داخل ببلدان أخرى، لا سيما التي تأثرت بالاستعمار وحاولت بعد تحررها الانفلات من الهويات المحلية والتقاليد العربية، صوب حداثة تصاميم جمالية كونية، لا تتعلق بالذاكرة والتاريخ، بقدر ما تفتح لها نافذة أخرى.