من المستحيل أن توافي المنية باتريشيا فيلد وهي مرتدية سروالاً رياضياً، لكن دعوني أخبركم سراً، هذه الفاتنة الصريحة ذات الشعر الأحمر ترتدي السراويل الرياضية خارج أوقات العمل. تشرح قائلة "أرتديها في المنزل إذا كان الجو بارداً وأريد بعض الدفء، لكنني لا أرتديها عندما أخرج". أخبرتني منسقة الأزياء الأسطورية عن رحلة قامت بها إلى باريس قبل إطلاق "نتفليكس" سلسلة "إميلي في باريس" Emily in Paris التي تعمل استشارية أزياء فيها. تقول "ذهبت في رحلة لأطلع على الأناقة الباريسية. كان الجميع يرتدون الجينز والسراويل الرياضية والكنزات القطنية ذات القبعة. اتصلت بدارين ستار [مؤلفة المسلسل] وقلت "هذا هو المكان الذي ماتت فيه الأناقة الباريسية"، أطلقت تنهيدة قبل أن تضيف بحدة "لا أعرف، أنا فقط أفضل الأزياء ذات الهوية".
لا أحد يعرف الهوية الجذابة تماماً مثل فيلد. تشتهر السيدة البالغة من العمر 81 سنة بأنها العقل المدبر لأزياء شخصية تعد أحد أعظم رموز الموضة في التلفزيون: كاري برادشو بطلة مسلسل "الجنس والمدينة" Sex and the City. الشخصية التي تؤديها سارة جيسيكا باركر أصبحت فوراً خبيرة في الأناقة عندما عرضت السلسلة التي تنتجها شبكة "أتش بي أو" لأول مرة في عام 1998، ولم نلمحها مرتدية سروالاً رياضياً على الإطلاق. سواء كانت تحمل حقيبة أرجوانية مزينة بالترترة البراقة من تصميم فندي، أو شالاً من الفرو صممه جون غاليانو يتماشى مع فستان ديور الذي يحمل نقوشاً مثل الصحف أو تنورة منفوشة من الدانتيل ثمنها خمسة دولارات، اكتسبت ملابس كاري الانتقائية والجنونية في كثير من الأحيان مريدين كثراً لدرجة أنهم أصبحوا شخصيات بحد ذاتهم وأثبتوا أنفسهم بقوة في صفحات كتب تاريخ الموضة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على رغم انتهاء المسلسل منذ نحو 20 عاماً، يتم الاحتفاء بعمل فيلد بانتظام حتى الآن على وسائل التواصل الاجتماعي، في الغالب عبر حساب (إيفري أوتفيت أون ساتك) everyoutfitonsatc الرائج بشدة ولديه 738 ألف متابع بمن فيهم باركر نفسها وسينثيا نيكسون التي لعبت دور ميراندا هوبز، صديقة كاري التي كانت ترتدي ثياباً رثة نوعاً ما.
في السنوات العشرين التي تلت المسلسل، رسخت فيلد نفسها بقوة كمنسقة أزياء مسؤولة عن بعض الإطلالات التي لا تنسى في ثقافة الشعبية. كانت هناك أزياء بيتي سواريز الأنيقة التي تمنحها طابع المرأة المجتهدة والجادة في المسلسل الكوميدي "بيتي القبيحة" Ugly Betty. مجموعة القلائد البشعة التي اشتهرت ديانا تروات بارتدائها في مسلسل "أصغر سناً" Younger. وبالطبع رئيسة تحرير مجلة الموضة الشهيرة ومصدر إلهام آلاف النكات المصورة، ميراندا بريستلي التي لعتبها ميريل ستريب في "الشيطان يرتدي برادا" The Devil Wears Prada، حيث كسبت فيلد ترشيحاً لجائزة أفضل تصميم أزياء في أوسكار عام 2007. الآن تنشر المصممة مذكراتها بعنوان "بات في المدينة" Pat in the City التي ترسم حياتها المهنية بالكامل، من بداياتها المبكرة كشابة من نيويورك تعمل في سلسلة المغاسل الآلية التي كانت تمتلكها والدتها إلى كيف أصبحت من العاملين الأغزر إنتاجاً في صناعة الأزياء.
تخبرني في اتصال عبر تطبيق "زوم" من معرضها "آرت فاشن" ARTFASHION في مانهاتن "لا أستطيع حقاً القول إنه كانت هناك لحظة معينة أدركت فيها أنني مهتمة بالموضة". تتابع بصوت عميق محشرج ومبحوح بلكنة نيويوركية يجعلها تبدو وكأنها أنهت للتو تدخين علبة سجائر كاملة "كل ما قمت به هو الاستجابة لردود الفعل التي كنت أتلقاها من الآخرين، كانت حالة تناغم".
فيلد المولودة في بلدية كوينز بنيويورك لأم يونانية وأب أرمني، افتتحت متجرها الأول الذي يحمل اسم "بانتس بب" [ويعني حرفياً حانة السراويل] لما كانت في الرابعة والعشرين من عمرها بعد أن درست الفلسفة والإدارة بجامعة نيويورك. تقول في الكتاب "أردت مكاناً بارزاً ومعاصراً يلبي حاجات النساء الشابات ومن يتبعن موضة العصر"، موضحة أن دراستها "ليس لها تطبيق عملي في العالم خارج البرج العاجي".
حقق متجر "بانتس بب" المتخصص ببيع ملابس على نمط الأزياء البريطانية في الستينيات مثل الجزمات الطويلة اللامعة، نجاحاً بطيئة، لكن بعد خمس سنوات وبعد تغيير اسم وعنوان المحل، اكتسبت فيلد مكانة في عالم الموضة. افتتح متجرها الذي يحمل الاسم نفسه في عام 1971 في إيست فيليج. كانت تديره بنفسها إلى جانب مجموعة من الشخصيات التي اشتهرت بألوان ملابسها، بما ذلك مغنون مثل أماندا ليبور وأرمين را ("كان الغرض من المتجر هو السماح لهم بالتألق")، وسرعان ما أصبح مقصداً لانتقاء الملابس المناسبة لحفلات الديسكو والرقص في النوادي الليلية في نيويورك في السبعينيات والثمانينيات. كان مكاناً يمكنك فيه بنفس السهولة شراء سروال جينز وبلوزة شيفون أو قناع لحفلة تنكرية أو شورت ملاكمة واسع.
كانت باتي سميث زبونة دائمة، مثلها مثل ديبي هاري ومات ديلون وأي شخص يمر على المتجر وهو في طريقه إلى نادي "استوديو 54" الليلي الشهير في برودواي ويتطلع إلى إضافة لمسة من الإثارة على إطلالته الليلية. نكتشف في الكتاب أن مادونا اضطرت إلى الانتظار في الخارج لمدة ساعة حتى فتح المتجر أبوابه لأنها وصلت مبكراً جداً، وأن ديلون أحرج موظفي المتجر وهو يقيس بعض الثياب لأنه لم يكن يرتدي ملابس داخلية، وأن أحد مساعدي المبيعات حذر إحدى الزبونات من أن الحذاء الذي طلبت تجربته كان "باهظاً حقاً". من كانت تلك الزبونة؟ المغنية سيندي لوبر.
تقول فيلد "أصبح المتجر مكاناً يرتاده كثير من الشباب لأن أسعاره كانت معقولة... كان الديسكو رائجاً في ذلك الوقت، لكن يبدو أن تلك الأيام ولت نوعاً ما، إلا إذا كنت أنا غير ملمة بما يجري. لا أعرف". نتفق على أن الحياة الليلية اليوم لا تحتوي على شيء على غرار
"استوديو 54"، حيث التقت فيلد بعديد من أصدقائها المقربين، بمن فيهم الفنان آندي ورهول والمصمم هالستون. تقول "أعتقد أن الموسيقى تغيرت... جاءت موسيقى الروك أند رول ولم تكن تناسب ذائقتي حقاً. أحب الديسكو، إذ مجرد أن تدخل أحد تلك النوادي تجد نفسك تصعد إلى حلبة الرقص مباشرة. لست متأكدة من أن هذا يحدث كثيراً الآن".
أثناء حديثنا، يتكون لديّ شعور بأن فيلد، لو لم تتغير الأشياء، كانت ستظل في حلبة الرقص تلك معظم الليالي. التحدث إليها ممتع جداً، وتتأكد شخصيتها التي تتوقعها بفضل تفاصيل مثل المجوهرات الفضية التي ترتديها مع بلوزة مخططة بياقة معلقة حول رقبتها وقفازات جلدية تغطي ذراعيها. شعرها الأحمر بلون الكرز المميز براق كما كان على الدوام أما سلوكها فساخر وألمعي. تجلس مساعدة بجانبها، وغالباً ما تجيب فيلد عن أسئلة لم أطرحها، أو تتحدث بإسهاب عن التفاصيل الدقيقة للعقارات في نيويورك من دون سبب حقيقي محدد.
إنها تتيح مساحة صغيرة جداً للسلبية، عندما أسأل عن صراعات الصحة العقلية التي تشير إليها في الكتاب، على سبيل المثال، لا يمكنها تذكر أنها كتبت عنها. قالت "أعتقد أنني فعلت... عن نوبات فزع صغيرة هنا وهناك، إنه أمر بشري". تذكرها مساعدتها بحادثة معينة موصوفة في الكتاب، عندما تعرضت شقتها للسرقة. تتذكر "آه، صحيح. لقد صدمني ذلك قليلاً، لكن لديّ صديقاً يعمل طبيباً، كنت أراه بانتظام بعد ذلك لفترة قصيرة. كانت تجربة جيدة، في الواقع".
على كل حال، يتطرق الكتاب إلى ذكريات أكثر قتامة، مثل العيش في فترة أزمة الإيدز وفقدان الأصدقاء بسبب المرض، بمن فيهم هالستون ومدير متجرها، تيم. كان هذا جزئياً ما جذب فيلد التي كانت لديها علاقات حب مثلية طويلة لكنها لم تتزوج على الإطلاق، إلى مشهد قاعات الرقص المخفية في المدينة. تكتب "وفرت حلبات الرقص استراحة رائعة من النضال اليومي لرهاب المثلية الجنسية ورهاب التحول الجنسي والمرض والعنصرية والفقر الذي كان يخوضه الشباب الملونون والسود من مجتمع الميم".
كان متجر فيلد بالفعل معلماً بارزاً في مدينة نيويورك، وكانت العلامة التجارية المصاحبة له، هاوس أوف فيلد، جزءاً لا يتجزأ من صناعة الأزياء، عندما ضمنت التعاون مع عمل فني من شأنه أن يدفعها إلى دائرة الضوء. كانت قد عملت بالفعل كمصممة أزياء في عديد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية عندما التقت بسارة جيسيكا باركر في موقع تصوير فيلم "ملحمة ميامي" Miami Rhapsody. كانت باركر هي التي عرفتها على ستار، مؤلفة وكاتبة مسلسل سينتج لاحقاً بعنوان "الجنس والمدينة" مستند إلى كتاب من تأليف كانديس بوشنيل.
في البداية، انضمت مصممة أزياء أخرى لفريق العمل لإنجاز الحلقة التجريبية، لكن فيلد لم تلتق بها أبداً. في "بات والمدينة"، تكتب بإسهاب أن إطلالة كاري كانت بأكملها نتاج تعاون مع باركر التي لا تزال على اتصال بها. تقول فيلد الآن عن الممثلة "إنها مولعة بالأزياء إلى حد كبير... كان الأمر طبيعياً ببساطة. لا يمكنك أن تكوني ديكتاتورة وترمي الملابس على الناس. عليك احترام ما تعلمته عنهم، وتجمعيه مع معرفتك بعملك. هذه هي الوصفة نوعاً ما".
كذلك، كانت علاقتها مع بقية طاقم الممثلين جيدة أيضاً، على رغم التعليق الذي أدلت به عام 2021 لملحق الموضة في صحيفة "صنداي تايمز" وبدا أنه مهين لنيكسون (قالت فيه "تعتقد أنها تعرف كل شيء، لكنها ليست كذلك"). تم تناقل هذا التعليق على نطاق واسع على أنه انتقاد لاذع، تعبر فيلد عن سأمها من هذا الآن وتقول إنه كان مبالغاً فيه بشدة، موضحة: "مررت وسينثيا بتجارب كثيرة معاً... ليس لدى الناس مواضيع يتحدثون عنها أفضل من النميمة الغبية".
في حين أن السيدتين لم تتحدثا عن التعليق إلا أنهما ما زالتا على تواصل، كما تقول. تضيف فيلد "أنا أيضاً على تواصل مع كيم [كاترال]... الشخص الوحيد الذي لا أتواصل معه كثيراً هو..."، يظهر عليها النسيان قليلاً فتنظر إلى مساعدتها التي ترد بسرعة "كريستين ديفيس". فتؤيدها فيلد "نعم، كريستين... لأنها تعيش في لوس أنجليس"، متحدثة عن الممثلة التي لعبت دور شارلوت يورك المبتهجة والمهووسة بالزواج.
شخص آخر من طاقم "الجنس والمدينة" كانت فيلد قريبة منه هو كريس نوث، الذي لعب دور، بيغ، الشاب الذي تحبه كاري بشكل متقطع. تقول مبتسمة "لقد كان بمثابة كاري غرانت بالنسبة لي". تتذكر فيلد في الكتاب بحب كيف كان نوث يسميها "واحدة من الشباب" أثناء قياس الملابس. أسألها عن رأيها في الادعاءات التي ظهرت في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2021 واتهمت فيه خمس نساء الممثل فيها بالاعتداء الجنسي.
تقول فيلد باستهزاء "أنا لا أتحكم بحياة الناس، كما تعرفين، تحتاج أي علاقة متناغمة إلى شخصين... كانت علاقتي بـكريس رائعة. العلاقات الشخصية مضحكة. تأملين أن يكون الناس ناجحين، لكن كما تعلمين، فأنت تكونين علاقات الخاصة بك". لا يزال الاثنان يلتقيان من وقت لآخر. نفى نوث المزاعم برمتها، لكن تم الاستغناء عنه في مسلسل الجريمة "المعادل" The Equalizer الذي تعرضه شبكة "سي بي أس"، وحذفت مشاهده من النسخة المحدثة من الحلقة الأخيرة من "الجنس والمدينة" التي تحمل عنوان "وهكذا ببساطة" And Just Like That.
لم تكن فيلد قادرة على المشاركة في هذه النسخة المحدثة لأنها كانت مرتبطة بالعمل على "إيميلي في باريس". تؤكد "كنت سأفعل ذلك لو كان لديّ الوقت". أما بالنسبة إلى الانتقادات التي تقول إن شخصية إيميلي لن تتمكن أبداً من تحمل كلفة الملابس التي يختارها لها فيلد وفريقها، وهو أمر يقوله الناس كثيراً عن كاري أيضاً، فهذا أمر لا يؤرقها. تقول "أنا هنا للترفيه، أنا لا أصنع فيلماً وثائقياً... من يهتم إذا كانت الشخصيات لا تستطيع شراء الملابس؟ هل أحببت الأزياء؟ هل تبدو جميلة؟ هل تلهمك؟ هذا كل ما يهمني".
من بين كل الأمور اللاعقلانية التي واجهتها فيلد في حياتها، لا شيء يحيرها أكثر من شهرتها. تقول وهي تلعب بإحدى السلاسل الفضية المتدلية حول رقبتها "أنا أعمل منذ فترة طويلة، وأخيراً انصب كثير من التركيز علي، لكنني لم أفكر قط في الشهرة. بصراحة، كنت أفعل ما أستمتع به، وهذا في الأساس ما أحاول فعله في حياتي، لحسن الحظ تمكنت من الاستمتاع بحياتي".
كتاب "بات في المدينة" Pat in the City الصادر عن دار فورث إستيت متوفر حالياً للقراءة