رغم وعود بايدن المتكررة بالبقاء إلى جانب أوكرانيا في حربها ضد روسيا، فإن التساؤلات حول فترة الدعم بين الشعب الأميركي والمشرعين علقت على قمة الحلفاء الغربيين. وحتى في الوقت الذي كان فيه الرئيس الأميركي يعطي التزاماً طويل الأمد، كانت مجموعة من النواب الجمهوريين من اليمين المتطرف في واشنطن، تدفع بتشريع من شأنه تخفيض المساعدات إلى أوكرانيا، ويكشف عن وجود انقسامات في الحزب الجمهوري، ويثير الشكوك بشأن التزامه في حال استولى على البيت الأبيض العام المقبل.
كما أعرب مرشحا الحزب الجمهوري المتصدران استطلاعات الرأي، دونالد ترمب ورون ديسانتيس، عن تحفظاتهما بشأن استمرار الحرب كأولوية للولايات المتحدة، مما يؤجج المخاوف بين بعض الحلفاء الغربيين ويحقن الدورة الانتخابية الأميركية بعامل رئيسي في آفاق النصر بأوكرانيا.
في قمة حلف شمال الأطلسي، كان بايدن عازماً على معالجة هذه الشكوك، فتعهد بمواصلة حشد التحالف لدعم أوكرانيا، وتحدث إلى جمهوره المحلي في بلاده، وإعداد الأميركيين لمواجهة طويلة الأمد مع روسيا. وفي كلمة ألقاها من جامعة فيلنيوس في العاصمة الليتوانية، شبّه محنة أوكرانيا بنضال الحرب الباردة من أجل الحرية في أوروبا، وهو النضال الذي حظي بدعم ساحق من كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
قال بايدن، في رسالة يرددها معظم قادة «الناتو»: «لن نتهاون»، «أعني ذلك تماماً. والتزامنا تجاه أوكرانيا لن يَضْعُف».
مع ذلك، تساءل بعض القادة علناً: إلى متى يمكن لأوكرانيا الاعتماد على الدعم الأميركي القوي؟
حذر بيتر بافيل، رئيس جمهورية التشيك، في اليوم الأول للقمة من أن أوكرانيا بحاجة إلى تحقيق تقدم عسكري «بحلول نهاية العام الحالي» بسبب الانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة. واقترح أنه بحلول العام المقبل، قد يكون هناك أيضاً «تراجع آخر في الاستعداد لدعم أوكرانيا بمزيد من الأسلحة بصورة كبيرة».
بن والاس، وزير الدفاع البريطاني، قدم «كلمة تحذيرية طفيفة» مفادها أنه ينبغي على أوكرانيا الإعراب عن مزيد من التقدير للحلفاء لإرسالهم عشرات المليارات من الدولارات مساعدات.
وقال بن والاس: «في بعض الأحيان، يتعين عليك إقناع المشرعين في الكونغرس الأميركي»، وأضاف: «عليكم إقناع السياسيين المتشككين في البلدان الأخرى بأنه، كما تعلمون، أمر يستحق العناية والاهتمام».
(وفي رد شديد اللهجة على بن والاس، قال زيلينسكي للصحافيين في وقت لاحق: «بوسعه أن يكتب لي كيف يريد أن يتلقى الشكر»).
حتى في الوقت الذي أعرب فيه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن تفاؤله بشأن التعاون مع الولايات المتحدة في القمم المستقبلية لحلف شمال الأطلسي، فقد مزح بشأن عدم اليقين للقيادة الأميركية المستقبلية. وقال إردوغان لبايدن: «مع الانتخابات المقبلة، أود أيضاً اغتنام هذه الفرصة لأتمنى لكم حظاً سعيداً»، مما دفع الرئيس الأميركي إلى الضحك وطمأنته بأنه سيجتمع به مرة أخرى في السنوات المقبلة.
تعرض بايدن للضغط مجدداً بشأن موثوقية الالتزام الأميركي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس فنلندا ساولي نينيستو. وقال بايدن، رداً على سؤال من صحافي أوروبي بشأن «التقلبات السياسية» في الكونغرس: «لا شك في وجود دعم هائل من الشعب الأميركي، وهناك دعم ساحق من أعضاء الكونغرس».
وأضاف بايدن: «لا يمكن لأحد أن يضمن المستقبل، ولكن هذا هو أفضل رهان يمكن أن يقوم به أي شخص».
لكن المخاوف التي أعرب عنها هؤلاء القادة بدت لها بعض الأسس، نظراً لتشكك الجمهوريين.
قال ويليام تايلور، السفير السابق لدى أوكرانيا في إدارتي بوش وأوباما: «إنني بالطبع قلق بشأن القيادة»، وأضاف: «القيادة الأميركية في هذه القضية ستكون أساسية، وسوف يتعين عليها الاستمرار في العمل ما بين الحزبين».
قال مساعدو بايدن إنهم يعتقدون أن قدرته على بناء الدعم لأوكرانيا على الصعيدين المحلي والخارجي ستكون أحد الإنجازات الدائمة لرئاسته. لقد سوّق لنفسه بوصفه شخصاً قادراً على إصلاح الانقسامات التي عمّقها منافسوه، ومن المتوقع أن يؤكد في حملته الانتخابية على بناء الإجماع في أروقة الكونغرس وعلى الصعيد العالمي أثناء ما وصفه بنقطة تحول للعالم.
إن قرار تركيا إنهاء حظر انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي، وإعلان زيلينسكي أن القمة منحت أوكرانيا «انتصاراً أمنياً كبيراً» من المرجح أن يعزز موقف بايدن. لكن كثيراً من الناخبين الأميركيين لا يزالون غير مقتنعين، لا سيما بشأن سجله الاقتصادي، الأمر الذي يغذي أرقامه المنخفضة في التصويت.
حاول بايدن، خلال العام الماضي، تأطير المصاعب الاقتصادية التي تصاحب مساعدة أوكرانيا، باعتبارها تكلفة للدفاع عن الديمقراطية.
إلا أن بعض التأييد بين الجمهور تأرجح في بعض الأوقات، حيث يواجه الأميركيون ارتفاعاً في أسعار المستهلك، ويتصارع الأوروبيون مع أزمة طاقة بعد أن قللوا اعتمادهم على الغاز الروسي.
وأظهر استطلاع أجرته مؤخراً وكالة «رويترز - إيبسوس» ارتفاعاً حاداً في الدعم بين الجمهور الأميركي لمساعدة جهود أوكرانيا في الدفاع عن نفسها ضد روسيا. ووجد الاستطلاع أن 81 بالمائة من الديمقراطيين و56 بالمائة من الجمهوريين و57 بالمائة من المستقلين يفضلون تزويد أوكرانيا بالأسلحة الأميركية. كما أظهر الاستطلاع أن أغلبية كبيرة من الأميركيين من المرجح لهم مساندة مرشح للرئاسة يستمر في تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
قال تايلور: «الشعب الأميركي يستحق المشاركة في النقاش حول دعم أوكرانيا ومعارضة الغزو الروسي».
وأضاف أنه ما زال متفائلاً إزاء تمويل أوكرانيا، لأن القيادة الديمقراطية والجمهورية في الكونغرس قد أعربتا عن تأييدهما.
كان بايدن ومسؤولون أميركيون آخرون عازمين على ضمان الوحدة في دعم أوكرانيا - في قمة حلف شمال الأطلسي وفي العودة إلى الوطن. عندما ضغطت ناشطة أوكرانية على جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي لبايدن، بسبب تردد الإدارة الأميركية في دعوة أوكرانيا للانضمام إلى الحلف فوراً، ذكّرها سوليفان بأن إدارة بايدن وفرت «قدراً هائلاً من الإمكانات» لأوكرانيا.
في وصفه للحرب بأنها خيار بين الديمقراطية والحكومات الاستبدادية - وهي رسالة اعتمد عليها منذ بداية رئاسته - سعى بايدن إلى إقناع الناخبين بأن عليهم الاهتمام بمعركة على الجانب الآخر من العالم. إذ قال: «إنه اختيار بين عالم يتسم بالإكراه والاستغلال، حيث تصنع القوة الحق، أو عالم ندرك فيه أن نجاحنا مرتبط بنجاح الآخرين».
* خدمة «نيويورك تايمز»