"الكونطرا" و"الفاتحة" طريق المغاربة الصعب إلى زواج خطر

منذ 9 أشهر 94

أمام تشدد مدونة (قانون) الأسرة في المغرب حيال منح القاضي للزوج الإذن بتعدد الزوجات، يلجأ عديد من الرجال إلى محاولة الاحتيال على القانون من خلال أنواع الزواج، أشهرها ما يسمى "زواج الفاتحة" وأيضاً زواج "الكونطرا".

ويبنى "زواج الفاتحة" على قراءة سورة الفاتحة بين عائلتي طرفي القران، لكن من دون توثيق رسمي، وذلك لتمكين الرجل من الزواج بثانية من دون علم أو موافقة زوجته الأولى، وهو نمط من الزواج سائد بكثرة في البوادي والمناطق النائية والفقيرة في البلاد.

وأما زواج "الكونطرا" (زواج العقد)، فيتم من خلال التوقيع على وثيقة أمام السلطات الإدارية تتضمن الالتزام بدين مالي بين الزوج ووالدي الفتاة القاصر، يكون بموجبه الرجل ملزماً بتوثيق الزواج عند بلوغ الفتاة سن الزواج القانوني (18 سنة)، أو دفع الدين عند التراجع عن الاتفاق.

قصة مع "زواج الكونطرا"

سلوى، شابة في عقدها الثاني، تستحضر قصتها المريرة مع "زواج الكونطرا" عندما كانت قاصراً في سن الـ16 من عمرها، لما كانت تقطن مع والديها في بادية بضواحي مدينة الخميسات (وسط)، وتقدم لها شاب من أبناء المنطقة يشتغل عاملاً في الحقول الإسبانية، غير أنه لمواجهة قانون الأسرة التي تفرض الزواج في سن 18، لجأ إلى حيلة "الكونطرا".

تردف سلوى "كانت أسرتي فقيرة معدمة، وبالكاد نجد ما نقتاته بسبب مرض الأب، حيث كنا نعول على مداخيل بعض الأعمال البسيطة التي يقوم بها إخوتي في الرعي والزراعة لفائدة الغير، وعندما سنحت فرصة الزواج عبر الشيك لم يتردد أبي ووافق على الفور عندما علم برغبة الشاب".

تكمل المتحدثة وفي صوتها الممزوج بالأسى والحسرة "لم أجد بداً من القبول أيضاً لأن كل فتاة في القرية تحلم بالزواج والانعتاق من واقعها الاجتماعي الصعب، فتم توقيع ورقة تتضمن اعترافاً من الشاب بدين مالي قدره 20 ألف درهم (ألفي دولار) لفائدة والدي، وعندما أبلغ سن الزواج يتم توثيق الزواج بشكل رسمي".

وقالت "عندما حان موعد توثيق الزواج اختفى عن الأنظار، وغيَّر رقم هاتفه في إسبانيا حيث يعمل، ولم يعد يأتي إلى البلدة"، لتواجه واقعاً اجتماعياً ونفسياً صعباً، فلا هي متزوجة، ولا هي مطلقة، كما لا تمتلك أي وثيقة قانونية تثبت زواجها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تعلق في هذا الصدد الناشطة النسائية بهيجة بنزهرة بالقول إن زواج "الكونطرا"، أو "زواج الشيك" ما زال سارياً في عدد من المناطق القروية الفقيرة، لأن الأمر يتعلق بالحصول على المال، غير أنه زواج لا يفضي سوى إلى المشكلات الاجتماعية والأسرية والنفسية، إذ إنه في الغالب لا يكتمل، أو يواجه عدداً من العراقيل.

ووفق الناشطة عينها "زواج الكونطرا هو في العمق عبارة عن بيع وشراء للفتاة القاصر التي في الغالب يتم القفز على رأيها في الزواج، وتكون مضطرة إلى قبوله"، مبرزة أن هذا النوع من الزواج يرقى قانونياً إلى "جريمة الاتجار بالبشر"، غير أنه للأسف يتم في أغلب الأحيان في السر بين الأطراف المعنية، كما يكون برضاها، وهو ما يعرقل أي إجراءات قانونية يمكن اللجوء عليها لمنع هذا النوع من الزواج".

من جهته سجل المجلس الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب (مؤسسة رسمية)، ضمن تقرير سابق، "وجود وسطاء يملكون لوائح بأسماء فتيات لا يرفضن بهذا النوع من الزواج، مما يعرضهن للاستغلال الجنسي"، بحسب المجلس الاجتماعي.

زواج "الفاتحة"

وإلى جانب زواج "الكونطرا" القائم على عرض مبلغ مالي على شكل دين، ما زال موجوداً في القرى النائية والمهمشة بالمغرب زواج من نوع آخر يستهدف الفتيات القاصرات أيضاً، معروف بـ"زواج الفاتحة"، يتم بقراءة الفاتحة بين أطراف القران من دون توثيقه، وذلك للتهرب من بنود مدونة الأسرة التي تتشدد في زواج القاصر، كما يفرض قبول الزوجة الأولى في حالة التعدد.

وقيدت مدونة الأسرة في الفصلين 20 و21 زواج القاصر بموافقة استثنائية من قاضي الأسرة المكلف الزواج، حيث يأذن بزواج الفتى أو الفتاة دون السن الأهلية المحدد بقرار يعلل فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر، أو نائبه الشرعي، والاستعانة بطبيب يؤكد القدرة على الزواج، أو إجراء بحث اجتماعي.

ويمنع القانون المغربي تعدد الزوجات في حالتين، الأولى إذا كان هناك احتمال عدم العدل بين الزوجات، وهي حال يرجع فيها التقدير إلى القضاء الذي له البحث عن القصد الشرعي، والثانية هي حال وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها في عقد الزواج.

السعدية، شابة تقطن في إحدى البوادي في ضواحي الرباط، تلخص قصة زواجها عن طريق "الفاتحة"، بالقول إن رجلاً في عقده الرابع تقدم إلى أسرتها للزواج منها على رغم أنها كانت وقتها دون سن الزواج المسموح به، فكانت العقبة الوحيدة هي كونه متزوجاً وله أبناء، وعلل رغبته في الزواج بها بكون زوجته "مريضة ولا تلبي جميع احتياجاته".

وأوردت المتحدثة قائلة "أمام تعقد الإجراءات الإدارية لتعدد الزوجات، وافق والدي على اللجوء إلى الزواج بالفاتحة كما فعلت الكثيرات من صديقاتي في البلدة، إذ كنت أمل في أن ينتشلني هذا الزوج من الفقر، لكن حصل العكس تماماً، إذ لم يمر وقت طويل حتى صار يعاملني بفظاظة كلما طلبت منه الاعتراف بالزواج وتوثيقه، أو أن أسكن معه في المدينة بعيداً من البادية".

وأعربت الشابة عينها عن ندمها لخوض تجربة "زواج الفاتحة" من هذا الرجل الأربعيني، لا سيما أن حقوق مولودها في مهب الريح بسبب عدم توثيق القران رسمياً لغاية اليوم"، موردة أنه في حالة طلاقها أيضاً ستضيع حقوقها جراء "زواج الفاتحة"، متمنية أن "تفتح السلطات المتخصصة مجالاً زمنياً لتسجيل وتوثيق الزيجات غير الموثقة، كما سبق لها أن فعلت قبل سنوات".

عنف اجتماعي وقانوني

وتبذل الدولة مجهودات حثيثة للقضاء على أنواع الزواج غير الموثقة، التي غالباً ما تروم الالتفاف على الزواج الموثق لأهداف شخصية، إما من خلال تحديد وقت زمني لتوثيق الزيجات، أو بتكثيف الحملات الإعلامية الهادفة إلى توعية سكان البوادي بضرورة توثيق الارتباط، والإضاءة على المشكلات والمخاطر المترتبة عن عدم توثيق الزواج.

وسبق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة رسمية) أن اعتبر كلاً من زواج "الكونطرا" وزواج "الفاتحة"، "عنفاً اجتماعياً وقانونياً فادحاً وشنيعاً يمارسه المجتمع على القاصرات في المغرب"، داعياً الجهات التشريعية، ممثلة في البرلمان، إلى اتخاذ قوانين حاسمة تمنع الزواج من فتيات دون سن الـ18 بشكل كامل ونهائي ومن دون أي استثناءات.

وفي هذا السياق ترى الباحثة الاجتماعية ابتسام العوفير أن زواج "الكونطرا" أو زواج "الفاتحة" أو أي زواج آخر يتخذ اسماً جديداً، إنما هي زيجات تتجاوز مدونة الأسرة، وتلعب على حبل الثغرات والاستثناءات الواردة فيه، كما أنها زيجات تستغل الظروف الاجتماعية والاقتصادية لعديد من المغاربة الذين يعيشون بالخصوص في البوادي والمناطق الهامشية البعيدة عن التنمية.

وسجلت الباحثة أن "زواج الكونطرا" ينتشر أكثر بين "المهاجرين العاملين في الخارج الذين يأتون في ظرف زمني قصير إلى البلاد، ويمتلكون هذه المبالغ المالية التي بواسطتها يحققون هدف الزواج من دون عقد ثبوتي شرعي وقانوني، ويستهدف الفتيات القرويات المنحدرات من عائلات فقيرة تحتاج إلى المال، غير أن العواقب الوخيمة لهذا الزواج أكبر من أي استفادة مالية آنية".

وأكملت المتحدثة عينها أن "زواج الفاتحة" بدوره هو "اعتداء على حقوق الفتاة القاصر، فعوض أن تكون هذه الفتاة في مقاعد الدراسة تجد نفسها على الفراش الزوجية محملة بمسؤوليات أكبر منها، وهو ما يعتبر اضطهاداً نفسياً واجتماعياً لها، فقط حتى تلبي رغبات وأوامر أسرتها المحتاجة، أو لأنها تنحدر من مستوى تعليمي بسيط، فلا تعرف حقوقها وما لها وما عليها كفتاة ثم كزوجة".