يستعر القتال حول مدينة بخموت التي تحاول موسكو بلا كلل الاستيلاء عليها من دون نجاح حتى الآن، على الرغم من دعم مجموعة فاغنر شبه العسكرية، في معركة تتحول إلى هاجس من أجل مدينة دمر الجزء الأكبر منها حتى الآن. وفي الأسابيع الأخيرة، أصبحت المعارك ترتدي طابعاً رمزياً أكبر بالنسبة للمسؤولين الروس لأن الاستيلاء على بخموت سيأتي بعد سلسلة من الهزائم المهينة، أبرزها خاركيف وخيرسون.
مؤخراً، تقدمت القوات الروسية قليلاً باتجاه المدينة وأعلنت استيلاءها على بلدات صغيرة، من دون أن يبدو أنها في وضع يسمح لها بغزو المدينة التي بقي فيها نصف سكانها الذين كان عددهم يبلغ سبعين ألف نسمة قبل الحرب، بحسب السلطات الأوكرانية. وسيؤدي الاستيلاء على بخموت إلى قطع خطوط الإمداد الأوكرانية وفتح طريق للقوات الروسية للتقدم نحو كراماتورسك وسلوفيانسك، المعقلان الرئيسيان المتبقيان لأوكرانيا في دونيتسك.
"كل متر "
يتبع الجيش الروسي الاستراتيجية نفسها التي اتبعها في سيفيرودونيتسك وأي مكان آخر وتتلخص في قصف مدفعي للمدينة وتدمير كل البنى التحتية، على أمل انسحاب المدنيين والجنود الأوكرانيين.
ويرى المركز الأمريكي لدراسة الحرب الذي يحلل التطورات اليومية على الجبهة أن الجهود الروسية حول بخموت "تدل على أنها موسكو فشلت بشكل أساسي في استخلاص الدروس" من معارك أخرى فقدت الكثير من القوات فيها. ويتساءل المركز عمّا إذا كانت السيطرة على بخموت تستحق 6 أشهر من الحرب الدموية وهذا الكم من الخسائر البشرية.
ويقول مراسلون حربيون، من الجانبين الروسي والأوكراني، إن الخصم يخسر الجنود بالعشرات إذا لم يكن بالمئات يومياً وإن المعركة حول المدينة تحولت إلى ما يشبه "فرامة اللحم". وأمس الجمعة، في تقرير غربي، قال قائد يدعى كوستيانتين لصحيفة فاينانشيال تايمز خلال زيارة للجبهة: "إنهم [الجنود الروس] مجرد لحوم لبوتين". وبخموت فرّامة لحم. لماذا؟ كل ذلك من أجل متر واحد من أرضنا؟".
وصباح هذا السبت، أقر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن المواجهة على طول خط الجبهة شرقاً صعبة جداً، وذكر بخموت بالاسم ولكن ذكرها جاء مع أسماء بلدات أخرى. وقال زيلينسكي إن "كل متر مهم" في المدينة التي حوّلها القصف الروسي إلى ركام.
ويعتبر المركز الأمريكي أن الهوس الروسي ببخموت سمح للأوكرانيين بتنفيذ هجمات ناجحة أخرى في أماكن أخرى على خط المواجهة حيث كان تركز القوات أقل. ويتابع أن "الجهود الروسية للتقدم نحو بخموت أدت إلى استنزاف مستمر للقوى البشرية والمعدات الروسية، مما أدى إلى توقف القوات حول بلدات غير مهمة نسبياً لأسابيع وأشهر".
"مسلخ"
أرسل الجيش الأوكراني مؤخراً في منطقة دونيتسك مدفعية ثقيلة إلى المنطقة، ومجموعات من جنود الاحتياط على طول الطرق المؤدية إلى بخموت. التعزيزات التي قابلتها تعزيزات روسية تعطي فكرة أوضح عن صعوبة المعارك حول بخموت.
وتعود آخر النجاحات الروسية في أوكرانيا إلى بداية الصيف عندما تمكنت قوات موسكو من الاستيلاء على مدينتي سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك. وهذه فترة طويلة بالنسبة لدعاة الحرب الروس.
ويقول ميكولا بيليكوف الباحث في المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية في كييف إن "الروس يواصلون هجومهم لتحويل انتباه وسائل الإعلام عن النكسات التي حدثت هذا الخريف". وهو رأي تشاركه فيه القيادة العسكرية الأوكرانية.
وأكد مايكل كوفمان مدير الدراسات حول روسيا في معهد التحليل الأمريكي للأمن القومي، لفرانس برس أن "القيادة الروسية تريد السيطرة على منطقة دونيتسك، وبخموت هي بوابة الدخول الرئيسية إلى سلوفيانسك وكراماتورسك"، وهما مدينتان مهمتان في دونباس.
ويتطلع رئيس مجموعة فاغنر، رجل الأعمال المثير للجدل، يفغيني بريغوجين، إلى تحقيق هدف أكبر، مؤكداً أن "مسلخ بخموت" يجب أن "يدمر الجيش الأوكراني".