عندما أعلنت السعودية عن تقديراتها الأولية لموازنة 2023 والعام المقبل، التي ستشهد تحول الموازنة من فوائض إلى عجز بعد تنامي الإنفاق، خطر إلى البعض تأثير الصفقات الرياضية الأخيرة على المملكة؛ إذ أبرمت الأندية السعودية صفقات مليارية مع العديد من الأسماء العالمية في مقدمتها البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي كلف انتقاله لنادي النصر السعودي 500 مليون يورو؛ أي ما يعادل أكثر من ملياري ريال سعودي.
الأندية السعودية أنفقت حتى الآن ما يقرب من مليار وسبعمائة مليون دولار لاستقطاب لاعبين مثل رونالدو وكريم بنزيما ونيمار وغيرهم.
هذا الإنفاق العالي جاء من صندوق الاستثمارات العامة، ولهذا لا علاقة له بالموازنة العامة للدولة؛ لأن الصندوق ميزانيته مستقلة، وتأتي من فوائض الموازنة ومصادر الصندوق الذاتية وعوائد استثماراته، إلا أن هذا لا يعني أن المملكة لا تنفق بشراهة عالية حالياً، وبعض هذا الإنفاق جاء على مشروعات رأسمالية، وهنا يجب ألا يتم الربط بين هذا الإنفاق والمشروعات المختلفة التي يمتلكها الصندوق مثل «الدرعية» و«البحر الأحمر» و«القدية» و«نيوم» و«روشن» و«قمم السودة».
هذه المشروعات كذلك يمولها الصندوق ولا تمولها وزارة المالية، ولهذا هي ليست جزءاً من بنود الموازنة.
زيادة ميزانية الصندوق تعتمد على فوائض النفط، وهذه الفوائض لم تعد موجودة هذا العام، وقد يمتد الأمر للعام المقبل في ظل تراجع إنتاج المملكة النفطي وبقاء أسعار النفط تحت 90 دولاراً للبرميل، لكن لا يوجد ما يقلق في هذا الأمر؛ لأن عجز الموازنة المقدر بنحو 82 مليار ريال في 2023، و79 مليار ريال في العام المقبل، يشكل قرابة 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدولة.
وعلى السعودية في هذه الحالة زيادة الاقتراض لسد العجز، وهذا سيجعل الدين العام في نطاق مقبول عند 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي؛ أي أقل من المعدلات العالية عند 30 في المائة وما فوق.
هل يجب على الحكومة مواصلة التوسع في الإنفاق في ظل تراجع مداخيل النفط ونمو الاقتصاد بنسبة هامشية هذا العام؟ المنطق الاقتصادي يقول «نعم»؛ لأن من واجب أي حكومة زيادة الإنفاق في أوقات يعاني فيها الاقتصاد العالمي من شبهة ركود أو تباطؤ.
أما بالنسبة لصندوق الاستثمارات العامة فيستطيع هو كذلك الاقتراض أو بيع المزيد من حصصه في شركات ومشروعات أو طرحها للاكتتاب العام، لكي يواصل تمويله.
وفي الحقيقة، إن الصندوق والإنفاق الحكومي هما من يقودان النمو الاقتصادي في السعودية، إلى جانب نمو الأنشطة غير النفطية التي من المتوقع أن تنمو بنحو 5.8 في المائة في العام الحالي.
كل ما تقدم أعلاه يعني أمرين: أولهما هو أن ضريبة القيمة المضافة ستظل عند مستوياتها الحالية لفترة من الزمن، والأمر الثاني هو أن سياسة الإنتاج السعودي ستظل مرنة خلال الأشهر المقبلة للتعامل مع متغيرات السوق.
بالنسبة للمواطن السعودي، لن يكون هناك أي تغيير سلبي، بل كل التغييرات ستكون إيجابية؛ من خلق فرص عمل أو حفاظ المملكة على التضخم عند نسبة حول 2 في المائة، مما يعني تثبيت أسعار الطاقة ومواصلة الدعم الاجتماعي.