أخذ الورد مكانته الرفيعة بين الهدايا في جميع المناسبات بسبب قوة تأثيره في الآخرين، وأصبح أفضل شيء للاعتذار عند التقصير، فهو طريقة مباشرة لبث ما في القلب من مشاعر قوية ومتأججة ومتضاربة أحياناً، بأقل قدر من الكلمات، بل ومن دون أية كلمات أحياناً.
ويفسر بعض المتأثرين بأسطورة الورد حديثاً على شبكة الإنترنت ذلك التأثير الخفي بكونه عائد إلى أن أريج الوردة يلتصق باليد فور ملامستها للإنسان فينفذ إلى المشاعر بيسر وسهولة.
قبول الزواج
ويعد بوكيه الورد في مناسبة الزواج تحديداً رسالة قوية ومتكاملة، لأنها تتألف من رسائل عدة تمتزج داخل باقة واحدة صغيرة الحجم، ومن الضروري في حال إهداء الورد ترك بطاقة تحمل بعض العبارات الإيجابية والرقيقة المنمقة، إلى جانب وجود مفاجأة أو هدية مثل الشوكولاته وزجاجة العطر والشموع أو حتى ترك مبلغاً نقدياً من المال كدليل على الرغبة في رعاية الشريك أو المحبوب.
ومع الوقت توسعت أسطورة الورد الرقيقة لتشمل جانباً من الحروب الشرسة، وأصبحت تؤشر إلى التعقيدات الاجتماعية المعاصرة، فالوردة أبطلت أسطورة المحارب في كثير من الأحيان، لأنها المخلوق الوحيد الذي يقهر الرجل الهائج ومتبلد المشاعر، من دون الحاجة إلى بذل جهد كبير.
وبلغت قوتها درجة تعبير بعض الشعراء عن ذلك بقولهم إن الوردة قادرة على طعن السيف، كذلك تؤشر حديثاً إلى الجانب الأنثوي الرقيق للرجل والمرأة على حد سواء، مع ضرورة الانتباه إلى وجود اختلاف كبير في نوع الورد ولونه في حال إهداء الورد للرجال.
تعقيدات الحياة
في وقتنا الراهن، تشير أسطورة الورد إلى تعقيدات الحياة أكثر من الرومانسية، فهي تذهب باتجاه التعبير عن مكنونات أعمق في الإنسان المعاصر، وتشكلت مع ظهور قضايا تحولات الجنس البشري الكبيرة بعد العولمة، التي تطورت مع تغير نمط الحياة، وأثرت في دور ومكانة الرجل والمراة في الحياة.
ومع ذلك بقيت هذه الأسطورة مرتبطة بالأنوثة، فالمرأة المعاصرة أصبحت سيدة مستقلة وعاملة، فيما المراة قديماً وقبل العولمة تحدديداً كانت خانعة وغير فاعلة في الحياة، لذلك وجد كثير من النساء قديماً أنفسهن في "مهب الريح" خصوصاً في حال موت أو وفاة المعيل لها ولأطفالها، فتكون المرأة مضطرة للخروج إلى الواقع والعمل ومواجهة صعوبات العوالم الذكورية.
وكان بوكيه الورد المخصص للمناسبات قديماً بسيطاً للغاية ونادر الوجود، فيما يعد حالياً أكثر انتشاراً نظراً إلى سهولة المواصلات ولدرجة أنه يباع على مواقع إلكترونية تنتشر بكثرة على شبكة الإنترنت، مع أن ثمنه يصل أحياناً إلى مئات الدولارات، وتصل قيمته أحياناً إلى الأضعاف من خلال إضافة مبلغ مالي كبير مع أو هدية رمزية معه.
زخم سينمائي
من خلال متلازمة ضعف المرأة أمام الأحداث المفاجئة في الواقع، قدمت السينما العربية تحديداً منذ خمسينيات القرن الماضي أعمالاً عدة وأغاني ومونولاجات شهيرة تناولت هذه المتلازمة من جوانب مختلفة، وفي فيلم "بياعة الورد" عام 1959 للمخرج محمود إسماعيل وبطولة تحية كاريوكا ومحسن سرحان، وجدت فتاة اسمها "وردة" نفسها وحيدة بعد وفاة والدها، فاضطرت إلى إعادة فتح متجر الورود الذي كان يمتلكه، وسريعاً وجدت الفتاة نفسها تحت تأثير زعيم عصابة تتلاعب بالنساء، وتتطور الأحداث على هذه الشاكلة في أفلام ومسلسلات عدة.
ومن المقرر وفق موقع "السينما دوت كوم" عرض مسلسل جديد في رمضان المقبل 2024 تحت اسم "ورد" للمخرج شادي أبو شادي وهو من بطولة حنان مطاوع، وعبارة عن عمل اجتماعي يعيد عرض المتلازمة من وجهة نظر عصرية، إذ تتعرض الفتاة هنا إلى ضغوطات متتابعة أيضاً، لكنها تحدث نتيجة وقوع المرأة في غرام رجلين وليس رجل واحد، أحدهما رجل أعمال والآخر محامي.
جرأة زائدة
"ورد الشفايف المنفوخة بالبوتكس" هو ملخص موضوع ناقد للمدونة السينمائية ليلى الحاج عمر، وورد هذا التعبير في مقالة لها نشرت على موقعها الشخصي في 2018، والكاتبة سبق لها العمل في هذا المجال، وعاصرت بذلك كثيراً من التغيرات التي طرأت على المرأة تحديداً بعد انتهاء زمن ضعف النساء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشارت الكاتبة في مقالتها إلى مفارقة سلبية هي الجرأة الزائدة التي تحلت بها بعض النساء في السينما المعاصرة، وعبرت عن تلك المفارقة من خلال جملة مختصرة هي "سينما ورد الشفايف" التي تروج - وفق الكاتبة - لزمن فلسفة اللذة المتكاملة في الفن، من خلال عرض الأجساد الممشوقة بالشفط والمواضيع السطحية والمبتذلة التي تسعى إلى نيل الجوائز ولا تشفي غليل الباحثين عن القيم الإنسانية العميقة في الحياة.
رسائل مزدوجة
للورد لغة معترف بها كونياً، وهي توصف بأنها لغة أكثر تطوراً من لغة الإنسان، لأنها تحمل رسائل عديدة من خلال وضع الورد في إطار الهدية، فالإنسان الذي يعجز عن مخاطبة الحبيب بالكلمات يذهب فوراً إلى بائع الورد.
وفي لغة بائع الورد وفق مقالة على موقع "واي باك مشين" يعني إهداء بوكيه من الياسمين الأبيض الرغبة في قول جملة محددة يعجز الحبيب عن قولهاً بسبب الارتباك، والجملة المتعارف عليهاً في هذه الحالة هي جملة استفزازية ومفادها "لماذا لا تحبين أحداً"، وتخاطب هذه الجملة المرأة المتمردة، أما إذا كانت المرأة رقيقة وناعمة فإن إهداء الياسمينة الصفراء لها تعني "سأكون لك كل شيء في الحياة".
وفي الحالتين تعبر الجملة عن فحوى الرسالة الظاهرة والمباشرة، أما الرسالة الأهم، فهي تأتي من اختيار نوع الوردة، فالياسمين عموماً يوصف بأنه نبات فائق التأثير طبياً وشعبياً، وهو نبات "قنوع" ولا يحتاج إلى عناية كبيرة من المزارع، لذلك لا يوحي بالالتزام أو بالرغبة في الحياة الزوجية والعلاقات الطويلة.
تأثير في الحرب
تقول بعض الدراسات الاستشراقية إن حملة الحروب الصليبية التي اتجهت للشرق في القرن الـ13 توجت بإنجاز عاطفي رفيع، تمثل في نقل بعض المحاربين الأشداء الوردة الدمشقية إلى أوروبا، ويعني ذلك أن أسطورة الوردة هزمت أسطورة المحارب.
بصمة لا تنسى
من المهم أن تترك الوردة بصمة جميلة في الذاكرة لا تنسى أبداً، فهي عربون محبة، لذلك ينصح بائعو الورود الشخص الذي يفكر في نقل مشاعره للآخرين بأن يقوم ببعض التحريات حول الطرف الآخر قبل اختيار نوع الهدية، وذلك بهدف التعرف على ذلك الشخص أكثر، ويكون ذلك من خلال سؤال المقربين منه عن بعض أسراره أو جوانب دقيقة من حياته.
ويقول بعض أصحاب المتاجر الإلكترونية التي تبيع الورد حالياً إن "هناك متعة تتحقق لدى الشخص الذي يقدم الهدية أثناء ذلك العمل، وهي متعة اكتشاف الطرف الآخر".
إهداء للرجل
يقتضي إهداء الورد إلى الرجل تحديداً تجنب الألوان الأنوثية، واللون المفضل لإهداء الورد للرجل هو اللون النرجسي، ويحمل الإهداء للرجل من المرأة رسالة ناقدة دائماً، فعلى رغم اختيار اللون النرجسي الدافئ، فإنه تحديداً مرتبط دائماً بفكرة محبة الذات الزائدة عن الحدود، التي تؤشر هنا إلى الذكورية المفرطة من الرجل، أو الشخص الذي يفوق اهتمامه بذاته أي اهتمام آخر.
نصيحة بائع
ويفضل بائع الورد الذكي دائماً إهداء الورد للرجل داخل "أصيص" وليس من خلال بوكيه أو باقة بالونية أوغيرها من الأشكال، إذ يعني وجود الوردة في تربة الأصيص الخصوبة واستمرارية العطاء والإنتاج، ويشير أيضاً إلى الحيوية وصلابة الورد في موطنه الطبيعي، إذ عرف عن بعض الأنواع أنها تنبت في أماكن خطرة.
وتظهر أنواع نادرة من الورود في مناطق معرضة لأخطار الطبيعة، حتى أن بعض الأنواع تنبت بين مفاصل الصخور، كما أن بعض الورود سامة بطبيعتها، فيما معظم أنواع الورد تنتج الأشواك على سيقانها وفروعها، وذلك دليل على الخشونة والشراسة ورفض فكرة قطف الوردود من أجل المتعة الشخصية.
أخيراً ترمز أشهر أنواع الورود المهداة في مناسبة الزواج تحديداً إلى الذكرى السنوية للارتباط الأبدي، وهناك نوع من الورود وهو الأقحوان يؤشر إلى مرور خمس سنوات على ذكرى الزواج، فيما تشير أنواع مختلفة إلى فكرة الارتباط لمدة طويلة تصل حتى 30 عاماً، من جهة أخرى تؤخذ بعض الورود الشهيرة مثل الورد الجوري أهميتها من مدة حياة الوردة بعد قطفها، إذ تعد الورود التي تعيش بعد القطف أكثر نوع مميز يفوق مثيلاتها من الورود سريعة الذبول.