المنبوذون في العمل

منذ 1 يوم 26

حتى وإن بلغ التفاني عنان السماء، سيبقى هناك شعور خانق يطارد الموظفين عند انضمامهم إلى بيئة عمل لا تشاطرهم قيمهم وسلوكياتهم فيشعرون بأنهم فئة «منبوذة»! أحياناً ليست المشكلة في الشخص نفسه بقدر ما أن قيمه، ومعتقداته، وسلوكياته لا تتوافق مع الثقافة السائدة. هذا التوافق يعد مسألة جوهرية في تحقيق الرضا الوظيفي، وزيادة الإنتاجية، وتقليل معدل تسرب الموظفين، حسب دراسات علمية رصينة.

عندما قدم علماء الإدارة مفهوم «الملاءمة الثقافية» Cultural Fit أو «التوافق» جاءوا باستبيانات ذات مصداقية وموثوقية علمية. وبعضها عبر المقابلات السلوكية التي تكشف عن تصرفات المرء في مواقف افتراضية معينة لمعرفة مدى توافقها مع السائد في المنظمة. ويرى أنصارها أنها مسألة مهمة حتى يقل الصدام و«وجع الرأس».

ويُعرف عن شركة «ساوث ويست إيرلاينز» (للطيران)، توظيفها أفراداً يتوافقون مع ثقافتها المرحة والموجهة نحو العميل. بعبارة أخرى، يصعب أن ينسجم «ثقيل الدم» أو الجاد في معظم الوقت مع أناس يعملون بهذه الطاقة المبهجة لعملائهم، والأمر نفسه يحدث في المدينة الباسمة (ديزني لاند).

وعلى النقيض، هناك بيئات عمل تبحث عمّن يأتي «بقيمة مضافة» لبيئة العمل، حتى وإن كان مختلفاً كلياً عن العاملين في قيمهم وسلوكياتهم ومعتقداتهم. وهذا اعتراف صريح بأن «التنوع قوة». فكثيرون يغيرون وظائفهم لأسباب، منها البحث عن شخص ملهم أو مختلف كلية عن الزملاء الحاليين. وربما يجدون في هذا القادم الجديد ضالتهم. وذلك ما يجعل البعض يضحي براتب مرتفع في بيئات عمل أخرى لينهلوا من علم ذلك المهني الرائع وسلوكياته.

مشكلة الاعتماد «المطلق» على مدى التوافق الثقافي يحرمنا من كفاءات، وقد يثير مسائل متعلقة بالتحيز ضد الزميل الجديد. وعليه، فلا مانع أن تعطي النتائج وزناً نسبياً قليلاً بحيث لا تؤثر إطلاقاً على وزن مؤهلاته وكفاءته وقيمته المضافة. فقد يكون هو على أهبة الاستعداد للاندماج، ولديه مهارات فائقة يحتاج إليها كثير من زملائه الجدد. فقد رأينا كيف يحمل القادم من بيئة مهنية سلوكيات وقيماً يحتاج إليها الجميع.

كما أن الاعتماد على مدى توافق المرء مع بيئة العمل قد يفوّت علينا فرصة إحداث «تغيير» في مناخ العمل. فهناك مؤسسات «خاملة» أو تقتات على الرشوة والمحسوبية والشللية فيأتي المرشح الجديد ليكشف عمق الأزمة، ويقدم نموذجاً مهنياً أفضل في الإنتاجية والهمة والنشاط.

التوافق الثقافي هو شعور المرء بأنه مرحب به في بيئة تشاركه قيمه وسلوكياته ومعتقداته. غير أن تنويع آلية انتقاء المنضمين إلى مجموعات العمل هو أيضاً مسألة صحية ومطلوبة.