> هناك سبب مهم وراء حقيقة أنه ما من مهرجان سينما في العالم (ومن بين أكثر من 8 آلاف مهرجان من كل الأحجام والأنواع والاهتمامات) يستطيع زحزحة مهرجان «كان» عن موقعه كأهم حدث سينمائي سنوي على الأرض.
> السبب، إذا ما جاز تمييزه عن أسباب عدّة، هو أن المهرجان الفرنسي الكبير يرتدي بذلة مضادة للتدمير. تشبه العربات المصفّحة بزجاج لا يمكن اختراقه. من ناحية تستطيع النظر لما فيه، ومن أخرى لا تستطيع أن ترميه بأذى.
> تاريخه يشهد له وحاضره يترجم تسعة أشهر من السنة يعمل خلالها رئيسه تييري فريمو وفريقه على تعزيز حضور المهرجان في أروقة أصحاب القرار لا عبر الاتصالات فقط، بل عبر الزيارات والمتابعات والملاحقات. لا يحتاج فريمو، أو سواه، لأكثر من كلمة «كان» يقولها مرّة واحدة ليفتح باب العلاقة بينه وبين صانعي السينما.
> هناك إرادة صلبة تقف وراء الجهد المبذول لو تزعزعت لانزلق المهرجان عن جادّته. إرادة البقاء على السدّة وفوق قمّة المهرجانات الأخرى الكبيرة منها على الأخص. في «كان» كل شيء سينما من الأفلام إلى صانعيها، ومن الفن إلى التجارة ومن اقتباس سحر الماضي إلى السعي لاحتواء سحر أفلام الحاضر.
> خطف «كان» من طريق المهرجانات الأخرى الوسيلة للتماثل أو التشبه أو الاستنساخ. إذا كان يمكن استنساخ الساحل الطويل للمدينة، الذي يعج بالذين جاءوا لحضوره (ورفعوا بذلك أسعار فنادقه ومطاعمه ومحلاته) ربما حينها يمكن استنساخ «كان».
> على ذلك، العمل هنا لكن القلب ليس هنا بل في فينيسيا. الذي عوض التقليد خط لنفسه طريقاً آخر جعله، بدوره، ملجأ طلاب الفن من دون صخب والساعين للأفلام الجيّدة من دون كثير من الحواشي والتفاصيل. هذا بدوره لا يكل عن العمل وتحقيق النتائج الناجحة، لذلك هو المنافس الأول للمهرجان الفرنسي - وعندي وعند كثيرين - المهرجان النموذجي لمن يسعى للفن بلا قشور.
> كلاهما يجعل من الصعوبة بمكان لأي مهرجان آخر أن يتبع أثره. لذلك، على أي مهرجان قادر على تحقيق الذات والمكانة البحث عن الوسيلة المختلفة ليلتحق بقائمة أهم عشرة مهرجانات عالمية.