الهدر والفاقد

منذ 1 سنة 246

تؤكد الدراسات الاجتماعية أن عدد سكان الأرض يزيدون وفق متوالية هندسية، بينما الغذاء يزيد وفق متوالية حسابية، مما يعني أن عدد سكان الأرض ضعف ما تنتجه الأرض من غذاء. لذلك، تحدثُ المجاعات في الأرض، وتحدثُ الحروب للحصول على الماء والغذاء، وهذه الحروب والأمراض والكوارث الطبيعية رغم قسوتها، وعدم ترحيب المجتمع الدولي بها، إلا أنها هي ما يعيد التوازن إلى الأرض.

لذلك، تسعى المنظمات الدولية، ومراكز البحوث المستقلة، ومراكز البحوث التابعة للجامعات، إلى تقليل الفاقد من الغذاء، سواء أثناء جمع المحصول، أو أثناء تسويقه، فالطرق التقليدية لجني المحاصيل يصاحبها فاقد كبير أثناء الجني، لذلك تحاول مراكز البحوث ابتكار طرق جديدة تقلل الفاقد من المحصول، وتحاول الاستفادة من كل شيء في الشجرة.

وتحاول هذه المراكز ابتكار طرق للتسويق والحفظ تجعل المحصول طازجاً لحين وصوله للمستهلك، فبعض المنتجات حساسة وسريعة التلف، مثل الفواكه، لذا ابتكر الإنسان تجفيف الفاكهة لإطالة عمرها، لتستخدم في وقت غير موسمي، فعن طريق التجفيف يمكن أكل فاكهة الصيف في الشتاء، وابتكر الإنسان تخليل الخضروات لإطالة عمرها، ثم تطورت وسائل الحفظ عبر المعلبات التي قد يصل أعمار بعضها للسنتين، كما في حالة الأجبان مثلاً.

ومحاولة تقليل فاقد الإنتاج الزراعي لم تتوقف، بل ويتم تطوير الإنتاج الزراعي عبر البحوث للوصول إلى أقصى طاقة ممكنة للإنتاج، عبر تحسين ظروف الزراعة، بدءاً من تحسين التقاوي، وانتهاءً بخلق ظروف مناخية مناسبة للنبات، مثل البيوت المحمية، وغيرها من الطرق الزراعية المبتكرة.

في مقابل ذلك، يبقى دور للمستهلك يحثُّ عليه علماء الاجتماع وقبل ذلك يحثُّ عليه الدِّين، وهو عدم الإسراف في الطعام، وأخذ الإنسان ما يكفيه دون إسراف في الطعام.

وفي مجتمعاتنا العربية، نجدُ لدى البعض هدراً هائلاً في الأطعمة، تارة بدعوى الكرم، وتارة أخرى لعدم وجود ثقافة اعتذار لدى البعض مِنّا، فقد تدعو 20 فرداً ويتغيب بعضهم دون اعتذار، ولو اعتذروا لصُنع الطعام على قدر من أكدوا الحضور.

نحن بحاجة لهاتين الساقين، وهما تقليل الفاقد وتقليل الهدر، لنواحٍ اقتصادية عدة، منها تقليل استهلاك الماء في الري الزراعي، تقليل استخدام الأسمدة، تقليل استخدام المبيدات الضارة للبيئة، وغيرها من الفوائد التي يصعب حصرها في مقال كهذا، ولعلّ أهمها خفض استهلاك الطاقة. فإذا كانت مراكز البحوث العلمية مهتمة بابتكار طرق لتحسين الإنتاج وتقليل الفاقد، فهل يُعلِّم علماء الاجتماع الناس التقليل من الهدر. ودمتم.