ملخص
تخلق الواجهات المزدوجة بيئة صحية تبدأ بتوفير مناظر واضحة والإضاءة والتهوئة الطبيعية وتحسين العزل الحراري والصوتي، إضافة إلى تقليل الطلب على التبريد والتدفئة.
تكتسب الواجهات أهمية كبرى في الثقافة المعمارية، وقد تكون في حالات كثيرة سبباً في نجاح أو فشل التصميم وظيفياً، خصوصاً في ما يتعلق بالتصميم الداخلي، إذ تعد الواجهات قشرة المبنى وغلافه، ومن هنا أعطى المعماريون أولوية إلى العلاقة بين غلاف المبنى وجودة التصميم الداخلي، وخضعت تفاصيل هذه العلاقة لدراسات معمقة نتجت عنها مجموعة اقتراحات تعد "الواجهات المزدوجة" أبرزها، إذ تدير هذه الواجهات الظروف الخارجية التي تؤثر بصورة مباشرة على الراحة الداخلية وجودة حياة السكان.
وفي حين أن مفهوم الواجهات المزدوجة ليس جديداً، إلا أن هناك ميلاً متزايداً لدى المهندسين المعماريين والمهندسين لاستخدامها، نظراً إلى مراعاتها الحاجات والعادات من جهة والتغيرات الثقافية والبيئية والاقتصادية من جهة أخرى، فضلاً عن تحقيق الرفاهية العامة.
الواجهات المزدوجة
والواجهات المزدوجة عبارة عن نظام يتكون من طبقتين من الواجهات (أساسية وثانوية)، عادة من الزجاج، فيتدفق الهواء من خلال تجويف متوسط (يمكن أن يراوح ما بين 20 سنتيمتراً وبضعة أمتار) بصورة طبيعية أو بدفعه ميكانيكياً، لتعمل هذه المساحة كعازل لدرجات الحرارة العالية أو المنخفضة والرياح والصوت، مما يحسن الكفاءة الحرارية للمبنى.
وتعدّ خياراً مفضلاً خصوصاً في تصميم ناطحات السحاب لتميزها بواجهتها الشفافة وتمتعها بالراحة الحرارية والسمعية وانخفاض كلف تكييف الهواء، علاوة على إلغائها الحاجة إلى تزويد النوافذ بتقنيات خاصة.
ولعل أحد أشهر الأمثلة على الواجهات المزدوجة هو مبنى "30 St Mary Axe" الذي يعدّ أول ناطحة سحاب بيئية في لندن، ويجسد استراتيجية بيئية تقدمية للغاية، إذ يعمل شكله الديناميكي الهوائي على زيادة كمية الإضاءة الطبيعية والتهوئة إلى الحد الأقصى لتقليل استهلاك الطاقة في المبنى بنسبة 50 في المئة وتحسين بيئة العمل.
مضاعفة الواجهة
وتقوم الفكرة على مضاعفة الواجهة والسقف والأرضيات في بعض الحالات لإنشاء تصميم داخل التصميم، فتعمل كغلاف ثانوي يحمي المساحة الداخلية من العوامل البيئية الخارجية، ويفصل بين الجزءين الداخلي والخارجي بطريقة ذكية، ليصبح هذا الغلاف المسؤول عن جوانب عدة منها التهوئة والعزل ومنع تسرب الرطوبة وإدارة الطاقة والاستقرار الهيكلي وتنظيم البيئة والظروف الداخلية للبناء.
واجهات يتدفق خلالها الهواء عبر تجويف متوسط (أن سبلاش)
لذلك، يعدّ التدقيق في هذه التفاصيل أثناء التصميم أمراً ضرورياً تبعاً لكل حالة، ويتطلب معرفة تفصيلية باتجاه الشمس والسياق البنياني والإشعاع المحلي وظروف درجة الحرارة وإشغال المبنى، وكذلك من الضروري الاهتمام بالمواد التي تصنع منها وموضعها وأبعادها.
التكيف مع المناخات
من جهة أخرى، تبدو الواجهات المزدوجة قابلة للتكيف مع الطقس البارد والدافئ على حد سواء، فمن خلال تعديلات طفيفة مثل فتح أو إغلاق شفرات المدخل أو المخرج أو تنشيط دورات الهواء، من الممكن تغيير عمل الواجهة بصورة كاملة، إذ يعمل حاجز الهواء كعائق في وجه فقد الحرارة في المناخات الباردة، فيمكن للهواء الساخن الموجود في التجويف تسخين المساحات خارج الزجاج، مما يقلل الطلب على أنظمة التدفئة الداخلية.
أما في المناخات الحارة، فتتم تهوئة التجويف خارج المبنى لتقليل اكتساب الطاقة الشمسية وخفض أحمال التبريد، إذ يتم تصريف الحرارة الزائدة من خلال عملية تعرف باسم "تأثير المدخنة"، فمع ارتفاع درجة حرارة الهواء في التجويف، يحدث تفاوت في كثافة الهواء يؤدي إلى إنشاء حركة دائرية تسهم في تسرب الهواء الأكثر دفئاً، ودخول الهواء الأخف إلى الداخل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعدّ حلول التصميم التي تراعي البيئة من بين الأسباب الرئيسة التي تدفع المهندسين المعماريين إلى اختيار إنشاء مبانٍ ذات غلاف مزدوج، ففي بعض المشاريع ذات الظروف المناخية الحرجة، يُنفذ جدار "الترومب" (جدار مطلي بلون داكن لامتصاص الطاقة الحرارية من ضوء الشمس) كاستراتيجية تصميم مباني الطاقة الشمسية السلبية، فيمتص أشعة الشمس المباشرة ويحولها إلى طاقة حرارية يتم توزيعها بصورة مناسبة على جميع المساحات الداخلية.
بيئة صحية
وللواجهات المزدوجة فوائد غير تقليدية تبدأ بتوفير مناظر وإطلالات واضحة وإضاءة طبيعية مع السماح بالتهوئة الطبيعية والتجديد المستمر للهواء وتحسين العزل الحراري والصوتي، مما يخلق بيئة صحية، إضافة إلى تقليل الطلب على التبريد والتدفئة.
فلهذه الواجهات أهمية في المشاريع التي تعطي أولوية للهدوء والصمت مثل المكاتب والمرافق الطبية، وكذلك في الأبنية المحاطة بمستويات ضوضاء مرتفعة، إذ إن المادة التي يبنى منها الجدار غالباً ما تكون عازلة للصوت.
إلى جانب ذلك، يمكن أن يمثل سوء جودة الهواء دافعاً لتغليف المباني المشيدة في المناخات القاسية والمناطق الملوثة، وفي حالات كهذه يقوم المعماريون بإنشاء فتحات في الجدران الثانوية أو توجيه القواطع بطرق تمنع الهواء الملوث من الدخول مباشرة إلى المساحة، مما يوفر جواً داخلياً أنظف. لكن هناك بعض السلبيات اللوجستية، فهي تحتاج إلى صيانة دائمة، فضلاً عن تطلبها لمساحة إضافية، والأكيد أن كلفتها الأولية أعلى بكثير، علاوة على أنه من الممكن أن يفشل المخطط في حال تغير السياق بصورة كبيرة مثل تأثير ظلال المباني المحيطة.