تناول اللواء محمد إبراهيم الدويرى نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى التى ألقاها فى القمة العربية التي اختتمت أعمالها مساء الجمعة فى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، والتي استعرض خلالها إبراهيم ست محاور رئيسية للكلمة ترسم ملامح خارطة طريق للمنطقة العربية المليئة بالتحديات.. وفيما يلي نص المقال:
كما تعودنا من السيد/ الرئيس عبد الفتاح السيسى أن تكون الكلمات التى يلقيها سيادته فى المحافل الإقليمية والدولية ليست مجرد كلمات إحتفالية وبروتوكولية ولكنها كلمات تبلورها رؤية متكاملة تتضمن توضيح وشرح وإستشراف للموضوعات محل البحث والنقاش أى أنه يمكن إعتبار أنها فى مجملها تمثل خريطة طريق .
*** وفى هذا الإطار جاءت الكلمة التى ألقاها السيد/ الرئيس فى القمة العربية الثانية والثلاثين التى عقدت فى مدينة جدة يوم 19 مايو الجارى حيث أن هذه الكلمة الجامعة والشاملة وإن كانت مختصرة للغاية إلا أنها كانت شديدة العمق ووضعت النقاط فوق الحروف بصورة واضحة جمعت بين الرؤية الواقعية والخطوات المطلوبة من أجل الحفاظ على الأمن القومى العربى فى ظل عالم سريع المتغيرات ولايهتم سوى بمصالحه فقط ولايعبأ بمصالح ومتطلبات المنطقة العربية وشعوبها .
*** ومن هنا سوف أقوم فى البداية بتقسيم كلمة السيد/ الرئيس أمام القمة العربية إلى ستة أقسام رئيسية من واقع مفردات كلمة سيادته التى صيغت بكل عناية ودقة وذلك على النحو التالى : –
أولاً : المتغيرات والمخاطر
** أن الظروف الإستثنائية التى مرت بها المنطقة خلال السنوات الأخيرة هددت بشكل غير مسبوق أمن وسلامة الشعوب العربية وأثارت القلق بشأن الحاضر والمستقبل .
** أن التدخلات الخارجية والفوضى أدت إلى تفاقم الإضطرابات وأصابت جهود تسوية الأزمات بالجمود .
** أن حالة الإستقطاب الدولى أصبحت تهدد منظومة “العولمة” وتستدعى صراعاً لفرض الإرادات وتكريس المعايير المزدوجة فى تطبيق القانون الدولى .
** أن إستمرار إدارة الصراع الفلسطينى الإسرائيلى “عسكرياً وأمنياً” سوف يؤدى إلى عواقب وخيمة على الشعبين الفلسطينى والإسرائيلى .
ثانياً : أهم أزمات المنطقة العربية
** أعمال التصعيد غير المسئولة من جانب إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية وآخرها الأحداث التى وقعت فى قطاع غزة .
** إشتعال الأزمة فى السودان وهو ما ينذر بصراع طويل وتبعات كارثية ليس على السودان فقط بل على المنطقة كلها إن لم يتم إحتواؤها .
** إستمرار الأزمات فى ليبيا واليمن .
ثالثاً : نموذج عودة سوريا للجامعة العرببة
** أن عودة سوريا للجامعة العربية يعد بمثابة تفعيل عملى للدور العربى وبدء مسيرة عربية لتسوية الأزمة السورية إستناداً إلى المرجعيات الدولية وقرار مجلس الأمن رقم 2254 .
رابعاً : مفهوم الأمن القومى العربى
** أن الأمن القومى العربى هو كل لايتجزأ ومن ثم حان الوقت لأخذ زمام المبادرة للحفاظ عليه .
** أن المقاربات العربية المشتركة تعتبر الوسيلة المثلى لمراعاة المصالح العربية المشتركة وتوفير الحماية الجماعية للشعوب العربية ودفع مسيرة التنمية خطوات كبيرة للأمام .
خامساً : الدور المصرى
** إستمرار الجهود المصرية لتثبيت التهدئة بين إسرائيل وقطاع غزة .
** أن مصر سوف تدعم بكل صدق وإخلاص جميع الجهود الحقيقية لتفعيل الدور العربى .
سادساً : متطلبات المرحلة القادمة
** أن الحفاظ على الدولة الوطنية ودعم مؤسساتها أصبح فرض عين من أجل مستقبل الشعوب العربية ومقدراتها .
** الإعتماد على الجهود العربية المشتركة والقدرات الذاتية والتكامل من أجل صياغة الحلول الحاسمة للقضايا العربية وهو ما أصبح واجباً ومسئولية .
** أهمية تطبيق مفهوم العمل العربى المشترك وإمتداد هذا المفهوم للتعامل مع الأزمات العالمية .
** ضرورة تنسيق العمل العربى لإصلاح منظومة “الحوكمة” الإقتصادية العالمية ومن أهمها مؤسسات التمويل وبنوك التنمية الدولية التى يجب ان تكون أكثر إستجابة لتحديات العالم النامى .
** التمسك بالخيار الإستراتيجى لتحقيق السلام الشامل والعادل من خلال مبادرة السلام العربية على أساس قرارات الشرعيىة الدولية ومطالبة إسرائيل بإنهاء الإحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية .
** تفعيل التحرك العربى المشترك لتسوية القضايا العربية وهو ما أصبح أمراً أكثر إلحاحاً من أى وقت مضى .
** أن الخطوات المهمة التى بادرت بها بعض الدول العربية لضبط الإيقاع مع الأطراف الإقليمية غير العربية تتطلب أن نجد خطوات مماثلة وصادقة تسهم فى تحقيق الأمن والإستقرار فى المنطقة .
** ضرورة ألا تظل الشعوب العربية وآمالها رهينة للفوضى والتدخلات الخارجية .
*** وبالتالى ففى ضوء كافة المحددات التى تناولتها كلمة السيد/ الرئيس أمام القمة العربية يمكن القول أن سيادته كان شديد الحرص على التركيز على مجموعة من النقاط الرئيسية التى تعبر بصدق عن الموقف المصرى وهى كمايلى : –
النقطة الأولى : إعادة التأكيد على أهمية العمل العربى المشترك بإعتباره حائط الصد الأول أمام المخاطر الأمنية والسياسية والعسكرية والإقتصادية التى تحيط بالمنطقة، وأن هذا العمل يعد الوسيلة الرئيسية القادرة على حل الأزمات العربية وحماية الأمن القومى العربى فى ظل تدخلات خارجية لا تعرف سوى مصالحها ومعايير مزدوجة لاتعترف بالقانون الدولى .
النقطة الثانية :أن القضية الفلسطينية تظل هى القضية العربية المركزية وأن إستمرارها بدون حل عادل وشامل سوف يؤدى إلى عدم إستقرار المنطقة كما أن مبادرة السلام العربية المطروحة فى قمة بيروت عام 2002 لاتزال تمثل وجهة النظر العربية .
النقطة الثالثة : أن هناك مسئولية تقع على الأطراف الإقليمية غير العربية التى صبحت مطالبة من جانبها بأن تتخذ خطوات تساعد على إستقرار المنطقة كلها .
النقطة الرابعة : أن الدولة المصرية سوف تظل دائماً على أهبة الإستعداد للمساهمة فى تفعيل العمل العربى وحل الأزمات المثارة، ولعل الدور المصرى الناجح فى إقرار التهدئة الأخيرة بين إسرائيل وقطاع غزة يعد خير مثال على ماتمتلكه مصر من قدرات فى هذا الشأن .
النقطة الخامسة : أن الطريق الوحيد من أجل تجنب أن تتحول أية دولة عربية من دولة مستقرة إلى دولة فاشلة يتمثل فى الحفاظ على الدولة الوطنية وعلى مؤسساتها .
*** وفى ضوء ماسبق ففى تقديرى أن كلمة السيد/ الرئيس عبرت بشكل واضح عن كافة الهموم والشواغل العربية، ولم تكتف بذلك فقط بل إنتقلت إلى بلورة الخطوات المطلوب إتخاذها خلال المرحلة المقبلة من أجل التوصل إلى أنسب الأساليب الواقعية للتعامل مع المتغيرات والمخاطر التى من المؤكد أنها لن تتوقف إلا إذا واجهت موقفاً عربياً مشتركاً ومسئولية جماعية وإدراك كامل من الدول العربية بأن أمنها القومى سوف يظل مهدداً وبقوة مادامت هذه الدول لم تصل إلى حالة تفعيل العمل العربى المشترك .
*** ومن ثم ففى رأيى أن كلمة السيد/ الرئيس لابد أن تكون بمثابة خريطة طريق عربية يتم التحرك على أساسها فى المرحلة القادمة مع العمل على بلورة آليات تنفيذها بتنسيق عربى مشترك، وإذا كانت الجهود العربية قد نجحت فى إعادة سوريا إلى الجامعة العربية بعد حوالى عقد من الغياب فإن هذه الجهود قادرة أيضاً على أن تساهم فى حل الأزمة السودانية قبل أن تتشعب جوانبها وتصبح مستحيلة الحل، وأعتقد أن هذا هو أول تحدى جاد وعاجل سوف تواجهه القمة العربية الثانية والثلاثين بعد إنتهاء أعمالها .
*** وقبل أن أختتم مقالى أجد من الأهمية بمكان أن أشير إلى ملاحظتين رئيسيتين وهما مايلى : –
الملاحظة الأولى : أن الإجماع العربى الذى وضح بشأن القضية الفلسطينية يجب أن تتم ترجمته عملياً على أرض الواقع من خلال التحرك العربى الجاد مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول الأوروبية من أجل إستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بإعتبارها الخطوة الأولى والرئيسية نحو حل هذه القضية وبما يحقق أمن وإستقرار المنطقة كلها .
الملاحظة الثانية : أن التأكيد العربى الواضح على مبدأ أن الأمن المائى لكل من مصر والسودان جزء لايتجزأ من الأمن القومى العربى ورفض أى إجراء يمس حقوقهما فى مياه النيل يجب أيضاً ترجمته واقعياً والدفع فى إتجاه التوصل إلى إتفاق قانونى عادل وشامل وملزم بشأن قضية السد الإثيوبى، ومن ثم فإن الفترة القادمة يمكن النظر إليها بإعتبارها فترة إختبار حقيقى لنتائج القمة العربية الثانية والثلاثين .