اليمين المتطرف يجتاح أوروبا

منذ 1 سنة 159

ما فتئ اليمين المتطرف في أوروبا وفق موقع "سليت" الفرنسي يراكم الانتصارات الواحد بعد الآخر ويتسع مداه، يتجلى ذلك من خلال إمساكه بزمام السلطة أو من خلال ترويج أفكاره في الساحة السياسية، ولكنه اكتساح دونه انقسامات بينما يقترب موعد الانتخابات الأوروبية.

لأول مرة في تاريخ ألمانيا الفدرالية، ينجح اليمين المتطرف في الوصول إلى تسلم مقاليد إدارة سلطة محلية، ممثلا في مرشح الحزب الشعبوي "البديل لأجل ألمانيا" روبرت سيسلمان، الذي فاز الأحد قبل الفائت عن دائرة سونبرغ بنسبة 53% من الأصوات. لقد تشكل هذا الفوز في دائرة تتكون من مؤيدين لليمين المتطرف يزيد عددهم عن 55 ألف ساكن، وبعث ذلك أملا لدى هؤلاء بالفوز في الانتخابات الأوروبية المقبلة.

وفي إسبانيا سجل اليسار رغم وجوده في الحكم، تراجعا إلى الصف الثاني أمام صعود حزب "فوكس" اليميني المتطرف. إذ أصبح "فوكس" يتصدر المواقع السياسية في عدة مدن من البلاد، إثر التحالفات المبرمة مع المحافظين من الحزب الشعبي. وللإمساك بزمام السلطة في إسبانيا، يمكن لليمين المتطرف أن يجدد هذا التحالف الظرفي خلال الانتخابات التشريعية المقبلة المنتظرة في شهر  تموز/يوليو المقبل.

إكراهات السياسة

إلى جانب هذا البروز المتواضع، حقق اليمين المتطرف في إيطاليا انتصارا باهرا بانتخاب زعيمة "فراتيلي ديتاليا" جورجيا ميلوني التي تترأس الحكومة منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وهي تحاول أن تجعل من حزبها حزب حكومة عادي وكأن شيئا لم يتغير، فمنذ الوهلة الأولى أبدت رغبتها في التوافق مع القواعد والإجراءات الأوروبية، حتى تستفيد من خطة إنعاش بقيمة 200 مليار يورو.

 وفي السويد تحاول مجموعة "ديمقراطيو السويد" ذات الجذور العائدة للنازية الجديدة نيل حيّز من الساحة السياسية، وبما أنها تفتقد إلى التأثير الكافي من أجل قيادة حكومة، فقد وقعت اتفاقا حكوميا مع اللبيراليين والمسيحيين الديمقراطيين والمحافظين، بمن فيهم رئيس الوزراء أولف كريسترسن، الذي كان يؤكد قبل فترة ليست بالبعيدة أنه لن يتعاون أبدا مع الحزب اليميني المتطرف، واليوم تقترح حكومته إجبار الموظفين على الإبلاغ عمّن يعرفون من المهاجرين الذين ليست لهم وثائق رسمية.

وكما يظهر المثال السويدي، فإن اليمين المتطرف ليس بحاجة إلى أن يحقق الفوز المطلق في الانتخابات أيا كانت حتى يفرض جدولا لأعماله السياسية. ففي بلد اسكندنافي آخر وهو الدنمارك، كان الحزب الاشتراكي الديمقراطي الفائز الأكبر في الانتخابات التشريعية لتشرين/نوفمبر 2022، ولكن الوصفة السياسية كانت خادعة، بما أن الحزب بتاريخه اليساري قد تبنى أفكار اليمين المتطرف حتى يحقق النجاح الانتخابي.

هوية تتقوقع على نفسها

ومع اقتراب موعد الانتخابات الأوروبية، يزيد التقوقع على الهوية الأوروبية، ليشمل النمسا وهولندا بل وحتى اليونان. 

يمكن أن يفضي استيراد أفكار اليمين المتطرف داخل رقعة السياسة الأوروبية إلى اتفاقات تحالف، واستعادة أحزاب أخرى تبنيها لمطالب مغايرة، ولكنه قد يؤدي ذلك أيضا إلى خلافات في صلب العائلة السياسية.

يمضي اليمين المتطرف داخل البرلمان الأوروبي كجبهة مفككة، فجزء منه يصطف وراء مجموعة الهوية والديمقراطية، التي يقودها التجمع الوطني (الفرنسي) ورابطة الشمال بزعامة ماتيو سالفيني (إيطاليا)، وكذلك حزب البديل لأجل ألمانيا وحزب "الفنلنديون الأساسيون". فقد أضحت مجموعة الهوية والديمقراطية خامس قوة في البرلمان الأوروبي، يتقدمها المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون، وتشمل هذه المجموعة حزب القانون والعدالة البولندي وديمقراطيي السويد وحزب "فراتيلي ديتاليا" وحزب "فوكس".

 ويرى باحثون في العلوم السياسية أن المنتمين لهذه العائلة السياسية لا يتبعون الخطوات نفسها، وفقا للرهانات الانتخابية الوطنية، إذ أن الخلافات قد تتعلق بالسياسات العائلية، كما هو الحال مع "فوكس" الإسباني أو الحزب الإيطالي الذي تترأسه ميلوني. وسيكون الرهان الأكبر بالنسبة للانتخابات الأوروبية المقبلة بداية حزيران/يونيو 2024 هو قدرتهم على الوحدة.

25% مع اليمين في الانتخابات الأوروبية

تحظى أحزاب اليمين المتطرف داخل البرلمان الأوروبي بنحو 130 مقعدا، وهي مقسمة لمجموعات عدة. ويتوقع مراقبون أن يفوز اليمين المتطرف بنحو 180 مقعدا، إذا أخذنا بعين الاعتبار التوجه الحالي لنمو هذا التيار.

وفي فرنسا يتوقع أن يتصدر حزب التجمع الوطني النتائج بنحو 25% ليصبح أول حزب في البلاد، إذا لم تتقدم أحزاب الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد ضمن قائمة واحدة في الانتخابات، وبذلك فإنه سيتقدم على الأغلبية الرئاسية من مجموعات برلمانية داعمة حاليا لرئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون (التي يتوقع أن تكون لها حصة تناهز 19%).

أما البرتغال التي مضت على انعتاقها من قبضة الدكتاتورية عقود طويلة، فإنها لم تنج من الانجراف في تيار المتشددين، وربما سيرسل هذا البلد لأول مرة نوابا من اليمين المتطرف إلى البرلمان الأوروبي، ففي ربيع 2022 غادرت مجموعة "شيغا" وزعيمها الشاب أندريه فانتورا بشكل تعسفي البرلمان البرتغالي، على وقع أنغام نشيد الثورة الذي حرر البلاد من الحكم الدكتاتوري، قبل انتهائه. ويبدو أن اليمين المتطرف سيواصل البحث مع حلفائه  الأوروبيين عن إحداث ضجة إعلامية، إذا حازوا على مقاعد في البرلمان الأوروبي خلال الانتخابات المقبلة.