أطلق الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة ورئيس مجلس إدارة هيئة التراث، مشروعاً علمياً لتوثيق ودراسة المنشآت الحجرية في المملكة العربية السعودية وبالتعاون مع المؤسسات والمراكز العلمية السعودية والدولية المتخصصة؛ وذلك ضمن برنامج المسح والتنقيب الأثري التابع لهيئة التراث.
والحقيقة أن المملكة العربية السعودية هي واحدة من أكثر دول العالم ثراءً في عدد مواقع المنشآت الحجرية الأثرية، التي تنتمي إلى حقب زمنية مختلفة، بداية من العصور الحجرية.
وتتنوع المنشآت الحجرية في الأشكال والأغراض التي من أجلها شيدت، ويعتبر التصوير الجوي من أفضل الوسائل التي تتيح رسم صور كاملة عن تجمعات تلك المنشآت وطرزها المعمارية والهندسية المختلفة. وتنتشر مواقع المنشآت الحجرية في أنحاء المملكة، خصوصاً في الحرّات البركانية وبالقرب من الواحات والمراكز الحضارية القديمة، وتتشكّل هذه المنشآت في مجموعات تمتد لعشرات الكيلومترات تمتد من شمال المدينة المنورة وصولاً لمنطقة حائل وجنوبها حتى منطقة مكة المكرمة.
وقد منحت دارة الملك عبد العزيز هذه المنشآت الحجرية اهتماماً كبيراً، وذلك بالتعاون مع علماء الآثار في المملكة والعالم الأسترالي ديفيد كيندي، الذي أمضى عشر سنوات في البحث ودراسة المنشآت الحجرية في صحاري المملكة. وباعتبارها من أهم الأدلة الأثرية لدراسة الماضي وحضاراته المتعاقبة؛ فإن وجود هذا العدد الكبير من المنشآت الحجرية يؤكد العمق التاريخي الذي تتمتع به أرض المملكة، ومدى التطور الحضاري للأمم المتعاقبة التي عاشت في المنطقة.
ويعود تاريخ الاهتمام بهذه المنشآت الحجرية إلى القرن التاسع عشر وما قبله، حيث وصفت في التراث الإسلامي باعتبارها دلالات على طرق التجارة والقوافل والمواقع الجغرافية. واستمر الاهتمام بها من خلال ملاحظات ومشاهدات الطيارين البريطانيين بعد الحرب العالمية الأولى، وكذلك الرحالة جون فيلبي، وفي الخمسينات والستينات من القرن العشرين الميلادي بدأت البعثات الأجنبية توليها الاهتمام، ومع بداية السبعينات وحتى نهاية التسعينات تمت العناية بها من خلال المسوحات الشاملة في المملكة.
وقد قامت هيئة التراث بأعمال المسح والتنقيب الأثري للمنشآت الحجرية المنتشرة في مناطق المملكة ضمن خطة التوثيق الأثري لتراث المملكة، وذلك في موقع مدافن جنوب الظهران، والتنقيب بمدافن في محافظة الخرج ووادي الدواسر للبعثة السعودية الفرنسية المشتركة، وموقع رجوم صعصع بمحافظة تيماء، والتنقيب في منشآت حجرية بواسطة البعثة السعودية اليابانية المشتركة في وادي شرما بمنطقة تبوك، وتوثيق ودراسة هذه المنشآت الحجرية ونشرها في حولية الآثار العربية السعودية (أطلال)، كما قامت هيئة التراث بطباعة ونشر عدد من الكتب، التي تتطرق لموضوعات المنشآت الحجرية في عصورها المختلفة.