"الليغو" كأداة استثمار ممنوع اللعب بها؟ لن تصدق ذلك

منذ 1 سنة 188

مر وقت طويل منذ أن أهداني أحدهم لعبة "ليغو" لمناسبة عيد الميلاد، ولكن لو أن أحداً ما اختار لي هذه الهدية، ربما لن أفتح العلبة حتى، فكيف ببناء نموذج مصغر للبارجة "بوتمكين" أو ملعب "سانتياغو برنابيو" لنادي "ريال مدريد"، بينما تكافح أسواق الأسهم لإحراز تقدم، تتبع العملات المشفرة مساراً عشوائياً متقلباً صوب اندثار مشؤوم، ويبدو أن سوق العقارات على وشك الانهيار، يلجأ الناس إلى مجموعات بناء الألعاب البلاستيكية لحماية مالهم. لم ينصحونا بالاستثمار في اقتصادات مجموعة "بريكس"BRICs  (الحروف الأولى لأسماء الدول Brazil البرازيل وRussia روسيا وIndia الهند وChina الصين)، أو حتى في أحجار الطوب والطين، بل بقطع "الليغو"، في شكل مجموعات مرغوبة جداً- ما دامت العلبة بقيت مختومة وسليمة تماماً. عليك ألا تلعب بهذه الأشياء تحت أي ظرف من الظروف، وإلا ستفقد قيمتها. نعم، إنه جنون بعض الشيء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولكنه ربما يكون استثماراً مربحاً. في مقالة حديثة نشرتها "تايمز"، يرد أن "الليغو" قد تفوقت على مؤشر "فوتسي 100" والذهب في عوائد الاستثمار خلال فترة ممتدة. تتتبع مواقع إلكترونية وحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي يديرها أباطرة في "الليغو" القيمة والأرباح التي يسعنا تحقيقها من هذه اللعبة، ويبدو ذلك كله مغرياً جداً. شأن شخصيات "حرب النجوم" والسيارات الكلاسيكية النادرة، ارتفعت قيمة القطع التذكارية من "الليغو"، ويتفاخر الناس بأرباحهم المحققة من رأس المال: بعد شرائها بسعر 6.60 جنيه استرليني العام الماضي، بيعت مجموعة "مارفل أفنجرز الرجل الحديدي"Marvel Avengers Iron Man أخيراً مقابل 22 جنيهاً استرلينياً، وكانت "كرييتور بروبلير بلين"Creator Propeller Plane  كلفت المبلغ عينه الذي بيعت به تواً وقدره 19.69 جنيه استرليني، على ما أشارت صحيفة "التايمز". إنها أشياء مذهلة. في مثل هذه الأجواء التي نعيشها، ربما يطغى الجشع على الناس. تخيل كم ستجني إذا اشتريت ما يكفي من "مدمرات إمبريال ستار" Imperial Star Destroyers بقيمة 649.99 جنيه استرليني من "سلسلة ستار وورز التيميت كوليكتور" Star Wars Ultimate Collector Series. لماذا، يمكنك أن تشتري منزلاً حقيقياً، وليس من مكعبات "الليغو".

عند هذه النقطة، لا بد من إبداء بعض الملاحظات. الملاحظة الأولى والأهم، أننا ربما نكون إزاء فقاعة لا أكثر، ومثل أي فقاعة استثمارية أخرى، بدءاً بـ"هوس التوليب" tulip mania  في القرن الثامن عشر وصولاً إلى ظاهرة "الدوت- كوم" في أواخر تسعينيات القرن العشرين، من شأنها أن تنفجر في أية لحظة. وحدها القطع الجديرة بالاقتناء، وتلك المجموعات التي توقفت "ليغو" عن صنعها، تتمتع بفرصة كبيرة لجلب الأموال. إضافة إلى ذلك، تبقى الموضة دائماً عاملاً مهماً. وإلى أين يصل "بنك الاحتياطي الفيدرالي" بأسعار الفائدة.

إنه جنون إذاً، ولكنه محزن بعض الشيء أيضاً. طالما عجزت عن "فهم" لعبة "الليغو" في الأيام الخوالي، ذلك أن "القواعد" المفروضة كانت صارمة جداً شأن تلك اللبنات [البلاستيكية] نفسها. كانت جميعها مستطيلة الشكل، مع بعض القطع المستديرة فقط. بالتالي، لم يستطع الأولاد الهواة الذين يبنون ويهندسون أشكالهم بقطع "الليغو" أن يتركوا خيالهم يجمح بعيداً، وكان محالاً جمع القطع على هيئة سيارة، بل على صورة فولفو مربعة، مثلاً. لا بد من أن يكون المجسم الذي تبنيه ضخماً فعلاً، بحجمه الحقيقي، كي يسع تلك الحواف الحادة لكل القطع أن تخلق الإيحاء بشكل القرص. بدا ذلك مقبولاً للعروض الترويجية في معارض الألعاب أو متجر "هامليز"، ولكنه لم يبد ممكناً فعلاً في غرفة المعيشة. اتسم اللعبة بالمحدودية فعلاً. كذلك كان واضحاً أن شكل الإنسان لم يكن وارداً في أي منحوتات طموحة تحاكي شكل البشر مصنوعة من بلاستيك "الأكريلونيتريل - بوتادين – ستايرين". كانت مجموعات "الليغو" تبعث على الملل. كانت "قديمة الطراز". خلافاً لما أوحت به الحملات الدعائية، لم تسمح هذه اللعبة للأطفال بتطوير إحساسهم بالشكل والتناسب. بالنسبة إليَّ، أحببت سيارات "سباق العجلات الساخنة" على حلبة السباق البلاستيكية، وما زلت.

ولكن في الغالب، طالما انطوت اللعبة على دور في ربط الآباء والأمهات بأطفالهم، وقد جاءت مجموعات "ليغو" المصممة مسبقاً ببعد جديد تماماً. أخبرني أحد عشاق لعبة "ليغو" في هيئتها التسعينية عن تجربته إذ قال: "لقد أحببت "ليغو" خلال سنوات نشأتي. كانت بالنسبة إليَّ الوقت الثمين الذي أمضيه مع والدي. مهما كان منهكاً، كان سيخصص الوقت كي نبني معاً نماذج من مجموعات "ليغو". مركبة الفضاء "ميلينيوم فالكون" كانت أعظم إنجازاتي! انتهيت من بنائها مع والدي بعد أن بدا كأنه دهور من الزمن- حتى لو أنها استغرقت منا نحو ثلاثة أيام فقط. أتذكر تلك اللحظات وأقدرها".

If and when the Lego bubble bursts_getty.jpg

حسناً، ربما كنت ساخراً بعض الشيء، ولكن حينها، كانت "ليغو" قد اعتمدت اتجاهاً أكثر سهولة وراحة بالنسبة إلى مجسماتها مما كانت عليه في أيام شبابي، مع كل الشخصيات تلك، من وجوه وقطع تبدو صحيحة تقريباً من الناحية التشريحية! في هذه الأيام لدى "ليغو" الكثير لتقدمه، ولكنها ربما تكتسي الآن قيمة كبيرة كاستثمار (إضافة إلى كونها باهظة الثمن)، حتى صار يعترينا خجل من اللعب بها، ولكنها صنعت لهذا الغرض. ليست قطع "الليغو" سبائك ذهب.

شاهدت ذات مرة المقدم التلفزيوني جيمس ماي، الوجه المقبول لمدرسة جيرمي كلاركسون، يشتري مجموعات كثيرة من السكك الحديدية الكلاسيكية النادرة وعربات القطارات من "هورنبي" لاستخدامها في أحد عروضه التلفزيونية. موضبة في علب وفي أحسن حالاتها، تعامل معها أصحاب المتاجر عند تسليمها كما لو أنها آثار رومانية. وفي المنزل، والفرحة تغمره نزع عنها أغلفتها، وتركها تتحرك وتتصادم وتسقط عن القضبان، تماماً كما كتب لها عندما خرجت من المصنع في عام 1960 أو نحو ذلك. افترض أنه متى وعندما تنفجر فقاعة "الليغو"، فإن من شأن اللعب بتلك المجموعات أن يواسي المجموعة الجديدة المتضخمة من تلاميذ المدارس التي تقتنيها، إذ يستفيدون أخيراً من أموالهم التي أنفقوها على النموذج رقم 71043، "قلعة هوغورتس"، التي تضم 6020 قطعة مكونة من 27 شكلاً دقيقاً بسعر 409.99 جنيه استرليني. إنها لعبة ساحرة.