أثرت الأزمات والهزات الاجتماعية التي عاشتها تونس خلال العقود الأخيرة بشكل مباشر في بنية الأسرة ونظام الأدوار داخلها، وألقت بظلالها على مواقف وسلوكيات الشباب إزاء فكرة الزواج وتأسيس أسرة، ومن ثم ارتفاع لافت في نسب الطلاق.
وسجّلت تونس 16 ألف حالة طلاق عام 2022، بحسب ما أورده معهد الإحصاء (مؤسسة حكومية)، وهو رقم مفزع بات يهدد توازن المجتمع.
وتواجه البلاد أزمة متعددة الأبعاد: اقتصادية واجتماعية وسياسية، أربكت مؤسسة الزواج التي تتطلب الحد الأدنى من الاستقرار المجتمعي والأمان الوظيفي والمادي.
تطوير الثقافة الزواجية
وفي محاولة منها للحد من تداعيات تفاقم ظاهرة الطلاق على المجتمع، وضعت وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن في تونس، برنامجاً لتأهيل المقبلين على الزواج من أجل تدريبهم وتعزيز قدراتهم على ضمان استقرار أسري، وفق رؤية جديدة تأخذ في الاعتبار التحديات الاجتماعية التي تعيشها الأسرة التونسية.
ويهدف البرنامج إلى تأهيل الشباب، وإكسابهم مهارات علمية للتعامل مع الشريك، بهدف تقوية الروابط الاجتماعية وإنشاء أسرة متماسكة عبر تطوير "الثقافة الزواجية" للمقبلين على الزواج وإكسابهم المهارات اللازمة للتعامل مع الصعوبات التي يمكن أن تعترض الشريكين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول معز حسن، رئيس مأمورية في وزارة المرأة إن البرنامج يهدف إلى "المساهمة في خفض نسب الطلاق داخل الأسرة التي سجلت تصاعداً لافتاً خلال السنوات الأخيرة، وتطوير الثقافة الزواجية للشباب، وإكسابه المهارات اللازمة للتعامل مع الصعوبات التي يمكن أن تعترض الشريكين، من أجل خفض نسب العنف والطلاق داخل الأسرة، علاوة على خفض نسب العزوف عن الزواج لدى الشباب، أو الزواج وفقاً لصيغ غير قانونية".
وستنفذ الوزارة هذا البرنامج خلال الفترة من 2023 وحتى 2025 كتجربة أولى، من خلال "تنظيم دورات تأهيل للشباب قبل إبرام عقد الزواج تتوج بشهادة تأهيل وإصدار دليل تأهيل الشباب للحياة الزوجية".
ويذكر حسن أن عدد عقود الزواج في تونس تقلص إلى 83 ألفاً عام 2019، بعد أن كان في حدود 110 آلاف عام 2014، وعلى رغم تغير التشريعات القانونية في تونس، ووضع شروط صارمة للطلاق الذي يستوجب حكماً قضائياً من المحكمة، فإن النسبة في تزايد لافت.
وضع أسري متأزم
ويؤكد أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية بالعيد أولاد عبد الله، في تصريح خاص، أن ارتفاع نسبة الطلاق يعود إلى "أسباب نفسية واجتماعية ناتجة من التحولات السياسية والاجتماعية في تونس، وأيضاً من تداعيات جائحة كورونا على الأسرة التونسية". لافتاً إلى أن "العائلة باتت الفضاء الأول لتهديد الأطفال".
وجاء في المسح متعدد المؤشرات حول وضع الأم والطفل في تونس لعام 2018 أن "نسبة الأطفال الذين تعرضوا لنوع من أنواع التأديب العنيف في المحيط العائلي بلغت 88 في المئة، والأطفال الذين تعرضوا إلى العنف اللفظي 84 في المئة، ومن تعرضوا إلى العنف الجسدي 22 في المئة".
ويرى عبد الله أن "الفضاء الأسري الذي كان يرمز إلى الوئام والتماسك بات مهدداً بالانكسارات الاجتماعية والطلاق"، مشدداً على أن "الوضع الأسري اليوم متأزم وخطر، وينذر بانفجار هذه المؤسسة الاجتماعية".
وللحفاظ على استقرار مؤسسة الزواج، يقترح عبد الله "تحسين الأوضاع الاجتماعية للأسر التونسية، وتعديل التوقيت المدرسي للتلاميذ، وتمكين الأم من نظام وظيفي خصوصي من أجل المكوث مع أبنائها وقتاً كافياً، والعمل على إحداث التوازن الأسري، وتعزيز ثقافة الحوار داخل الأسرة عبر وسائل الإعلام والمجتمع المدني ومؤسسات الدولة".
كما يقترح المتخصص في علم الاجتماع "التقليص من التوجه المباشر إلى القضاء لفض إشكالات عائلية بسيطة، من خلال تفعيل الوساطة العائلية ومؤسسات حماية الطفولة وتعزيز الإعلام الاجتماعي والتعريف بالمؤسسات التي تشتغل على الوقاية الاجتماعية والتعهد بأفراد الأسرة".
مؤسسة زواج مستقرة
في المقابل، يعتبر المتخصص في علم الاجتماع محمد الجويلي في تصريح خاص "أن مؤسسة الزواج في تونس تعتبر مستقرة على رغم كل ما يروج نقيض ذلك"، لافتاً إلى أن "نسبة الطلاق في تونس لا تقارن بالدول العربية، لأن الطلاق هنا محكوم بضوابط قانونية صارمة، عكس ما هو معمول به في عدد من الدول العربية الأخرى". ويقلل الجويلي من أهمية البرنامج الذي وضعته وزارة المرأة، قائلاً إنه "يرتكز أساساً على عدد المستهدفين منه، من دون التعمق في جدواه ونتائجه"، مضيفاً أنه "لا توجد حقيقة اسمها التأهيل للحياة الزوجية، لأن كل شاب وشابة لهما رؤية خاصة بهما للزواج تتشكل نتيجة البيئة التي تربى فيها والقيم التي يحملها".
ويخلص الجويلي إلى أن "عملية احتساب نسبة الطلاق تكون باحتساب عدد الزيجات في السنة نفسها من أجل تقديم نسب علمية واضحة ثم تقديرها إن كانت مرتفعة أم مقبولة".