المصالحة الليبية والعقبات الماثلة

منذ 11 أشهر 127

المصالحة السياسية والوطنية تبدأ حيث انتهت الحرب وتوقف القتال وسكتت البنادق والمدافع، وجلوس الليبيين، دون غالب أو مغلوب، على طاولة واحدة هو الحل، فلا يمكن تحقيق مصالحة وطنية بالمغالبة، فالبلاد التي طال ركودها في حاجة لمشروع جاد ومقنع وفعال للمصالحة الوطنية.

نجاح أي مبادرة يتعلق بالمصالحة الوطنية بين الأطياف المختلفة في البلاد التي تبدأ بجبر الضرر وإعادة الحقوق إلى أصحابها، ومن بينها إعادة جثامين القذافي ورفيقيه المغيبة منذ سنين.

فمن بين عقبات المصالحة الاستمرار في إخفاء قبر الرئيس الليبي الراحل العقيد القذافي ورفيقيه ابنه المعتصم ووزير دفاعه الفريق أبو بكر يونس جابر، وهذا يعد حجر عثرة أمام أي مصالحة وطنية، خصوصاً بعد انسحاب أنصار القذافي من تحضيرات مؤتمر المصالحة الوطنية، بسبب استمرار إخفاء مكان دفن القذافي.

الشروع في مصالحة وطنية شاملة والابتعاد عن المطالبة «بكليب حياً» وحالة التعنت وتغليب الذات على الوطن، بدل تغليب مصلحة الوطن، كلها لا تسهم أبداً في تحقيق أي استقرار أو توافق على مصالحة سياسية أو وطنية.

وبالتالي لا بد من تشخيص الحالة السياسية في البلاد قبل أي مشروع للمصالحة، خصوصاً في ظل من يرى أن الصراع في ليبيا ليس آيديولوجياً أو سياسياً أو جهوياً، وإنما هو «عبارة عن صراع من أجل السلطة والمال، صراع تقاسم الحصص وهذا النوع لا تنفع معه المصالحة الوطنية، بل يحتاج مصالحة سياسية بين فرقاء السياسة وليس فرقاء الوطن، وإن كان بعضهم يرى الوطن مجرد غنيمة ومحطة ترانزيت.

في ظل أي مشروع مصالحة سواء سياسية أو وطنية حقيقية، لا يمكن تجاهل أنصار القذافي أو النظام السابق كونهم جزءاً مهماً من المكونات السياسية الليبية، فهم كأنصار فبراير وأنصار الملكية، وبالتالي لا يمكن تحقيق مصالحة سياسية بتغييب أي طرف سياسي ما دام الهدف من المصالحة السياسية هو تحقيق مصالحة وطنية كخطوة كمتقدمة، فالبدء بالمصالحة السياسية سيسهل المصالحة الوطنية بعد تغليب مصلحة الوطن على المصلحة السياسية، واتخاذ رؤية توافقية تفتح الطريق أمام المصالحة الوطنية بشكل ناجع.

بغض النظر عن فترة حكم القذافي ما لها وما عليها، إلا أنه في حقيقة الأمر كان حاكماً لليبيا طيلة 42 عاماً، وكان يعد الرئيس الليبي والممثل لها في المحافل الدولية، وبالتالي حان وجوبُ دفنِه بطريقة لائقة إسلامياً وعربياً ورسمياً ضمن جنازة رسمية تطوي صفحة الماضي بين جميع الليبيين.

ونحن قد لا نكون في حاجة لاختراع العجلة، ولعل النموذج الجنوب أفريقي هو الأقرب معالجة للحالة الليبية من غيره من النماذج، حتى إن كان البعض يرى النموذج اللبناني بعد حرب أهلية هو الأقرب، ولكنني أختلف معهم في هذه المقاربة لكون النموذج اللبناني كانت الحرب فيه لأسباب طائفية، وهو الأمر الغائب في الحالة الليبية الذي يجعل من فرصة المصالحة الوطنية فيها كبيرة، رغم محاولات ودعوات الانفصال عن الكيان الاتحادي تحت اسم ليبيا.

تغييب أي طرف سياسي قد يؤدي إلى انتكاسة في مشروع المصالحة الوطنية، ولهذا لا بد أن يكون هناك مشروع وطني واضح المعالم محدد الخطوط؛ فقد يبدأ فيه جبر الضرر بالتعويض المعنوي أولاً والمادي ثانياً، ومعرفة من أخطأ ومن ثمة يأتي دور العفو.

الجميع له أخطاء ومن غير المقبول أن نقف عند الخطأ ونورثه للأجيال المقبلة في أبشع صور الخصومة السياسية، ولذلك لا بد من الشروع في المصالحة الوطنية ضمن معادلة لا رابح ولا خاسر، فالرابح الأكبر هو الوطن، هو ليبيا، فلا يمكن القبول باختزالها ورهن إرادة شعبها في إطار حزبي ضيق، يحمل بعضه أفكاراً ورؤى وولاءات خارجية.

ليبيا بعد سنوات الجمر والفوضى والحرب في أمس الحاجة للتصالح وإصلاح ما أفسدته الفتنة والقتال والحرب من خلال مشروع مصالحة سياسية تؤسس لمصالحة وطنية شاملة.