كانت تعتبر قطعة أساسية في تزيين البيوت والجلسات، لكنها باتت ترمى في المكبات والشوارع، ومصدراً للروائح الكريهة والحشرات، هذه هي حال "الهيدورة" أو "جلد أضحية العيد" اليوم في الجزائر، هذا الموروث الثقافي المرتبط بعيد الأضحى المبارك، أصبح مهدداً بالزوال بسبب إقدام غالبية ربات البيوت على التخلص منه لأسباب عدة.
مكانة راقية تسقط أمام الجيل الحالي
كانت "الهيدورة" تحظى بمكانة خاصة لدى الجزائرية التي تضطر لمراقبة زوجها يوم النحر من أجل الحفاظ على جلد أضحية العيد سالمة غير ممزقة، ولا تنصرف إلا بعد أن تمسكها بين يديها، لتبدأ عملية تمليحها ثم عرضها تحت أشعة الشمس لتجف. وكان لهذه القطعة الجلدية دلالات دينية وتقليدية، وشكلت رمزاً للتباهي، لا سيما إذا كان صوفها غزيراً حيث يكون الجلوس عليها مريحاً. وقد تتشاجر المرأة مع زوجها في حال أخطأ السلخ وجرح "الهيدورة".
لكن اليوم لم يعد هذا الجلد "المصوف" يحظى بنفس الاهتمام من الجيل الجديد، تارة بسبب العولمة ووجود بدائل لتزيين البيوت، وأخرى لرفض تنظيفها خشية المرض أو التعب أو إفساد أظافر المرأة وصولاً إلى الروائح، لتبقى الشوارع الملاذ الذي يستقبل أعداداً كبيرة من "الهيدورة"، إذ يلاحظ المتجول في أحياء مختلف مدن الجزائر عقب انتهاء عمليات نحر أضاحي العيد، جلود الكباش مرمية على قارعة الطريق، وفي المكبات.
أسباب تراجع الاهتمام
يقول أستاذ علم الاجتماع أحمد ضياف لـ"اندبندنت عربية"، إن "من أسباب التخلي عن عادة الاهتمام والاحتفاظ بالهيدورة، هو الجهد والوقت اللذان تستلزمهما عملية غسل جلد الأضحية وتجفيفه، إضافة إلى جهل الجيل الحالي بطريقة التنظيف والتعامل مع هذه القطعة الجلدية"، مشيراً إلى "تغير طريقة تفكير الجيل الحالي من ربات البيوت اللاتي يفضلن اقتناء مفروشات عصرية جاهزة من المحلات، بألوان وموديلات مختلفة، عوض تكلفهن عناء غسل وتجفيف جلد الأضحية".
ويتابع ضياف، أن "العائلات الجزائرية تغير نمط معيشتها وتغيرت معها التقاليد، الأمر الذي يستدعي التحرك من أجل حماية هذا الموروث الثقافي عبر الترويج له بطرق عصرية، مثل عرض الهيدورة للبيع في محلات الديكور بألوان مختلفة، ونشر فيديوهات وصور عن مدى قدرتها على صنع مشهد جميل سواء في البيوت أو الفنادق أو على شاشات التلفزيون".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اعتقادات وطقوس أيضاً
لـ"الهيدورة" اعتقادات وطقوس وعادات أيضاً، فقد كانت العائلات الجزائرية تمسح وجه المراهق بجلد أضحية العيد بعد السلخ مباشرة، من أجل مواجهة مشكلة "حب الشباب" لدى المراهقين، على اعتبار أن خلال تلك المدة يكون الجلد ساخناً ويساعد على "تنظيف بشرة الوجه"، كما تقوم ربات البيوت في بعض مناطق البلاد بمسح أسنان البنات المراهقات بجلد "الهيدورة" من أجل تبييضها وصلابتها.
وأمام انتشار المظاهر الفوضوية والروائح الكريهة المترتبة عن رمي "الهيدورة" في الشوارع، سارعت السلطات إلى اغتنام الفرصة وجمع ما جادت به العائلات من قيمة اقتصادية كبيرة من شأنها تحريك عجلة بعض القطاعات وتوفير فرص عمل، إذ إن عملية جمعها وفرزها واستغلالها تنعش القطاع الصناعي في عديد من المجالات التحويلية، ولا يتعلق الأمر على المستوى المحلي فقط بل يوجه جزء منها نحو التصدير.
الحكومة تغتنم الفرصة
وأطلقت وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني حملة تحسيسية بخصوص عملية جمع جلود الأضاحي الخاصة بعيد الأضحى تحت شعار "نسلخ مليح ونملح باش نساهم بهيدورة تصلح"، وذلك بالتنسيق مع الأطراف الفاعلة المعنية بهذه العملية. وتقول الوزارة إن هدف الحملة هو المساهمة في ترقية الصناعات الوطنية للنسيج والجلود قصد تثمينها كمدخلات أساسية، والمشاركة في الحفاظ على البيئة. ودعت المواطنين إلى الانخراط في هذا المسعى وإنجاحه.
من جانبه، اعتبر رئيس المنظمة الوطنية للمؤسسات والحرف، مصطفى روباين، أن "جلود الأضاحي هي عبارة عن مادة أولية تتكل عليها مؤسسات وورشات معنية بهذا المجال، لا سيما مع تسجيل ستة ملايين أضحية هذه السنة"، مشيراً إلى أن "الجزائر تعمل على تصدير كمية من هذه المادة وتوجيه الأخرى إلى التحويل الذي لا يزال محتشماً". وأوضح أنه "تم تقديم اقتراح لوزارة الصناعة بتخصيص أماكن لتجميع هذه المواد عبر البلديات ومنها إلى نقاط الفرز".
15 ألف وحدة في 26 بلدية
وكشفت مؤسسة النظافة ورفع النفايات المنزلية في محافظة العاصمة الجزائرية، عن جمع 15 ألف وحدة من جلود الأضاحي على مستوى 26 بلدية، إلى جانب غسل أماكن النحر وتطهيرها، ورفع النفايات المنزلية في مختلف الأماكن التابعة لمجال تدخل المؤسسة، فيما تواصلت العملية إلى غاية اليوم الرابع من العيد عبر مختلف الأحياء، خصوصاً على مستوى الأحياء الشعبية التي تضم كثافة سكانية عالية.
وأوضحت المؤسسة أن "الإمكانات المادية والبشرية التي جندتها سمحت بجمع جلود أضاحي العيد ونقلها إلى أماكن تجميعها، فضلاً عن رفع مختلف النفايات المنزلية ونقلها طيلة أيام العيد، حيث عملت الدوريات التي تم تكثيفها، على رفع مخلفات الذبح عبر مختلف الأحياء، كما سمحت الحاويات التي وضعت لهذا الغرض وكذلك الشاحنات المفتوحة، بجمع الجلود وغيرها من النفايات". وأضافت المؤسسة أن عمليات التحسيس التي قامت بها أجهزتها بخصوص سلخ جلود الأضاحي بطريقة سليمة للسماح باسترجاعها، "لاقت استجابة واسعة من قبل المواطنين الذين كانوا في المستوى، وأظهروا سلوكاً حضارياً في ما يخص احترام مواقيت رمي النفايات، ووضع جلود الأضاحي في أكياس مناسبة ومحكمة الغلق".