♦ الملخص
شاب مجنون بالجنس، يشاهد المنكرات بجميع أشكالها، وقد جعل هذا الأمر ثقته بنفسه ضعيفة، وأصبح يكره الذهاب إلى النوم خشية الاستمناء، ويسأل: ما الحل؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم.
أنا شاب في السادسة عشرة من عمري، في الصف الثاني الثانوي، أعيش في مدينة الرياض، سأحكي لكم عن مشكلتي التي مهما حاولت علاجها، فإني أحس بأن لا تقدُّمَ في حلها؛ وهي:
عندما كنت صغيرًا ربما في الحادية عشرة من عمري كنت أزور أقاربي (بنات خالي)، وحصل في يوم أني رأيت قريبتي تغير ملابسها دون قصد، ولم تَرَني، فذهبتُ مسرعًا إلى منزلي دون علمهم، ومع مرور الوقت أصبحتُ - بسبب تلك النظرة - أزداد في مشاهدة المنكرات، حتى أصبحت أشاهد أشياء لا يتخيل العقل أن يشاهدها مسلم؛ بعضها يتضمن شذوذًا، وبعضها عن الأطفال، والعياذ بالله، حتى إنني أصبحت أتواصل مع غرباء، وأتكلم معهم عن هذا الموضوع، وأصبح بيننا تواصل بصور وكلامٍ غير لائقٍ، ما جعل ثقتي بنفسي ضعيفة، خاصة في المدرسة، فأصبحت أخاف من كل أحد، حتى ممن يمشي في الشارع؛ إذ أخشى أن يُفْعَلَ بي شيء غير لائق، وقد قللت من وطأة هذه المشكلة بفضل الله، وأصبحت أجتنب سوء الظن، وقد صرتُ أكره ذهابي للنوم؛ لأني أخاف أن أستمني؛ إذ تأتيني – بسبب فراغي – أفكار جنسية بطريقة غير طبيعية، مع أني قد أكون متوضئًا، وأستمع للقرآن وقت النوم، أتمنى أن أكون رجلًا بكل ما تعنيه الكلمة من القوة والشجاعة، فعندما أرى الصحابة رضي الله عنهم والتابعين رحمهم الله، ومدى رجولتهم - يصيبني الحزن على نفسي، ليس لأني أهتم بالنساء، لكن لأني مهتم بالجنس أيًّا كان نوعه، بطريقة غير سوية، حاولت التوقف عن التفكير في الأمر، لكن بمجرد أن يأتي وقت النوم، تهجم عليَّ هذه الأفكار، أرجو المساعدة، سيما أنني لا أستطيع الذهاب إلى طبيب نفسي أو إخبار أهلي بالأمر، لأن الأمر مخجِلٌ، وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتك هو:
1- نظرت بغير قصد لعورة قريبة لك، وبعدها عانيت من الدخول لمواقع إباحية، وعلاقات إنترنت قبيحة.
2- وبعد ذلك كله اشتدت معاناتك من الأفكار الجنسية القبيحة مع الجنسين، وما تسببه لك من قلق، ومن فعل العادة السرية.
3- تقول: إنك لا تستطيع مصارحة أهلك بمعاناتك المخجلة، ولا تقدر على الذهاب للطبيب النفسي للمعالجة.
ثم تسأل عن الحل، فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: تُشكر كثيرًا على مشاعرك الفياضة باستقباح ما فعلته، وبالندم عليه، وبالبحث عن العلاج؛ فأنت بهذه الروح قطعت شوطًا كبيرًا نحو العلاج؛ لأن أول محطة للعلاج هي الاعتراف بالخطأ، والندم عليه، والبحث عن مخرج سليم، يُعالج أخطاء الماضي، فمن صدق وأخلص لا يخذله الله، بل يوفقه ويُسدده.
ثانيًا: لعل مما يشجعك على استمرار الندم والتوبة، وعلى عدم اليأس والقنوط من رحمة الله لك - أن تتذكر الأدلة الآتية:
1- قوله سبحانه: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].
2- قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110].
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِي عَن ربِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى قَالَ: ((أَذنَب عبْدٌ ذَنْبًا، فقالَ: اللَّهُمَّ اغفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعالى: أَذْنَبَ عبدِي ذَنْبًا، فَعَلِم أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ ربِّ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: أَذْنَبَ عبدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغفِرُ الذَّنبَ، وَيَأخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَي رَبِّ، اغفِرْ لِي ذَنبي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالى: أَذْنَبَ عَبدِي ذَنبًا، فعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنبِ، قد غَفَرْتُ لِعَبْدِي؛ فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ))؛ [متفقٌ عَلَيهِ].
4- وعنه رضي الله عنه قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَجَاءَ بِقومٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّه تَعَالَى، فيَغْفر لَهُمْ))؛ [رواه مسلم].
5- وعن أَبي أَيُّوبَ خَالِدِ بنِ زيدٍ رضي الله عنه قَالَ: سمعتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: ((لَوْلا أَنَّكُمْ تُذْنبُونَ لَخَلَقَ اللَّهُ خَلقًا يُذنِبونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ، فَيَغْفِر لَهُمْ))؛ [رواه مسلم].
فأبشر بالخير، وبمغفرة ذنوبك، حتى لو تكررت ما دمت تندم وتتوب، وتلوم نفسك، وتأمل كيف أن الله سبحانه أقسم بالنفس اللوامة، وقرن القسم بها مع القسم بيوم القيامة؛ تعظيمًا لشأنها عنده سبحانه؛ وذلك في قوله عز وجل: ﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ [القيامة: 1، 2].
ثالثًا: وألمح في رسالتك خيطًا رفيعًا من علو همتك، وحُبك للمعالي، وكرهك للسفاسف، وذلك في مقارنتك حالَك بحال شباب الصحابة، وندمك الشديد وكرهك للذهاب للفراش خشية معصية الله بالعادة السرية؛ فافرح بهذه الهمة وبهذا الصدق، واعلم أنها مفتاح عظيم للفرج، ولكن اصبر كثيرًا.
رابعًا: ومن وسائل علاج مشكلتك الآتي:
1- الدعاء وهو أعظمها وأقواها أثرًا بشرط الصدق واليقين والصبر؛ قال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].
2- كثرة الاستغفار؛ فقد جعل الله الاستغفار سببًا لتفريج الكرب والرزق؛ فقال عز وجل: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12].
3- الاسترجاع.
4- الصدقة.
5- الإكثار من الصلاة، ومن تلاوة القرآن، والأذكار؛ فهي جميعًا تقوي الإيمان، وتطرد الوساوس الشيطانية.
6- مجالسة أهل الفضل والعلم، وهجر أهل المعاصي والغفلة.
7- مجاهدة النفس على التخلص من الأفكار الرديئة؛ قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].
8- الصوم لأنه يضيق مجرى الشيطان؛ فعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ))؛ [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
9- اجتنب قدر الاستطاعة الخلوات، وإن استطعت، فاجعل مكان نومك مكشوفًا وليس مغلقًا عليك، أو في مكان مشترك مع غيرك.
10- اشغل فراغك بما ينفعك في دينك ودنياك؛ من حفظ لكتاب الله، ومن مدارسة للعلم، ومن أعمال بيتية أو تجارية.
خامسًا: إن كنت قادرًا ماديًّا على الزواج، فلا تَقُلْ: أنا صغير؛ فقد تزوج بعض الصحابة وهم في عمرك، ثم إنك الآن تتعرض لفتنٍ، المخرج القاطع لها بإذن الله سبحانه هو الزواج؛ فاستخر الله سبحانه، وصارح أهلك برغبتك في الاستعفاف؛ لأنك به تحمي بإذن الله نفسك وعرضك من الفتن.
سادسًا: ابتعد كليًّا عن مواطن الفتن؛ من نظر محرم، أو خلوة، أو غيرها؛ واعمل بقوله تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30].
سابعًا: كلما هممت بمعصية؛ تذكر قوله سبحانه: ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس: 61]، وقوله سبحانه: ﴿ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 9 - 12].
ثامنًا: تحتاج لقوة صبر وثبات؛ لأن ما تعانيه من الأمور التي يزينها الشيطان لك بسبب ضعف الإيمان، وأخطاء إطلاق النظر السابقة، فهي من الفتن.
تاسعًا: أما الطبيب النفسي، فلا أظن أنك بحاجة إلى الذهاب إليه؛ لأنك لست مصابًا بمرض نفسي، بل هي شهوات تتزين لك بسبب الأخطاء السالفة.
عاشرًا: أعود وأكرر: أنت شاب فيك خير كثير، اتضح ذلك جليًّا من ثنايا مرارة شكواك، فاحمد الله على ما حباك به من ندم ولوم محمودين، ولم يكلك لنفسك وهواك، كما حصل لغيرك الذين فُتنوا بالشهوات، ففقدوا التوبة، وقست قلوبهم، ونسوا الموت والحساب، فتلطخوا بلوثة المنكرات والشذوذ.
حفظك الله، ورزقك توبة وإقلاعًا، وزوجة صالحة.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.