الليبيون يتمسكون بإرث "الألواح الخشبية" أداة للتعليم

منذ 1 سنة 205

بينما يشهد العالم تطوراً متسارعاً في استخدام التكنولوجيا كأداة في التعليم، يبدو الأمر مختلفاً في ليبيا، إذ لا يزال الطلاب هناك يستخدمون الألواح الخشبية لحفظ الآيات القرآنية، وهي الطريقة التي عرفتها البلاد قبل سبعة قرون.

ويجلس الطلاب في خلوة زاوية المحجوب غرب مدينة مصراتة الساحلية وهم يخطون بأيديهم بعضاً من الآيات القرآنية على ألواح خشبية، منهمكين في عملهم، ومستخدمين دواة وقلماً من نوع خاص للكتابة على اللوح، حتى يحفظوا ما تيسر لهم من القرآن الكريم، في أجواء تلفها سكينة تليق بقدسية كتاب الله وطالب العلم.

منافسة شريفة

مع مرور السنين وتطور طرق التدريس ظلت الكتاتيب في ليبيا قائمة، إذ حرصت بعض العائلات على تحفيظ أبنائهم بهذه الطريقة بل صارت شبه منافسة في ما بينها. ويرى المعلم في تحفيظ القرآن طه حميد من مدينة مصراتة أن الشعب الليبي لديه غيرة على القرآن، مشيراً إلى أن تلك الطريقة لها فوائد جمة، بخاصة أن كل الحروف تكون كبيرة على عكس الكتابة في الكراسة التي تكون ضيقة المجال.

يوضح حميد أن هذه الطريقة انتشرت قديماً لعدم وجود ورق لكنها أثبتت فاعليتها مع مرور الزمن، منوهاً بأن مدينته يوجد بها أكثر من 200 مركز لتحفيظ القرآن، وبلغت أعداد الطلبة ما بين الذكور والإناث 20 ألف دارس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتحدث المعلم أحمد الهروس بإعزاز عن طالب وصفه بـ"نابغة"، إذ انتهى من حفظ القرآن في غضون 28 يوماً.

من جهته أرجع رئيس هيئة الأوقاف والشؤون الإسلامية محمد العباني خلال حديث مع "اندبندنت عربية" هذا الإقبال الكبير إلى طبيعة المجتمع الليبي وغيرته على القرآن، ورأى أن جذور الليبيين التاريخية في مدن مصراتة وزليتن وترهونة ومسلاتة وتاجوراء تؤكد ذلك، مشيراً إلى أنه في عام 2010، أعلنت ليبيا بلد "المليون حافظ للقرآن"، مما يعني أن خمس سكانها كانوا آنذاك من حفظة كتاب الله.

عادات متوارثة

تعكس زوايا ليبيا صورة أخرى لبهاء المكان وجماله، إذ يظهر أحد الجدران الذي تستند إليه لوحة خشبية كبيرة كتبت عليها آيات قرآنية مخطوطة يدوياً بشكل رائع لتكون شاهداً على الطريقة التقليدية التي تعلمها آلاف الطلاب.

يقول طالب بالمركز يدعى حسن الصغير (15 سنة)، "في البداية كنت أكتب على الكراسة الورقية وعندما وصلت إلى الحزب الخامس في القرآن، أصبحت أكتب على الخشب"، معتبراً أن تلك الطريقة أضافت له كثيراً، إذ زادت قدراته الإملائية وتحسن جودة الخط القرآني.

ويقول الطالب إبراهيم الشاوش (20 سنة) إن "طريقة الكتابة على اللوح الخشبي أسهل بكثير من استخدام الكراسة". ويضيف "منذ عشر سنوات وأنا أدرس بهذه الطريقة وهي ناجحة معي ومع كثير من زملائي في الزاوية نفسها، وذكرها الله في كتابه الحق بقوله: (في لوح محفوظ) وهي طريقة ناجحة".

وتبقى اللوحة والصمغ أكثر نجاعة وفاعلية في تحفيظ القرآن الكريم نظراً إلى مميزاتها العديدة كالحفظ من دون نسيان وإتقان مخارج الحروف، ولا يزال كثير من أبناء ليبيا يحتفظون بألواح أجدادهم كرمز للمعرفة والعلم والتراث.

وعن طريقة حفظ القرآن، يملأ الطالب الجزء المطلوب حفظه وبعد أن تتم الكتابة يعرض ما كتبه على المعلم كي يصحح له الرسم ويضع عليه الوقف، ثم يقرأ الطالب اللوح على المعلم وبعد أن يصحح له التلاوة والقراءة يقوم الطالب بحفظ ذلك الجزء طوال اليوم.

وبعد ذلك يشرع الطالب في محو ما حفظه بالماء، وذلك من أجل تبييض اللوح حتى تكون صالحة للكتابة من جديد، وبعد أن يتعرض اللوح للشمس ويجف، يشرع الطالب في كتابة الجزء التالي المطلوب حفظه.