برز خلال الأونة الأخيرة دور المرأة الصومالية في السوق المالي على رغم الأعراف القبلية التي تعطي الأولوية للرجل، كونه المطالب بالالتزامات تجاه العشيرة والمتوقع منه بذل ماله ودمه لمجتمعه، ولحظ النشاط التجاري الذي تمارسه النسوة في الأسواق قفزة نوعية، غالبيتهن تمتهن الأعمال التجارية الصغيرة في مجالات الأغذية الطازجة والحبوب، ونجحن في إدارة المتاجر والمطاعم الصغيرة وزوايا الشاي في الأحياء، بل وهناك منهن من يتاجرن في "القات".
أدوار المرأة في الريف والمدينة
وتتنوع الأدوار الحيوية للمرأة الصومالية سواء في الريف أو المدينة، ولدى سؤال الناشطة النسوية في العاصمة مقديشو، صفية علي عن الأدوار التقليدية للمرأة تقول، "المرأة الصومالية في البادية والريف كانت محل اعتماد كبير من قبل أسرتها، فالرجال يمارسون المهمات الشاقة مثل أعمال البناء والنقل والتجارة ورعي الإبل والتي تتطلب الابتعاد من المنزل لفترات طويلة قد تمتد شهوراً، لكن مردود تلك الأعمال مجز ويمكن أن يغير الحال الاقتصادية للأسرة بشكل جذري، ودائماً ما تركز دور المرأة في صيانة الأسرة وتغطية حاجاتها لحين عودة رب الأسرة، فهي تقوم بصناعة الحصر وبناء الخيمة البدوية وزراعة الخضراوات وتربية الحيوانات الصغيرة، وتلك مهمات شاقة وتحتاج إلى مجهود كبير، لكن رغم كونها قليلة التأثير في مستوى معيشة الأسرة إلا أنها تضمن حياة مستقرة للأطفال وتحافظ على صحتهم وإمكان تلقيهم التعليم".
وأضافت أن "الظروف التي مرت بها البلاد جعلت خروج المرأة للعمل أمراً لا مفر منه، وبدأ بقيام الفتيات القادمات من البادية والريف بالعمل لإعالة أنفسهن ومساعدة أسرهن كمستخدمات في منازل عائلات من الحضر، تربطهن بها صلات القرابة أو الصداقة العائلية لأربابها، وتضمن أسر الفتيات في المقابل حفاظ العائلات المضيفة على سلامة وكرامة بناتهن والتعامل معهن على أنهم فرد من العائلة، وإن كان لهن دور متخصص يقضي بمساعدة ربة المنزل في شؤون المنزل ورعاية الأطفال، ومعظمهن يتزوجن من أحد أبناء تلك العائلة المضيفة أو جيرانها".
وفي شأن طبيعة المهن والأعمال التي تقوم بها النساء ، قالت علي إن "عمل المرأة في المدينة لا يقتصر على ذلك، فهن تنتشر في دروب الأسواق عارضة بضائعها مثل الفواكه والملابس النسائية البسيطة والمناديل وأنواع البخور والعطور، وتجلس إلى مناضد تعرض عليها الحلي الذهبية والعملات للصرافة، ومن النساء من نجحن فافتتحن محال تجارية منوعة وصالونات تجميل نسائي، وكذلك استيراد الخضراوات والفواكه والمستلزمات المنزلية، وبعضهن يعملن في تجارة الأثاث والإلكترونيات المنزلية وحتى السيارات بالتقسيط، فالمرأة الصومالية هي عمود المجتمع الفقري".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مسألة ثقة
وتناقش مريم أحمد وهي مالكة مجموعة من صالونات التجميل في مقديشو أشكالاً من العراقيل التي تواجه المرأة الصومالية الساعية إلى الخروج لسوق العمل قائلة "لا تخرج المرأة من منزلها للعمل إلا مضطرة، وهي لا تجد مقاومة من قبل التقاليد الصومالية التي تتيح للمرأة ما تتيحه للرجل من حرية التنقل وحقوق التملك والتجارة، وأحياناً هناك ضغوط أسرية تتعرض لها النسوة، فأنا على سبيل المثال واجهت رفض والدتي في البدايات لقيامي بالعمل في مجال التجميل، خصوصاً أنني بدأت العمل وأنا في الـ 13 لأساعد نفسي وأعيل أسرتي، فوالدتي خشيت عليّ من نساء وصفتهن بالسيئات، لكنني بالتزامي وجديتي في العمل استطعت إقناعها، وأنا اليوم أملك عدداً من صالونات التجميل وأصبحت قادرة ليس فقط على مساعدة نفسي وأسرتي والإنفاق على تعليم جيد لإخوتي وأخواتي، بل أقوم بما يميله علي واجب القرابة وصلة الرحم تجاه عدد من أسر أقربائي الذين يواجهون مصاعب الحياة من دون معيل".
وتؤكد زينب علي وهي صاحبة محل للعطور في مدينة هرجيسا وجود الانطباعات التي تصعب الأمور على المرأة الراغبة في إنشاء مشروع خاص بها قائلة إن "هناك عراقيل نواجهها بسبب الطبيعة التنافسية للعمل التجاري، وقد تصادف الواحدة منا بعض المتشككين في إمكان خوض النساء ذلك المجال، ونجد مبالغة من قبل أصحاب العقارات في أسعار تأجير متاجرهم للنساء اعتقاداً منهم أن أي امرأة تفتتح محلاً تجارياً لا بد وأن هناك من يقف خلفها ويدعمها مالياً، أو أنها ورثت تركة كبيرة تقوم بتبديدها، في حين يرفض بعضهم أسعار الإيجارات لأنهم يظنون أن النساء لن ينجحن في الاستمرار وسيعلن إفلاسهن سريعاً، ويفوتن عليهم بذلك احتمال شغل المتاجر من قبل رجال أعمال، لذا فإن بعض المصاعب التي نجدها مردها قلة الوعي وعدم منحنا الثقة، ونحن نتجاوز كل ذلك بالإصرار والجدية والمثابرة".
تشدد مضر بالإجراءات
وتستمر زينب تاجرة العطور في الكشف عن وجود ممارسات تقوم بها جهات رسمية وأخرى في المجتمع المدني تقلل فرص نجاح المرأة في العمل وتضيف، "هناك مواقف تتكرر مع النسوة العاملات في الأسواق، ومنها أسلوب تعامل مندوبي تحصيل الضرائب بترهيب النسوة للإسراع في تسديد ما هو واجب للبلديات عليهن، فتجدهم يتحدثون بلهجة متوعدة ومستفزة معهن، وهناك موظفون يحاولون مغافلة النسوة في دوائر حكومية معنية بالتراخيص عبر العبث ببيانات طلبات تلك الترخيص، إذ يضعون الرخص ضمن شرائح غير تلك التي تنتمي إليها أعمالنا بغرض تحصيل رسوم أعلى، في محاولة للاستفادة من قلة خبرة بعض النسوة أو طبيعتهن الخجولة، وهذا يسبب كلفاً مادية ونفسية تمهد لفشل أعمالهن، ناهيك عن إحجام جهات الإقراض عن تمويل النساء عبر فرض شروط تعجزن عن تلبيتها، مع أنهن بالتجربة أفضل فئات المجتمع في سداد الالتزامات التي يتحملنها، إضافة إلى بطء منظمات المجتمع المدني التي تعلن مبادرات لتمويل المشاريع الصغرى، مما يجعل مجرد التسجيل والانتظار عبئاً نفسياً يفوق ما يمكن لتلك المبادرات تقديمه".
ويضرب الصحافي عبدالله علي فارح المقيم في مقديشو مثالاً بأنه "لا تزال في ذاكرة المجتمع الصومالي الأزمة التي تسببت بها وزارة المالية الصومالية في الحكومة السابقة حين فرضت رسوماً عالية على صاحبات مناضد بيع الذهب، مما تعذر معه على 500 امرأة ممارسة العمل، وبالتالي فقدان 500 أسرة مصدر دخلها الوحيد، وكان ذلك بفرض ضريبة قيمتها 1.7 دولار على كل غرام ذهب تشتريه تلك النسوة لإرساله إلى مدينة دبي لإعادة صياغته واستيراده للبيع من جديد".
وبحسب ما قالت العاملات في المجال فإن الربح الذي يجنينه من الغرام الواحد قبل الرسم المفروض لا يزيد على نصف دولار، مما يعني أنهن وبعد تلك الإجراءات الجديدة سيخسرن 1.20 دولار وهو ما لا يتحملنه، مما دفع بهن إلى الإضراب عن العمل والعودة لمنازلهن ومكابدة الجوع إلى أن تم إلغاء القرار".