المعارك تدخل شهرها الثالث.. مقتل والي غرب دارفور واتساع دائرة الصراع في السودان

منذ 1 سنة 132

قُتل والي غرب دارفور خميس عبد الله أبكر بمدينة الجنينة (غربي السودان) منتصف ليلة الخميس، في حين اتسعت المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بعد شهرين من بدء المعارك بين الطرفين. وتراشق الطرفان التهم، وسط إدانات دولية ودعوات لتدخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

دانت أطراف في السودان وخارجه الخميس، قتل قوات الدعم السريع والي غرب دارفور مع دخول النزاع في البلاد شهره الثالث، وسط دعوات لتدخل دولي في الإقليم الذي حذّرت الأمم المتحدة من وقوع "جرائم ضد الإنسانية" فيه.

واتهم الجيش ليل الأربعاء قوات الدعم بخطف خميس أبكر وقتله، في عملية أتت بعد ساعات من إدلائه بتصريحات تلفزيونية اتهم فيها هذه القوات بـ"تدمير" مدينة الجنينة.

ودان البرهان "الهجوم الغادر" على شخص "لا علاقة له بمجريات الصراع" الدائر حالياً، واعتبر في بيان أن ما تنفّذه قوات الدعم "من قتل وسلب ونهب وترويع المواطنين واستهداف المنشآت الخدمية والتنموية بمدينة الجنينة، يعكس مدى الفظائع التي تقوم بها القوات المتمردة ضد الأبرياء العزل".

في المقابل، قالت مصادر من الدعم السريع إنها تدين حادث قتل أبكر، مضيفة أنه جاء في إطار الصراع القبلي، كما اتهمت الجيش بالمسؤولية لأنه يسلح أحد طرفي النزاع. ووجهت أصابع الاتهام إلى "الاستخبارات العسكرية التي تنفذ مخططاً يؤدي إلى إشعال الفتنة ونشوب حرب أهلية في دارفور وذلك بتجنيد عناصر قبلية وتوزيع الأسلحة".

ويشكّل ذلك تصعيداً في النزاع الذي اندلع في 15 نيسان/أبريل، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، ويتزامن مع تحذيرات متزايدة بتدهور الأوضاع في إقليم دارفور الذي عانى على مدى عقدين من نزاع دامٍ، خصوصاً في الجنينة، مركز غرب دارفور، إحدى الولايات الأربع للإقليم الواقع بغرب السودان عند الحدود مع تشاد.

وقبل ساعات من مقتله، تحدث الوالي إلى قناة "الحدث" السعودية عبر الهاتف وأزيز الرصاص يسمع من حوله، واتهم قوات الدعم بإطلاق قذائف "على رؤوس المواطنين"، مضيفاً "اليوم الجنينة مستباحة، كلّها دُمّرت".

وتابع: "هذا شعب قُتل بدم بارد بأعداد كبيرة جداً، بالآلاف"، مطالباً بتدخل "لحماية ما تبقّى من الأرواح".

"وحشية وقساوة"

ويضمّ إقليم دارفور نحو ربع سكان البلاد البالغ عددهم 45 مليون نسمة تقريباً. في العقدين الماضيين، تسبب النزاع فيه بمقتل 300 ألف شخص ونزوح 2,5 مليون آخرين، بحسب الأمم المتحدة.

ووجّهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات الى الرئيس المعزول عمر البشير وعدد من مساعديه، بارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور.

وخلال النزاع، لجأ البشير الى ميليشيا "الجنجويد" لدعم قواته في مواجهة أقليات عرقية في الإقليم. ونشأت قوات الدعم السريع رسميا عام 2013 من رحم هذه الميليشيات.

وكان أبكر زعيم إحدى حركات التمرّد الموقعة على اتفاق جوبا للسلام مع الحكومة عام 2020 سعياً لإنهاء النزاع.

ودان سفير الاتحاد الأوروبي آيدن أوهارا "جريمة" القتل، مؤكداً أن "حماية المدنيين وإيصال المساعدات الانسانية هي التزامات بموجب القانون الدولي، وستتمّ محاسبة" المسؤولين عن الانتهاكات.

ودانت هيئة محامي دارفور قتل أبكر "بهذه الدرجة الممعنة في الوحشية والقساوة"، وشددت على ضرورة "تدخّل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي العاجل لإيقاف المجازر البشرية والإبادة الجماعية المرتكبة بواسطة الميليشيات العابرة المسنودة بقوات الدعم السريع".

واعتبرت الباحثة السودانية خلود خير عبر "تويتر" أن "هذا الاغتيال المروّع يتطلب إدانة واسعة وتبعات على قوات الدعم السريع، إضافة الى تحرك لحماية سكان دارفور وغيره". وسألت "ما هي عمليا الخطوط الحمر؟ عدم التحرك الدولي يقتل".

وسبق مقتل أبكر تحذير رئيس بعثة الأمم المتحدة فولكر بيرتس الثلاثاء، من أن العنف في دارفور، وخصوصاً في الجنينة، قد يرقى الى "جرائم ضد الإنسانية".

وتحدث عن تقارير بشأن هجمات تستهدف المدنيين "على أساس هوياتهم العرقية يُزعم أنها ارتُكِبَت من ميليشيات عربية وبعض الرجال المسلحين الذين يرتدون زي قوات الدعم السريع".

"كل شيء تحطّم"

وحوّل النزاع الذي تستخدم فيه كلّ أنواع الأسلحة والمعدات العسكرية، العديد من أجزاء السودان إلى مناطق "منكوبة"، ولم يترك لسكانه أي أفق بشأن متى يمكن أن تضع الحرب أوزارها.

وقال محمد الحسن عثمان الذي ترك منزله في جنوب العاصمة، لوكالة فرانس برس، الخميس: "لم نكن (نعتقد) في أسوأ توقعاتنا أن الحرب ستطول لهذا الأمد".

وأضاف: "كل تفاصيل حياتنا تغيرت. أصبحنا لا ندري هل سنعود الي منازلنا أم علينا أن نبدأ حياة جديدة".

وقالت الشابة هويدا عبدالرحيم التي تقطن ضاحية أم درمان شمال العاصمة: "قبل الحرب كان قد تبقّى أسبوعان فقط على (موعد) زواجي". وتابعت باكية "مع بداية الحرب، قتل والد زوجي المنتظر، وهو (خطيبها) الآن مفقود منذ أكثر من شهر. كل شيء تحطّم".

وأسفر النزاع عن مقتل أكثر من 1800 شخص، حسب مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح (أكليد)، إلا أن الأعداد الفعلية للضحايا قد تكون أعلى بكثير، بحسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية.

ووفق المنظمة الدولية للهجرة، نزح أكثر من مليوني شخص، لجأ أكثر من 528 ألفا منهم الى دول الجوار. وداخلياً، لجأ الآلاف الى مدينة مدني على مسافة نحو 200 كلم جنوب الخرطوم، والتي بقيت في منأى عن أعمال العنف.

وقالت منظمة "أطباء بلا حدود" الخميس إن فرقها في مدني شهدت "زيادة مقلقة في عدد الوافدين من الخرطوم. وفي الأسبوع الماضي، ارتفع عدد النازحين من 300 إلى 2800 في موقع واحد تعمل فيه" المنظمة.

وأبدت قلقها "إزاء ظروف المياه والصرف الصحي في مخيمات النازحين، لا سيما مع اقتراب موسم الأمطار. في الواقع، بدأت حالات الملاريا بالازدياد وهناك مخاوف بشأن انتشار حمى الضنك".

ويحتاج 25 مليون شخص إلى المساعدة والحماية، وفقاً للأمم المتحدة، ولكن حتى أواخر أيار/مايو، تم تمويل 13 في المئة فقط من حاجات المنظمة.

وتستضيف جنيف في 19 حزيران/يونيو، مؤتمراً ترأسه السعودية بالاشتراك مع عدد من الدول والهيئات الدولية، لدعم الاستجابة الإنسانية للسودان.