♦ الملخص:
امرأة متزوجة من رجل يعمل في مكتب للتبرعات، أتته امرأة فقيرة، تريد تبرعات كي تسافر لأهلها، فقرر مساعدتها من ماله الخاص، المشكلة كانت في تواصلها معه بشكل مستمر ما ضايقها، ولما سافرت وانتهت المشكلة، وجدت على جوال زوجها محادثة بينه وبينها، وتسأل: ما الحل؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
زوجي يعمَل في مكتب للتبرعات، والحمد لله أحسَبه من أهل الخير، والله حسيبُه، وظيفته استلام التبرعات لمن أراد التبرع، دخلت عليه امرأة من جنسية أخرى، تشكو له فقرَها، فأخبرها أنه فقط يستقبل التبرعات، لكن سيحاول مساعدتها من حسابه الشخصي، وجلست عنده في المكتب وأخبرته بكل حياتها، وتعذيب زوجها لها، وأنها تريد العودة إلى بلدها، وليس لديها مالٌ، وبَكَتْ بين يديه، فتعاطف زوجي معها جدًّا، وأعطاها رقمه حتى تتواصل معه، وطلب مني سؤالَ معارفي لمن أراد الصدقة، وبعد نزول الراتب أعطاها زوجي مبلغَ رحلتها وزيادة، مع أنه يأتي علينا آخر الشهر، وينفد منا الراتب، حينها تضايقت وأوضحت له أنه لا يجوز بأن يخلو بامرأة وحده في مكتب، فكيف بتجاذب الكلام فيما بينهما، وطلبت منه أن يعطيني رقمها، ويكون التواصل بين النساء، وإن أراد مساعدتها أكلمها، لكن رفض بشدة تامة، وأخبرني أنه لا بد من أن يكون بيننا ثقة، وأن هذه محتاجة صادقة تريد أهلها فقط، بعدها سافرت لأهلها، وانتهت المشكلة بيننا، وقد أوضحت له أن هذا الموضوع يزعجني بشدة، فلم يخبرني بعدها عن أي شيء عنها، وبعد أشهرٍ وجدتُ محادثة في جواله بينه وبين هذه المرأة، علمًا بأنه هو الذي سمح لي بأخذ جواله، كما يأخذ جوالي، وفي المحادثة تسأل عنه وعن أحواله، مرة في الشهر تقريبًا، وزوجي كان يرد على سؤالها، الآن أنا في حيرة: هل أواجه زوجي؟ مع أني واجهته أول مرة ولم يقتنع بكلامي، بل وضع المشكلة في أنه لا يوجد بيننا ثقة، لكن تَكرار محادثاتها يضايقني، مع أنها سافرت لبلدها، لكن ما زالت تتواصل معه، فما الحل؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فمشكلتكِ يسيرة إن شاء الله، وحلها بمشيئة الله سبحانه وتوفيقه بأن تتعاملي معها بالآتي:
أولًا: أحسني الظن بزوجكِ، ولا يقذف الشيطان في قلبكِ خواطرَ سيئة بسبب الغَيرة.
ثانيًا: لا شكَّ أن زوجكِ اجتهد وأخطأ بخلوته بالأجنبية عنه، ولكن أحسني الظن به، وناقشيه بلطفٍ، مستدلة بالأدلة التي تَنهَى عن الخلوة بالمرأة الأجنبية.
ثالثًا: كوني حكيمة أثناء النصح لزوجكِ، واعملي بقوله سبحانه: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].
وقوله عز وجل: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125].
رابعًا: لا شكَّ أن التعامل مع النساء الأجنبيات قد لا يخلو من الفتن، لذا أكثري من الدعاء لزوجكِ كثيرًا بصرف الفتن عنه وصرفه عنها.
خامسًا: وأيضًا أحسني الظن بهذه العاملة؛ فلعلها إنما أرادت مزيدَ شكر لزوجكِ، ومع ذلك أقول: إن استمرارها في التراسل مع زوجكِ لا داعي له، وبإمكانكِ مراسلتها ونصحها بهدوء بتقدير غيرتكِ على زوجكِ، وترك التواصل معه نهائيًّا.
سادسًا: ما دام زوجكِ مستقيمًا في دينه، ويسعى في الخير وتفريج الكرب، فكوني عونًا له في طريق الخير لتشتركي معه في الثواب العظيم، ولا تشْتَطُّ بكِ الغَيرة الزائدة، فتكوني حجرَ عثرة أمام أعمال زوجكِ الطيبة، ومما يعينكِ على الاحتساب في الأعمال الخيرية العملُ بالأحاديث الآتية:
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يُسْلِمُه، ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربةً، فرَّج الله عنه بها كربةً من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة))؛ [متفق عليه].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من نفَّس عن مؤمن كربةً من كُرَبِ الدنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسِرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السَّكِينة، وغشيَتْهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطُؤَ به عمله، لم يسرع به نسبه))؛ [رواه مسلم].
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وأحسَبه قال: وكالقائم الذي لا يفتُر، وكالصائم الذي لا يفطر))؛ [متفق عليه].
سابعًا: رقة القلب والعطف على المساكين صفتان طيبتان، ولكن بشرط عدم تجاوز الحدود الشرعية، بارتكاب المنهيَّات؛ مثل: الخلوة، أو التفريط في حقوق الزوجة والأبناء.
حفظكما الله، وألهمكما رشدكما، وأعاذكما من الفتن، ومن نزغات الشيطان، ورزقكم التقوى والحكمة والصواب.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد من والاه.