المهر عبر التاريخ وكيف وصل إلى ما هو عليه اليوم؟

منذ 1 سنة 204

تعود تقاليد المهر إلى 3 آلاف عام قبل الميلاد وكان يمارسها قدماء المصريين وبلاد ما بين النهرين والأزتيك والإنكا (أ ف ب)

مرت المهور بمراحل عدة عبر التاريخ إلى أن وصلنا اليوم إلى مكان أصبحت فيه الثقة بالمستقبل شبه معدومة، وكذلك بالأزواج أيضاً، ربما بسبب انتشار حالات الطلاق وتبعاتها على الزوجة والأطفال، وتركيز وسائل الإعلام على الحالات السلبية التي يتملص فيها الزوج من واجباته تجاه أبنائه، بعد الانفصال، وربما هذا ما دفع الأهالي اليوم إلى المغالاة في رفع قيمة المهور لضمان مستقبل بناتهم، اعتقاداً منهم أن المال هو الضامن الأكبر للحياة السعيدة، لتتضاعف بذلك قيمة المهور خلال السنوات الست الماضية إلى حد أصبحت فيه عبئاً كبيراً وصل إلى أرقام تتجاوز الدخل السنوي بأضعاف للنسبة الأكبر من الشباب، اليوم. ولا يزال مهر المرأة معتمداً بنسبة كبيرة في معظم البلدان على مستوى العالم.
ولكن السؤال المطروح هو، هل المهر تكريم للمرأة أم تسليع لها؟ وهل صحيح ما يتعبره البعض أنه إهانة للمرأة؟ وماذا عن فكرة المهر عبر التاريخ؟

في الإسلام

ورد تعريف المهر في المعاجم بأنه الصداق، وهو ما يجعل للمرأة من المال تنتفع به شرعاً وتنفقه معجلاً أو مؤجلاً، وورد في كتاب "الكتاب والقرآن" للمفكر محمد شحرور، وهو مؤلف القراءة المعاصرة للقرآن، أن القرآن الكريم فرض صداق المرأة، وهو المهر، ولكن أعطاه صفة أساسية، وهي إتيان الصداق (نحلة)، كما ورد في الآية الرابعة من سورة النساء "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة"، ونحلة تعني في اللسان العربي الهدية من دون مقابل، ومن دون أي التزام من المرأة تجاه الرجل، وهذا ما يسمى الهدية الرمزية، قلت أو كثرت، وما تقسيم مهر المرأة إلى متقدم ومتأخر إلا إجراء فقهي بحت، وإذا كان يفهم من مهر المرأة أنه عملية بيع وشراء فهذا ليس من الإسلام في شيء، وإنما هو من الأعراف المتخلفة في المجتمع.
لذا عندما قال النبي محمد للرجل "التمس ولو خاتماً من حديد"، يعني أن الصداق هو من حدود الله في الزواج، وقيمته حسب أعراف الناس وإمكاناتهم في كل عصر من العصور، أي يجب أن يقدم شيئاً، سواء كان خاتماً من حديد أو من الماس في حال توفر الإمكانات، إذ إن حدود الله في الزواج الموجودة عند معظم سكان أهل الأرض هي الإيجاب والقبول والإشهار والصداق (الهدية من دون مقابل)، وهذه الحدود الدنيا، بحسب شحرور.

المهر للزوج

في الثقافتين اليهودية والمسيحية كان لزاماً على والد الفتاة أن يقدم جزءاً من تركتها في حال زواجها ويضعها تحت تصرف الزوج، بحيث يخرج من ملكية الفتاة ويصبح ملكاً للزوج فقط، لكن لا يحق له بيعه، وبقيت هذه التقاليد سائدة حتى عام 1530 على رغم رفض السلطات الدينية والمدنية لها، وأضيف إليها فيما بعد حق للزوجة باسترداد المهر في حال الطلاق. وكذلك ساد المبدأ ذاته عند الهندوس وبعض الأفارقة.
وتعود تقاليد المهر إلى ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، وكان يمارسها قدماء المصريين وبلاد ما بين النهرين والأزتيك والإنكا (الأميركيون الأصليون)، ففي بابل طرح المهر كجزء من الزواج في الألف الأول قبل الميلاد، وهو مجموعة من الممتلكات التي ينقلها الأب إلى ابنته عندما تغادر منزل الأسرة للزواج، لتعيش إما في منزل مستقل يملكه زوجها، أو في منزل أهل الزوج، فقد كان الزواج مناسبة لنقل الملكية في تلك الأزمنة، وكان للزوج حق التصرف بالممتلكات.
ولدى السكان الأصليين في أميركا الشمالية سادت ثقافة التبادل، بحيث تقدم الهدايا من قبل كل من عائلة العريس والعروس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


المهر للزوجة

أما في مصر القديمة التي بلغت فيها المرأة شأناً كبيراً، وكرمت بأشكال عدة، فكان يطلب من الزوج مجموعة تعهدات يومية وشهرية وسنوية للمرأة، مثل أن يقدم قدراً من القمح كل يوم، وآخر من الزيت كل شهر مع راتب شهري، إضافة إلى تغطية نفقاتها السنوية الخاصة بالزينة والتجميل، وهذا تنفيذ للوصايا العليا التي تلزم الزوج إسعاد زوجته وتخفيف أعبائها وتيسير أعمالها اليومية داخل المنزل والابتعاد عن اختلاق النزاعات.
وفي اليمن جرت العادة في بعض المناطق القبلية على أن يكون مهر المرأة عدداً من الجمال والمواشي، وإذا أساء معاملتها تلجأ إلى والدها وإخوتها. وفي حال طلبت الطلاق يستعيد الجمال والمواشي التي دفعها مهراً لها، أما إذا طلقها برضاه ومن دون أن تلجأ إلى أهلها، فإن المهر يبقى ملكاً لها، بحسب كتاب "أساطير من تاريخ اليمن" للباحث والمؤرخ حمزة لقمان.
كما ذكر المؤرخ عبدالواسع بن يحيى الواسعي في كتابه "تاريخ اليمن" أن المهر كان يدفعه الزوج معجلاً، وقد يؤجل النصف ويسلم الزوج أيضاً ما يلزم الزوجة من التجهيز والعزومة وكامل الطقوس التي يسميها أهل اليمن "حق النار".

هل هو صفقة؟

والحقيقة أن العادات البدائية السابقة لم تنته في الحقيقة، وكل الأمر أنها تحولت إلى مبالغ مالية ومجوهرات باهظة الثمن، لا أكثر، وهي منتشرة في كل الثقافات اليوم، كما انتشرت سابقاً، كل بحسب اعتقاداته، فالجميع يجتمع اليوم على ضرورة تقديم الرجل لهذا المقابل، حتى ولو بأشكال متخفية.
فاليوم، وعلى رغم الأجواء الرومانسية الحالمة التي تحيط بطقوس الزواج على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هناك جانباً اجتماعياً وعائلياً خفياً يسبق هذه الطقوس الاحتفالية، وهو الذي يحدد إمكانية الانتقال إلى هذه المرحلة الاحتفالية، وهو يوم التقدم لطلب العروس والاتفاق على التزامات العريس وتحديد المهر. كما يظهر هذا الجانب مرة أخرى في حال الوصول إلى طريق مسدود والذهاب إلى خيار الطلاق، لتتنوع الأحوال من أجواء الصفقات إلى الرومانسية، وصولاً إلى النزاعات الشرسة في الغرف المغلقة، وعند أبواب المحاكم.
وهنا يطرح السؤال التالي، هل يشجع المهر الرجل على زيادة الضغط على المرأة ظناً منه أنه دفع مقابل الزواج بها؟ وهل يمكن أن يكون واحداً من الأسباب الخفية لانتشار حالات العنف أو تقلص السعادة الزوجية؟ كما يجادل البعض بأن غياب التكافؤ منذ البداية سيولد ويشجع على العنف باختلاف أشكاله، وأنه من الناحية النفسية بمجرد دفع قيمة ما للحصول على شيء ما سيشعر الشخص أن الآخر أصبح ملكاً له وبإمكانه التحكم به تماماً، لتظهر هنا نفسية "الشاري" بوضوح، بخاصة إذا أخذنا الرأي الوارد في مراجع عدة بأن لفظة "مهر" مأخوذة من كلمة "موهار" العبرية، وتعني "ثمن المرأة"، فالمجتمعات البدائية كانت تعد الزوجة ملكاً للزوج.