غير بعيد عن التوتر الدبلوماسي بين البلدين الجارين المغرب والجزائر، تندلع بين الفينة والأخرى معارك من نوع آخر تدور رحاها بين خيوط الشبكة العنكبوتية، أبطالها قراصنة ("هاكرز") من الطرفين يخترقون مواقع حكومية أو يسربون معطيات مواقع مؤسسات عمومية.
وتبادل عدد من قراصنة الإنترنت في كل من المغرب والجزائر الهجمات والاختراقات، فبعد تسريب "هاكرز" جزائريين بيانات موقع وزارة التعليم العالي المغربية ومواقع مؤسسات جامعية عليا، عمد "هاكرز" مغاربة إلى اختراق موقع وزارة التربية الوطنية الجزائرية ومواقع أخرى أيضاً.
هجمات متبادلة
وقبل أيام قليلة تجددت قصة الاختراقات والتسريبات المتبادلة بين قراصنة مغاربة وجزائريين من دون أسباب واضحة، إذ اخترق "هاكرز" جزائريون موقع وزارة التعليم العالي، وسربوا قاعدة بيانات آلاف الطلبة من أسماء وأرقام هواتف وكلمات مرور وغيرها من البيانات.
كما اخترقوا مواقع مؤسسات جامعية مغربية معروفة من قبيل "موقع جامعة القاضي عياض" في مراكش و"موقع المدرسة العليا للتجارة والتسيير" في مدينة طنجة و"المدرسة العليا للفنون والمهن في الرباط"، وسربوا معطيات آلاف الطلبة تم تقديرهم بـ 940 ألف طالب.
كما سرب قراصنة جزائريون يلقبون أنفسهم بـ "جيش الدفاع الإلكتروني الجزائري" أسماء الطلبة وعناوينهم ومعطيات بطاقات تعريفهم الرسمية، وبيانات شخصية مثل تاريخ الميلاد والبريد الإلكتروني وكلمات المرور وبيانات أخرى عدة.
ولم يقف القراصنة المغاربة مكتوفي الأيدي بل عمد بعضهم ممن يلقبون أنفسهم بـ "الإمبراطورية المغربية" إلى اختراق موقع وزارة التربية الوطنية، كما قاموا باختراق مواقع حكومية جزائرية أخرى، وعطلوا خدمتها ووضعوا في واجهة بعضها صورة لخريطة المغرب شاملة للصحراء مع عبارة "لا غالب إلا الله".
وكما القراصنة الجزائريين عمد الـ "هاكرز" المغاربة إلى تسريب بيانات موقع وزارة التربية الوطنية للجزائر من أسماء الطلبة وعناوينهم وإيميلاتهم وكلمات المرور وأرقام الهواتف وغيرها من المعطيات الشخصية.
يذكر أن اللجنة المغربية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي وعدت وفق بلاغ لها باتخاذ الإجراءات المناسبة بخصوص ما سمته "ملف تسريب محتمل لمعطيات ذات طابع شخصي من موقع إلكتروني تابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار".
غير أخلاقي
ويعلق هاكر مغربي أخلاقي "Ethical Hacker" يلقب نفسه بـ "محسن" على هذا الموضوع بالقول لـ "اندبندنت عربية"، إن "تبادل الهجمات والاختراقات والتسريبات بين القراصنة المغاربة والجزائريين بمثابة "اعتداءات تكنولوجية غير أخلاقية وغير مبررة".
ويتابع الهاكر المغربي الشاب بأن ما يحصل بين قراصنة مغاربة وجزائريين هو بلغة "التهكير" عبارة عن كسر عظام ومحاولة لإبداء التفوق من طرف على آخر، خصوصاً في خضم العلاقات المتوترة بين البلدين.
ووفق المتحدث ذاته فإن "تأثيرات السياسة تلعب دوراً في هذه الهجمات المتبادلة"، مبرزاً أن "الأجدر ألا يصل الأمر إلى حد الاعتداء على مواقع حكومية أو غير حكومية، ونشر بيانات شخصية لأشخاص لا ذنب لهم في كل ما يجري".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد القرصان ذاته على أن المخترقين صنفان، أخلاقي يبحث عن الثغرات الأمنية في مواقع وفق ضوابط معينة ويتصل بصاحب أو مالك الموقع لتدارك الثغرة حتى لو كان في مقابل مكافأة مالية، وغير أخلاقي يمارس ما يسمى بـ "الويب المظلم".
ولا يرى المتحدث عينه أي حلول للحد من هذه الهجمات والاختراقات المتبادلة بين "هاكرز" المغرب والجزائر، بقدر ما يجب تقوية الجانب الأمني وجانب الحماية الخاصة بهذه المواقع، مبرزاً أن "كثيراً من المواقع الحكومية يسهل اختراقها حتى على يد هاكر مبتدئ بسبب الأسلوب غير المحترف في إنشاء هذه المنصات والمواقع".
تكريس أجواء القطيعة
من جهته، يقول إدريس لكريني وهو رئيس إحدى المنظمات المغربية، إن اختراق مواقع إلكترونية حكومية في المغرب والجزائر يعكس أمرين رئيسين، الأول أن أجواء القطيعة بين البلدين الجارين تحولت إلى مجموعة من السلوكات السلبية التي انخرط فيها شباب من رواد الإنترنت باتوا يكرسون هذه القطيعة ويضربون عمق المشترك الذي يجمع الشعبين الشقيقين.
واستطرد لكريني بأن "هذه التوترات تتفاقم مع الأسف في زمن التعاون والانفتاح، إذ استطاعت كثير من الدول والشعوب في أوروبا وآسيا طي صفحات قاتمة من ماضيها وتاريخها لتراهن على المستقبل وتنفتح على القضايا الحقيقية التي تهم الشعوب من تنمية وتعاون تجاري واقتصادي وغيرها".
ولفت الأستاذ الجامعي إلى أن هذا الواقع يدق ناقوس الخطر على مصير العلاقات بين البلدين والشعبين الجارين، كما يفرض انخراط الباحثين والمفكرين والإعلاميين والنخب السياسية والمثقفة لوقف هذا النزف من رصيد القواسم التي تجمع أكثر مما تفرق بين المغرب والجزائر.
ويردف لكريني، "أما الأمر الثاني فيتمثل في ضرورة اعتماد السلطات مجموعة من التدابير التقنية لمواجهة مثل هذه الاختراقات وتعزز الأمن الرقمي"، مضيفاً أن "هذه الهجمات السيبرانية تكبد خسائر مادية واجتماعية وتكنولوجية، الأمر الذي يسائل مختلف المسؤولين في شأن اتخاذ التدابير الآمنة في هذا الخصوص".
ويشار إلى أن المغرب أقر صيف العام 2020 مشروع القانون رقم (05.20) المتعلق بالأمن السيبراني والذي يهدف إلى تعزيز أمن أنظمة المعلومات في إدارات الدولة والمؤسسات الرسمية وشركات الاتصالات، وتعزيز الثقة ودعم الاقتصاد الرقمي.
ويورد القانون أنه يتعين على إدارات الدولة والمؤسسات الرسمية تصنيف أصولها المعلوماتية ونظم معلوماتها بحسب مستوى حساسيتها من حيث السرية والتوافر، وأن تعين كل هيئة مسؤولاً عن أمن نظم المعلومات يتولى السهر على تطبيق سياستها، كما يعتبر هذا المسؤول مخاطب السلطة الوطنية للأمن السيبراني، ويتعين أن يتمتع بالاستقلالية اللازمة لممارسة مهماته.
في حين أن القانون الجزائري أفرد في مواد القانون 04/18 ما يتعلق بالأمن السيبراني، كما أصدر مرسوماً رئاسياً رقم 05/20 يتعلق برسم ووضع منظومة وطنية لأمن الأنظمة المعلوماتية موكلة إلى وزارة الدفاع الوطني.