تزداد كفة التكهنات، بين المعلقين السياسيين، رجوحاً بهزيمة حزب المحافظين في الانتخابات المقبلة، المتوقعة خلال العام القادم. التقارير الإعلامية تؤكد أن حزب العمال يتقدم المحافظين بنسبة 21 نقطة في استبيانات الرأي العام. وأن 47 نائباً برلمانياً من المحافظين، حتى الآن، أعلنوا عن رغبتهم في مغادرة البرلمان نهائياً لدى انتهاء الدورة الحالية، آخرهم كان وزير الدفاع الحالي بن والاس.
يوم الخميس، من هذا الأسبوع، سيشهد عقد ثلاثة انتخابات ثانوية، في ثلاث دوائر انتخابية، لملء ثلاثة مقاعد برلمانية شاغرة، من بينها مقعد رئيس الوزراء الأسبق السيد بوريس جونسون. التنبؤات تشير إلى احتمال خسارة حزب المحافظين للدوائر الثلاث: اثنتان لصالح حزب العمال، وثالثة لصالح حزب الأحرار الديمقراطيين. فما الذي حدث لأكثر الأحزاب السياسية في العالم نجاحاً؟ ولماذا تدهورت حظوظ المحافظين في بريطانيا، في وقت يشهد ارتفاعاً ونجاحاً غير مسبوق في حظوظ الأحزاب اليمينية في أوروبا؟
في إيطاليا وصل حزب يميني بجذور فاشية إلى السلطة، وقيادة ائتلاف يميني. وفي اليونان عاد المحافظون ثانيةً إلى الحكم. ولم ينسَ العالم بعدُ ما حدث في انتخابات الرئاسة الفرنسية الأخيرة، وبعدها الانتخابات التشريعية، وفقدان حزب الرئيس إيمانويل ماكرون أغلبيته البرلمانية لصالح حزب يميني متطرف تقوده السيدة مارين لوبن، وكذلك ما حققه في ألمانيا حزب يميني متطرف (البديل لألمانيا) من نجاحات، ويعد الآن ثاني أكثر الأحزاب شعبية، حسب استبيانات الرأي العام. وفي الانتخابات الإسبانية، التي ستُعقد يوم 23 يوليو (تموز) الحالي من المتوقع، حسب استبيانات الرأي العام، عودة حزب الشعب اليميني إلى الحكم، في ائتلاف، ولأول مرّة، مع حزب يميني متطرف (VOX). وفي السويد وفي فنلندا تمكّن اليمينيون من الإمساك بمقاليد الأمور.
لكن في بريطانيا، تدنّت شعبية المحافظين مؤخراً بشكل ملحوظ، وباتوا على بُعد خطوات قليلة من هاوية الهزيمة. خمسة من رؤساء الحكومات من المحافظين توالوا على الحكم وقيادة الحزب منذ صيف عام 2016، واحداً إثر آخر، أحدهم، السيدة ليز تراس، لم تبقَ في مقعد القيادة سوى أسابيع قليلة، وعُدَّت أسوأ ما شهدته بريطانيا خلال عقود من الزمن، انقلبت خلالها الدنيا رأساً على عقب، بسبب تداعياتها السلبية خصوصاً على القطاع الاقتصادي. فهل فقد المحافظون براغماتيتهم، وأضاعوا البوصلة بعد «بريكست»؟ وهل يمكنهم واقعياً، بعد كل ما شهده الحزب من انقسامات وفضائح أخلاقية، قلب الطاولة على خصومهم، وتفادي هزيمة انتخابية، قد لا تختلف كثيراً عن هزيمتهم عام 1997 على أيدي حزب العمال الجديد، بقيادة السيد توني بلير؟
جهود زعيم الحزب ورئيس الحكومة الحالية السيد ريشي سوناك، وسعيه إلى إعادة الإمساك بمقاليد الأمور، وتصحيح ما حدث من أخطاء، منذ «بريكست» في عام 2016، والعمل على تمكين الحزب في وضعية تمكّنه من مقارعة العماليين في الانتخابات المقبلة، تبدو، حسب آراء المعلقين، غير كافية لتغيير الحظوظ، كونها أخفقت، حتى الآن، في إيجاد حلول لإشكالية تدفق قوارب المهاجرين من فرنسا عبر القنال الإنجليزي، وكبح جماح ارتفاع أسعار الفائدة المصرفية، وأسعار السلع الغذائية والوقود. وما زالت حركة الإضرابات في قطاعات خدمية كثيرة متواصلة، في حين أن خدمات القطاع الصحي العام تدهورت بشكل غير مسبوق، وتنذر بانهياره.
السؤال الأكثر حضوراً وبروزاً، في أذهان المحافظين وأنصارهم، لا يتمحور حول الهزيمة الانتخابية المقبلة، كونهم يتفقون على أنها واقعة بهم. وما يشغلهم حقيقةً هو عدم قدرتهم على التكهن بعدد السنوات التي سوف يقضونها، بعد الانتخابات، على مقاعد المعارضة في البرلمان.
مقارنة تدهور حظوظ وشعبية حزب المحافظين بين الناخبين بنجاحات أحزاب اليمين في أوروبا جديرة، إلى حد ما، بالاهتمام. إلا أنها، في ذات الوقت، قد لا تكون بأهمية المقارنة بحظوظ الحزب الجمهوري الأميركي حليف المحافظين. ذلك أن المقارنة تكون أقرب إلى التفاعل الواقعي حين تكون بين صعود وهبوط أسهم الحزبين الرئيسيين في كل من بريطانيا وأميركا. ذلك أن نجاح الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية والتشريعية في أميركا، على سبيل المثال، ينعكس في العادة بالإيجاب على حلفائهم المحافظين في بريطانيا. والشيء نفسه يقال عن الديمقراطيين في أميركا وحلفائهم العماليين في بريطانيا.
الخسارة المحتملة في الانتخابات الثانوية لن تغيّر في مجرى الأمور كثيراً، كونها متوقعة. لكنها، من جهة أخرى، ستكون مؤشراً على مدى غضب الناخبين من أنصار الحزب من كل ما حدث خلال السنوات القليلة الماضية. آخذين في الاعتبار أن واحدة من الدوائر الثلاث، منذ تأسيسها في عام 2010 ظلّت محافظة، وهي حسب الاستبيانات الأخيرة، في طريقها للوقوع في أيدي العماليين.