"الوتير" وسيلة نقل تأبى مغادرة شوارع نواكشوط

منذ 5 أشهر 113

ملخص

في سنوات تواري "الوتير" عن شوارع الميناء قدم إلى الحياة جيل بأكمله لم يجرّب ركوب وسيلة النقل هذه التي لطالما ميزت مقاطعتهم، وكنوع من الحنين إلى الماضي، يقوم سيد الأمين وهو تاجر أخشاب في الميناء وأحد سكان المقاطعة بجولة لأبنائه على هذه العربة.

فما مستقبلها في قادم الأيام؟

في سوق بلدية الميناء جنوب غربي العاصمة الموريتانية نواكشوط يسرح آخر حصان يجر عربة نقل على رصيف الشارع، إذ ما زال محمود صو يقاوم تقلبات العصر وتحديات الواقع ويصر على مواصلة عمله الذي ورثه عن والده منذ ربع قرن، وهو نقل الأشخاص والبضائع على عربة خيل تأبى الاندثار.

"الوتير" عربة خيول كانت حتى وقت قريب وسيلة نقل الأشخاص والبضائع المفضلة لسكان مقاطعتي الميناء والسبخة في نواكشوط، لكن التطور الذي حدث في العقود الثلاثة الأخيرة في ما خص وسائل النقل في العاصمة الموريتانية حول "الوتير" إلى مجرد عربة خيل تجر عقوداً من ذكريات سكان نواكشوط.

وتير 2.png

يتحدث محمود صو صاحب العربة الأخيرة في المدينة بفخر كبير قائلاً "ما زال بعض معارفنا من سكان الميناء القدماء يطلبون منا تنظيم جولات على هذه العربة" (اندبندنت عربية)

البعض يفضل "الوتير"

في تجوالنا في سوق الميناء بحثاً عن آخر عربة خيل ما زالت تعمل على نقل الأشخاص والبضائع في الحي الصناعي بالمقاطعة، لفت انتباهنا تعلق كبار السن باستخدام "الوتير" في تنقلاتهم.

وتتذكر السيدة أندي هارون بكثير من الحنين "كيف كانت هذه العربات محط إعجاب من سكان الميناء قبل ثلاثة عقود من اليوم". وتقول "كان مشوار ’الوتير‘ مدعاة لفرح الصغار، وكنا نعدهم بجولة في نهاية كل شهر حتى أطراف المقاطعة عبر وسيلة النقل هذه التي بدأت في الانقراض بفعل الزمن".

ويتحدث محمود صو صاحب العربة الأخيرة في المدينة بفخر كبير قائلاً "ما زال بعض معارفنا من سكان الميناء القدماء يطلبون منا تنظيم جولات على هذه العربة، وبعضهم يقوم بجولته برفقة زوجته وأولاده إحياء للذكريات السعيدة".

وعلى رغم ندرة عربات "الوتير" في السنوات الأخيرة بخاصة في مقاطعة الميناء "فإن المعمرين في أحياء السوق عبروا عن أملهم في إقامة تعاون بين بلدية المقاطعة وملاك الخيل يفضي إلى عودة هذه العربات للشوارع كما كانت قبل عقود من الزمن"، وفق قول محمد لام.

حنين

في سنوات تواري "الوتير" عن شوارع الميناء قدم إلى الحياة جيل بأكمله لم يجرب ركوب وسيلة النقل هذه التي كثيراً ما ميزت مقاطعتهم، وكنوع من الحنين إلى الماضي، يقوم سيد الأمين، وهو تاجر أخشاب في الميناء وأحد سكان المقاطعة بجولة لأبنائه على هذه العربة التي أصبحت من مخلفات الماضي، "لا أفوت فرصة تنظيم جولة لأبنائي على هذه العربة كنوع من التشبث بالماضي الجميل الذي عشناه في الميناء".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى المتخصص في التحولات الاجتماعية في موريتانيا المهدي حسين أن "الوتير" يختزل تاريخاً اجتماعياً وثقافياً لعديد من الموريتانيين، "إذ يمثل في حياتهم النواة الأولى للانتقال الصعب من البادية نحو المدينة، لكنه يعاني اليوم بسبب ضغط المدينة الذي فرض على الوتير أن يكتب وثيقة فنائه للأسف".

شكوى

وعصفت تحديات حقيقة باستدامة عمل "الوتير" في العاصمة الموريتانية نواكشوط، ولا سيما ارتفاع أسعار الخيل وصعوبة توفير علفها، فضلاً عن هجرة كثيرين من الشباب الذين كانوا يعملون عليها، كما أن منافسة الـ"توك توك" وسرعة انتشاره وسهولة الحصول عليه حسم الصراع بين القديم والحديث لمصلحة الأخير.

وعن تحديات العمل اليومي على الوتير يقول محمود صو "أحتاج إلى حدود 7 دولارات يومية ثمن علف الخيل، كما أن صيانة عجلات العربة وكلف معيشتي يقضيان على أي دخل محتمل، الوضع لم يعد مربحاً، بل تحول إلى نوع من الوفاء لذكرى أحبة رحلوا كانوا يعملون على هذه العربة".

سوء تغذية

ويرى السعد ولد الفيلالي، وهو فني بيطري أن "خيول أصحاب هذه العربات تعاني سوء تغذية حاداً يقضي عليها في مقتبل العمر، كما أن الجري على الأرصفة يتسبب في مشكلات صحية لحوافرها".

ومنذ بداية الانفتاح الاقتصادي في مطلع التسعينيات زادت حركة الاستيراد عبر ميناء نواكشوط وتراجع دور عربات الخيول في العاصمة، وتقدر أرقام سلطة تنظيم النقل في موريتانيا عدد سيارات الأجرة بأكثر من 5000 سيارة، كما تنطلق يومياً مئات الحافلات والباصات المخصصة للنقل العمومي في العاصمة وحدها.

ويعد الاقتصادي الأمانة محمد أن كلفة عمل "الوتير" اليوم لم تعد تترك لأصحابه ترف العمل عليه لأن كلف عملهم اليومي تتجاوز أي ربح متوقع، كما أن منافسة السيارات قضت على آخر حلم في تعافي دخل هؤلاء الأشخاص.