المناديل الورقية رمزا عالميا للنظافة والإتيكيت

منذ 10 أشهر 121

قد لا تعلم أنه صديقك الأقرب أو أنك لا تستطيع الاستغناء عنه في يومك، فاستخدامك له أصبح حاجة في اللاوعي، إذ تمر بالمكان الذي تضعه فيه تأخذ ما تريد وتكمل يومك دون الانتباه لقيمته، وإن حاولت أو خيرت بينه وبين هاتفك الذكي، فإنك تستطيع البقاء دون هاتفك يوماً كاملاً، لكنك حتماً لن تقدر على أن يمر يومك دون أن تستخدم ولو منديلاً واحداً.

هذا الاختراع غزا حياتنا في صمت وكأنه وجد مع وجود الإنسان، إلا أنه في الحقيقة أخذ زمناً حتى عرفه البشر وأدخلوه في تفاصيل حياتهم اليومية الأساسية.

يعود الفضل إلى الإسبارطيين في ابتكار مفهوم المنديل، إذ كان عبارة عن قطعة صغيرة من العجين تدعى apomagdalie وتقطع لأجزاء صغيرة وتلف وثم تفرك فيها الطاولة واليدين، وهي العادة التي أدت إلى استخدام الخبز لمسح اليدين.

وقدم الرومان مصطلح المنديل في القرن الـ 14 وذلك مع نوعين من القماش، الأول "السداريوم" وهي كلمة لاتينية تشير إلى القماشة الذي مسح فيها وجه السيد المسيح عندما كان مملوءً دماً وعرق من قبل امرأة تدعى فيرونيكا، والثاني "المابا" وهي قطعة قماش صغيرة في اللغة اللاتينية ومنها اشتقت كلمة الخريطة Map.

كان للمنديل عدة استخدامات، وأولها النظافة الشخصية وهو ما كان متاحاً للملوك والأمراء من الطبقة الرفيعة في المجتمع، إذ كانت مواده تصنع من الحرير والدانتيل، ووضع على طاولات الطعام لمسح اليدين بعد أن كانوا يمسحوها بثيابهم أو بفراء حيواناتهم الجالسة بقربهم، كما كان وجوده مهماً للتمخط به، وهي إحدى الحاجات التي أدت لاختراعه.

معاني مختلفة

وحمل المنديل معاني مختلفة عبر العصور، فدخل في رموز الحب، فإن ترمي الفتاة منديلها من النافذة فهو دلالة على ارتباطها ووقوعها في الحب، وعليه فقد كان وسيلة للتواصل بين العشاق وتعددت استخداماته ولغاته بينهم بحسبه لونه.

بات المنديل فالأبيض اعترافاً بالحب، والأرجواني دلالة بأن هناك رسالة يراد إعطاءها للآخر، أما المنديل ذو الزوايا الوردية فكان يبوح للآخر بأنه لا يستطيع العيش من دونه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ودخل على المنديل تفاصيل مختلفة كالتطريز الذي لعب دوراً في تطويعه بمعظم المجالات، بدءاً من الدلالة على المستوى الطبقي، وصولاً إلى استخدامه في السياسة كرمز للتفاوض ومنح الأمان للآخر، وفي هذا النطاق طرزت زوجة جورج واشنطن مجموعة من المناديل لاستخدامها في الحملة الانتخابية لزوجها، ووزعوا في مؤتمر الدستور الأميركي 1787، ومنذ ذلك الوقت تستخدم المناديل في المنافسة في البيت الأبيض بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة.

ووجد المنديل طريقه للسجون، إذ كان أداة للرسم والتعبير عن ذوات الثوار الذين ناهضوا عدداً من الأنظمة في دول مختلفة، فكان المنديل وسيلة لإيصال أفكارهم ورؤيتهم عبر التطريز عليه من رسومات وكلمات، كما كان التطريز على المنديل باب رزق لعدد من العائلات.

الانتقال للورقي

ومع التطورات التي حدثت في العالم تحولت صناعة المناديل من القطن والحرير والكتان وغيره إلى الورقية، إذ تقول بعض المراجع أن اختراعه يعود إلى الصينيين، إذ توجد تماثيل لبعض الشخصيات التي تعود لأسرة "شو" قبل الميلاد وهي تحمل بيدها قطع من القماش المزخرف.

وقيل أيضاً إن الصينيين كانوا يحمون رؤوسهم بالمناديل من أشعة الشمس، وآخرون يقولون إن اختراع المنديل الورقي يعود إلى اليابانيين في عام 1185، وكان شكله مختلفاً عن الذي نعرفه حالياً، وصنع من "لب الخشب" وبدا قاسياً مثل الورق الذي يستخدم حالياً في صنع الأوريغامي، واستخدم لمسح السيوف.

AFP__20191128__1MN2DJ__v1__HighRes__FranceEconomyIndustryPaper.jpg

لكن المؤرخ كارلوس فيساس يقول إن الرسام العالمي ليوناردو دافنشي هو من اخترع المناديل الورقية وذلك في عام 1491، وذلك أثناء عمله رئيساً للاحتفالات عند دوق ميلانو، وقد قام دافنشي في تقديم فكرة مسح وتنظيف اليدين أثناء الولائم.

وصنع المنديل الورقي من طريق استخلاص وتحضير الورق الخام، وهناك طريقتان لصنع المناديل الورقية من حيث الورق الخام المستخدم، وهما ورقية مصنوعة من منتجات الورق البكر "من لب الأشجار" والمسمى السيليلوز، وأخرى من الورق المعاد تدويره.

مراحل التصنيع

ولتحضيره تجرد أشجار الخشب اللين (اللحاء) من القشور الصلبة بآلات خاصة، ثم يمرر المستخلص من شرائح الأشجار من خلال آلات لتقطيعه إلى أجزاء صغيرة ثم فصلها بعناية إلى دفعات، لتطهى الشرائح واللب مع الماء لبضع ساعات.

وبعد الطبخ تتبخر رطوبة الخشب وتخفض لتتحول إلى ألياف السليلوز واللغنين وهي مادة لاصقة تربط الألياف معاً وغيرها من المواد، والنتيجة تكون ألياف صالحة للاستعمال وتسمى اللب وهي المادة الفعلية المستخدمة في صناعة المناديل.

ثم يغسل اللغنين ليتخلص من أي مواد كيماوية وهي خطوة ضرورية جداً حيث بدونها يصبح لون الورق أصفر مع مرور الوقت، ثم يخلط اللب مع الكثير من الماء لإنتاج الورق الخام والذي يرش بالماء على سطح منخلي مثقوب ليتسرب الماء منه. وبعدها يضغط الورق ويجفف ثم يكشط بشفرات معدنية ويوضع على بكرات كبيرة وينقل إلى آلات تقطعه لأحجام متعددة بحسب مكان وغرض استخدامه كمناديل الوجه والمطبخ والحمامات والجيب والمطاعم وغيرها ثم تعبأ وتغلف وتشحن.

أما صنع المناديل الورقية من المواد المعاد تدويرها، فتجمع أوراق النفايات وترتب وتنقل إلى مطحنة، إذ تخلط بالماء والكيماويات لغسلها وفصل المواد الأخرى عنها كالحبر واللاصقات ولتتحول إلى عجينة، وبعدها تنقل لمطحنة الورق ومن ثم تأخذ إلى مكان تصنيعها حيث تحول إلى المنتج النهائي مثل النوع السابق، كما تصنع من بعض النباتات مثل قصب السكر وورق الموز والرز.

النقلة والإتيكيت وقواعده

وبحلول القرن الـ20 أصبحت المناديل الورقية جزءاً لا يتجزأ من حياة أي شخص، إذ حدثت نقطة تحول رئيسة في عام 1948، عندما أعطت مؤلفة آداب السلوك الأميركية، إميلي بوست المناديل الورقية ختماً جزئياً بالموافقة.

وعندما سئلت عما إذا كان من الأفضل إعادة استخدام منديل من القماش أو استخدام ورقي جديد، ذهبت إلى "الورقية"، وقالت في ذلك الوقت: "إن استخدام المناديل الورقية أفضل بكثير من الكتان التي كانت تستخدم في وجبة الإفطار"، وانتشرت بعدها المناديل في الحفلات والمناسبات الرسمية، في الفنادق وحتى المنازل، ولم يمر وقتاً طويلاً حتى استخدمتها المطاعم والقوارب البخارية.

AFP__20210203__9264GV__v2__Preview__FranceHealthVirusRestaurant.jpg

وخلال الحرب العالمية الثانية، لعبت المناديل دوراً في الموضة، فكان منها المخصص للاحتفال بالعطل وأعياد الميلاد وغالباً ما تباع في بطاقات هدايا خاصة، وبعد عدة سنوات من الحرب، بمجرد أن بدأت الموضة تنتعش، استخدم بالمان وديور وروشاس وغيرهم من المصممين المناديل كلمسة أخيرة لتصميم الأزياء الراقية.

وأصبح للمناديل أحجاماً وقياسات وأنواع متعددة بتعدد استخداماتها، إضافة إلى قواعد تحكمها في بعض الأماكن، ففي إتيكيت الطعام أصبح للمنديل المرافق للأواني الأساسية للطعام رموز ودلالات متفق عليها، وعندما يرفع المضيف منديل السفرة الخاص به فهو إعلان لبدأ تناول الطعام وعندها سيتبعه الآخرون.

ولكن لم ينته دور هذا المنديل هنا، إذ يجب أن يفرد ويوضع على الرجلين، وإن اضطر أحدهم لترك مقعده فإن عليه أن يضعه على جهة اليسار أو يبقيه على الكرسي ليعرف النادل أو المكان الموجود به أن الشخص لم ينه طعامه وسيعود، لكن في حالة وضعه على الطاولة في المنتصف أو من جهة اليمين فهو دلالة على انتهاء تناول الطعام.