قبل حضور فيلم "باربي" Barbie كنت أرفض بشدة مشاهدة أي فيلم يصنع عن الدمية الشهيرة. على رغم حقيقة أنني كنت أحب باربي في طفولتي، إذ كنت أجري مقابلات معها بانتظام للحصول على مداخلات إذاعية مهمة بينما ترتدي هي فستان سهرة بلون وردي مرجاني، قررت أن آخر شيء أحتاج إليه هو فيلم مدته 90 دقيقة من الألوان الفاقعة وبطولة مارغوت روبي بدا من الواضح أنه لن يقدم أي جديد لي، أنا المرأة الراشدة النسوية التي توقفت منذ عقود عن الاعتقاد بجماليات باربي المثالية الإشكالية.
لكن بعد ذلك، بدأت تظهر تعليقات الرجال الغاضبين. كان عليك فقط فتح الإنترنت بعد إصدار فيلم "باربي" لتسمع هديراً مدوياً صادراً عن أشخاص هم في منتصف العمر في الغالب، غاضبين من مجرد إمكان السماح بوجود مثل هذا البغض تجاه "جميع الرجال". بدأت تقرأ في المراجعات ما يشبه المقاطع الصوتية الترويجية الحالمة: "فيلم غريب وخطر ومنحرف... لن يكونوا سعداء حتى نصبح جميعاً مثليين جنسياً".
لقد تأثر هؤلاء الرجال حقاً وبشدة من هذا الفيلم الذي كرهوه وراحوا يبصقون بغضب على غريتا غيرويغ لابتكارها مثل هذه "الدعاية النسوية والمعادية للرجال" الواضحة والصارخة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهكذا، عندما سألني أحد أبنائي المراهقين عما إذا كنت راغبة في قضاء يوم في تجربة "باربينهامير" [مشاهدة أوبنهايمر وباربي في يوم واحد]، قلت "نعم" وأنا يسيل لعابي من قدرة مشروع في أن يتسبب بمثل رد الفعل العنيف للغاية.
قررت أنني سأتجاوز نفوري من التعرض المستمر للون الوردي الزاهي وأشاهد "باربي"، ثم أتخلص من كل ذلك عبر جرعة جيدة من السينما التفكرية الدقيقة تاريخياً. وعلى رغم كل ما تحدثت عنه تلك المراجعات الغاضبة، كنت ما زلت أتوقع دخول السينما والخروج منها محتقرة "باربي" ومنبهرة بـ"أوبنهايمر" Openheimer.
خلال الساعات الخمس من استهلاك السينما والفشار، بدأت سلسلة من ردود الفعل التي غيرتني وجعلت المراجعات اللاذعة لـ"باربي" التي وصفت تحفة غريتا غيرويغ بأنها "معادية للرجال"، تبدو هزلية أكثر. كانت المفارقة ساطعة وواضحة بالنسبة إلي: "أوبنهايمر" معاد للنساء.
والمشكلة هي أن "أوبنهايمر" لا يختلف عن معظم الأفلام الأخرى، لأن معظم الأفلام معادية للمرأة، لكننا فقط لا نتوجه إلى الإنترنت لنظهر غضبنا حيال ذلك لأننا اعتدنا عليه، فقدنا حساسيتنا بسبب عقود كانت النساء في السينما خلالها لا يقمن بشيء سوى تلوين شفاههن باللون الأحمر، وتعرية أثدائهن وإعطاء الأبطال الذكور المهمين شيئاً يلعبون به.
إذاً، هل "باربي" معاد للرجال؟ أوه، آمل ذلك (لكنه ليس كذلك، إنه معاد للنظام الأبوي) لكن أيضاً، وبصراحة، أنا لست مكترثة. لأنه إذا كان معادياً للرجال - بعد عقود من الأفلام التي صنعها مخرجون رجال مثل "أوبنهايمر" الذي أخرجه كريستوفر نولان، فلدى "باربي" سبب وجيه ليكون كذلك.
وهو يفعل ما يفعله ببراعة داخل الفقاعة المتلألئة والخيالية لعالم متخيل بالكامل، حيث الشخصيات الذكورية الموجودة في الأدوار الجانبية هي حرفياً عبارة عن دمى بلاستيكية، وكلها تحمل اسم كين (باستثناء آلان)، إنها ألعاب مزيفة لا تستطيع حتى التنفس. من ناحية أخرى، تقوم الأفلام المعادية للمرأة مثل "أوبنهايمر" بتهميش أو محو نساء حقيقيات من لحم ودم عشن حياة كاملة وقدمن مساهمات كبيرة لعالمنا.
وهكذا، إذا كنت رجلاً شاهد "باربي" وشعرت بالغضب أو المضايقة أو مجرد شعور غريب أثناء مشاهدة الطريقة التي صورت بها شخصيات كين والتعامل معها، فأود الترحيب بك في السينما. هذا ما ستشعر به معظم الوقت عندما تكون امرأة تشاهد أفلام هوليوود.
لكن هنا تكمن المشكلة - كين الدمية المسكين الذي تندبون عليه، ليس ليونا وودز، التي كانت في سن الـ23 واحدة من أصغر العالمات التي وظفهن مشروع مانهاتن. على عكس ليونا، لم يكن كين حاضراً في أول تفاعل نووي متسلسل ولم يكن على كين أن يفعل ما فعلته ليونا - وهو إخفاء حملها حتى قبل يومين من ولادة طفلها. وأيضاً كين ليس إليزابيث غريفز العالمة التي لعبت دوراً أساسياً تماماً في نجاح المشروع وكانت تكمل تجربة عندما دخلت المخاض ولم توقف التجربة حتى الانتهاء منها، إذ كانت تضبط تقلصات الولادة باستخدام موقت. دعونا نرى كريستوفر نولان يصنع فيلماً مدته ثلاث ساعات عن ذلك.
لم تظهر وودز ولا غريفز في "أوبنهايمر" الذي تمكن، مثل عديد من الأفلام المعادية للمرأة، من ادعاء امتلاكه مثل هذه السلطة بحيث يمكن أن يتركنا نفترض أن افتقاره المذهل للتمثيل النسائي راجع ولا بد إلى التزامه الرائع بالدقة التاريخية. أنا أسمع تلك الصرخات - "إنه فيلم يحمل اسم ’أوبنهايمر‘ في نهاية المطاف. إلى أي مدى تتوقعين أن يهتم بالشخصيات النسائية فيه؟" ربما يكون هذا صحيحاً - لا يمكنك توقع تغيير الحقائق في فيلم عن الفيزيائيين شديدي الذكاء الذين بحثوا العلم وراء صنع القنبلة الذرية فقط من أجل مسألة التمثيل بين الجنسين، هل هذا خاطئ؟
لا، ولكن يمكنك أن تتوقع، ويجب أن تفعل ذلك، أن يظهر الفيلم بدقة وبإنصاف العالمات اللاتي كن، في الواقع، موجودات هناك - جنباً إلى جنب مع أوبنهايمر ورجاله، لضمان نجاح مشروع مانهاتن. ربما كان من المناسب لو أن المشاهدين تركوا بعد ملحمة مدتها ثلاث ساعات وهم يعلمون بوضوح أن كيتي أوبنهايمر لم تكن فقط تشرب حتى الثمالة بينما تعتني بأطفال يصرخون وتسقط زجاجة شراب محمولة من حقيبة يدها في كل لحظة ممكنة، لقد كانت أيضاً عالمة نباتات متدربة عملت في مختبر لوس ألاموس لأخذ عينات الدم واختبار مستويات تعرض زملائها للإشعاع.
عملت أكثر من 600 امرأة في مشروع مانهاتن في لوس ألاموس وحده، ومع ذلك فإن العالمة الوحيدة التي حظيت بأي اعتراف في عالم نولان هي ليلي هورنيغ، التي تتحدث بإيجاز فقط ولتعترض على استخدام القنبلة معظم الوقت. وماذا عن شارلوت سيربر؟ التي يصورها نولان على أنها سكرتيرة أوبنهايمر، ماحياً تماماً عملها الحيوي كأمينة علمية لـ"المكتبة السرية" للمشروع التي أصبحت، من دون تدريب رسمي، القائدة النسائية الوحيدة المشرفة على طاقم مكون من 12 شخصاً بينما تخاطر بسلامتها في جهود مكافحة التجسس.
لا يفشل "أوبنهايمر" في خلق حضور نسائي فعال فيه فحسب، بل يفشل في تمثيل النساء الحقيقيات اللاتي أسهمن بشكل كبير في نقطة تحول تاريخي مشحونة أخلاقياً. كانت هؤلاء النساء عالمات فيزياء ومهندسات وكيماويات وعالمات رياضيات. لقد كن موجودات، وكما الحال في كثير من الأحيان، ذهب عديد من إنجازاتهن في طي النسيان وظلت غير معترف بها من التاريخ والسينما.
بينما أستمر في الانبثاق من تجربتي مع "باربينهامير"، وأنا أبحث عن النساء المفقودات في مشروع مانهاتن وأشعر باشمئزاز تجاه كل هؤلاء الرجال الغاضبين الذين يحتاجون إلى كره تحفة فنية مثل "باربي"، يصبح الأمر أكثر وضوحاً: معاداة النساء هي معيار صناعة الأفلام السائدة وبعض الناس ببساطة غير قادرين على تصور أنفسهم في مكان الآخر، حتى لو كان ذلك في عالم الدمى البلاستيكية.