المنارات في الجزائر "شواهد تاريخية" تنتظر رد الاعتبار

منذ 7 أشهر 76

ملخص

يوجد في الجزائر 25 منارة توفر من الغرب إلى الشرق تغطية شبه كاملة للساحل الجزائري، وغالباً ما يتجه مستقبل المنارات المهجورة نحو إعادة استعمالها كعنصر سياحي بشكل عام بفضل موقعها على الشريط الساحلي وقيمتها التاريخية والطبيعية.

لا تزال المنارات البحرية في الجزائر تشكل جزءاً لا يتجزأ من تراثها البحري والثقافي، فهي ليست مجرد بنايات توجيهية في البحر، بل تحمل قصصاً وذكريات حياة ساحلية غنية بالتراث والتاريخ، نظراً إلى أهميتها الاستراتيجية في توجيه السفن وتأمين الملاحة البحرية، على رغم الإهمال الذي طاولها خلال السنوات الأخيرة بفعل عوامل عدة متداخلة.

ويعود تاريخ بناء المنارات البحرية في الجزائر إلى قرون عدة مضت، حيث كانت هذه البنايات تمثل جزءاً لا يتجزأ من الإمبراطورية العثمانية وكانت لها أهمية استراتيجية كبيرة في تسهيل التجارة البحرية وحماية السواحل، ومع دخول الاستعمار الفرنسي عام 1830، ازداد عدد المنارات وتطورت تقنيات بنائها وتجهيزها لتلبية حاجات الملاحة الحديثة في تلك الفترة.

وبحسب الباحثين يعود تاريخ وجود المنارة بالجزائر، إلى فترة ما قبل الاستعمار الفرنسي، حيث كانت لدى الجزائريين طرق كانت تعد تقليدية لإنارة الساحل الجزائري، مثل إشعال النيران في قمم المرتفعات القريبة من الساحل في وقت الفينيقيين، الذين كانت لهم معارف كبيرة عن عالم البحار، وأيضاً وقت الموحدين إلى غاية دخول العثمانيين، حيث كان فنار الأميرالية بالجزائر العاصمة شاهداً على ذلك، وكذا فنار بشرشال خلال الوجود الروماني بالجزائر، ومنطقة هنين بتلمسان التي تحتوي على معالم في أعالي الجبال لتحديد المكان.

يقول الكاتب الصحافي الجزائري محمد بلحي في كتاب يحمل عنوان "منارات الجزائر"، إن "المنارات التي تم تشييدها خلال فترة الاستعمار الفرنسي، كان لها غرض استعماري محض، وكانت بداية التشييد من الساحل الغربي للجزائر، فارتبط بناء المنارات باستعمار الجزائر وتسهيل مهمة البحرية الفرنسية في التنقل بسهولة على طول الشريط الساحلي، وهذا قبل الدخول إلى عمق الأراضي الجزائرية".

تغطية كاملة للساحل

ويوجد في الجزائر 25 منارة توفر من الغرب إلى الشرق تغطية شبه كاملة للساحل الجزائري، موزعة على 14 محافظة ساحلية، وجميع هذه المباني بنيت في الحقبة الاستعمارية، ويديرها الديوان الوطني للإشارات البحرية.

ومن بين أهم المنارات في الجزائر، منارة الأميرالية بالجزائر العاصمة ومنارة شرشال ومنارة بنقوت المعروفة باسم "برج الفنار" ببومرداس، ومنارة رأس كاكسين بالعاصمة، ومنارة رأس كربون ببجاية، ومنارة رأس فالكون بوهران، وغيرها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولا تزال منارة سيدي مروان في تنس (غرب الجزائر العاصمة)، تؤدي دورها في توجيه السفن بعد أن تم استبدال تجهيزاتها القديمة بأخرى حديثة واستخدام الطاقة في تشغيلها وتزويدها بمرايا وعدسات عاكسة ومنشورات هائلة، أو ما يسمى الضوء الدوار، لكسر الضوء وعكسه وتركيزه في أشعة يمكن رؤيتها على مسافة تزيد على 40 كيلومتراً.

وتختلف المنارات باختلاف طبيعة المكان الذي بنيت عليه، فمنها منارات الشواطئ، ومنارات مداخل الموانئ، ومنارات الصخور الناتئة والرؤوس الداخلة في البحر، وحتى الخاصة بالمياه الضحلة الخطرة، كما يختلف الأمر من بلد إلى آخر، بحسب الخصائص الجغرافية لكل دولة.

وفي ظل تطور التقنيات والحاسبات الملاحية المعتمدة وتجهيزات الرادار، وغيرها من التقنيات التي توصلت إليها الأبحاث الخاصة بالملاحة البحرية وتطوير وسائل الرصد الإلكتروني والفضائي للسفن وتنظيم حركتها في السواحل والموانئ، بات دور المنارات يقتصر على الجانب الجمالي والتاريخي.

هندسة معمارية مميزة

تقول الباحثة الجزائرية في التراث والهندسة المعمارية كريمة عماري، إنه في الفترة الاستعمارية، كانت المنشآت البحرية في الجزائر من بين أولى المباني الفرنسية نظراً إلى أهمية النقل البحري خلال تلك الفترة، نتيجة لذلك فإن الساحل الجزائري البالغ طوله 1622 كيلومتراً يعرض 25 منارة بحرية يعود تاريخها إلى أكثر من قرن ونصف، إضافة إلى منارة ميناء الجزائر التي تعود للفترة العثمانية.

136137910_4290144841015504_8991423019683884655_n.jpg

وأضافت عماري لـ"اندبندنت عربية" أن هذه المنارات البحرية تمثل هندسة معمارية مميزة للقرن الـ19 وأوائل القرن الـ20، وتشكل كل هذه المباني ثروة تراثية بالغة الأهمية، تختلف من الشرق إلى الغرب من حيت الأشكال المعمارية وتفاصيلها، ومواد والبناء.

وأشارت إلى أن هذه المنارات تعاني حالياً من التدهور وقلة الصيانة من طرف المكتب الوطني للإشارة البحرية بسبب موقعها الجغرافي من جهة، والظروف المناخية الصعبة في الوسط البحري من جهة أخرى.

Le_phare_-_panoramio.jpg

وتطرح المتحدثة قضية الحفاظ على المنارات البحرية بهدف إعادة استخدام هذا التراث الغني "من خلال تدخلات في شكل ترميم أو إعادة تأهيل أو صيانة دورية أو تغيير الوظيفة، بخاصة أننا رأينا في العقدين الماضيين أن عدداً كبيراً إلى حد ما من المنارات فقد وظيفته الأولية بمرور الوقت، حيث فرضت وسائل الملاحة الإلكترونية منطقها وأدت إلى تغيير جذري في أساليب الملاحة البحرية".

وخلصت كريمة عماري إلى القول إنه "في أوروبا وفي جميع أنحاء العالم، غالباً ما يتجه مستقبل المنارات المهجورة نحو إعادة استعمالها كعنصر سياحي بشكل عام بفضل موقعها على الشريط الساحلي وقيمتها التاريخية والطبيعية وأحياناً نمطها المعماري وعرفت بعض الدول الأجنبية كيف تستغلها، من خلال تحويلها إلى مطاعم أو فنادق، لا سيما أنها بنيت في أماكن طبيعية جميلة، وبعيدة من ضوضاء المدن، ما يجعل من المشاريع ذات الطابع السياحي استثماراً مهماً، من أجل رد الاعتبار لها".