"الكبار" يعودون إلى مقاعد الدراسة في ليبيا

منذ 1 سنة 150

تتعدد الحالات وتختلف الدوافع لدى كبار السن الذين يكافحون لطلب العلم ونيل الشهادات العلمية في ليبيا، فتوقف بعضهم عن إكمال التجربة بسبب الظروف الاقتصادية التي تعيشها البلاد حالياً، لكنها لم تؤثر في عزيمة آخرين واصلوا دراستهم على رغم الصعاب التي تواجههم.

وتتنوع الأسباب التي تحفز المتقدمين في السن لمحاولة تعويض ما فاتهم ونيل شهادة علمية بين أسباب اقتصادية واجتماعية، مثل الرغبة في تحسين الدرجة الوظيفية أو البحث عن الوجاهة و"البريستيج الاجتماعي" أو تطوير المهارات في مجال العمل.

تعزيز السيرة الذاتية

تعزيز الملف الشخصي أو السيرة الذاتية للحصول على فرص توظيف أكثر وأفضل كان الدافع لصلاح الدين العمامي للعودة إلى مقاعد الدراسة التي هجرها منذ أكثر من ربع قرن من دون إتمام المرحلة الثانوية، على رغم بلوغه 53 سنة حالياً، وتراكم مسؤولياته برعايته لأسرته وأطفاله الخمسة.

يقول العمامي إن "أهمية الشهادات العلمية تضاعفت خلال الأعوام الأخيرة، فحتى المحال التجارية باتت تفضل تعيين المتعلمين الذين لهم قدرة أفضل على التعامل بطريقة لائقة مع الزبائن، وأدركت ذلك أكثر كلما بحثت عن فرصة عمل جديدة لتعزيز دخلي ليتناسب مع زيادة متطلبات الأسرة".

وأضاف "من الأسباب الأخرى التي دفعتني إلى محاولة الحصول على شهادة علمية قلة المجهود البدني كلما تقدم بي العمر، إذ لم يعد بمقدوري الآن العمل في المجالات التي تتطلب مجهوداً عضلياً، وهي مشكلة ستزداد كلما تقدمت في العمر، ولذلك أنا الآن في سباق مع الزمن للحصول على مؤهل علمي يفتح أمامي أبواب الفرص أكثر".

القفز في السلم الوظيفي

دوافع مختلفة حفزت خالد البدري للعودة إلى مقاعد الدراسة في جامعة بنغازي التي تخرج فيها حاملاً درجة البكالوريوس في مجال الإعلام قبل 30 عاماً وفي مقدمتها الترقي الوظيفي في مجال عمله بالحصول على شهادتي الماجستير والدكتوراه.

ويرى البدري أنه "بالحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه سيقفز بهما في السلم الوظيفي درجات لا يمكن الوصول إليها بالتسلسل العادي إلا في ما لا يقل عن 15 عاماً، بينما يمكن تحقيقها بنيل درجة الدكتوراه في ست سنوات فقط، إضافة إلى فتحها المجال للحصول على رئاسات الأقسام، بالتالي حصد مزايا أكثر من الناحية المادية والمعنوية والحصول على معاش تقاعدي أفضل يجعلني مرتاحاً مادياً عندما أغادر العمل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتابع "من الناحية الاجتماعية أيضاً الموضوع له مزايا جمة، فمجرد نطق كلمة الدكتور فلان عند التعارف يجعل الناس يتعاملون معك باحترام أكبر، وهذا ملاحظ وهو أمر في طبيعة البشر، إذ يجلون المتعلم أكثر ممن هو أقل منه في التحصيل العلمي منذ قديم الزمان وحتى قبل ظهور الشهادات والدرجات العلمية".

يؤكد البدري أن الفارق بين التجربتين للتعلم عندما كان في بداية الشباب وهو اليوم يتجاوز منتصف العمر، كبير جداً، فيعتبر أن التجربة في الكبر أصعب من جميع الجوانب ويقول "عندما كنت في الجامعة قبل ثلاثة عقود كان كل تركيزي منصباً على دراستي فقط من دون وجود مسؤوليات إضافية، بينما اليوم الوضع مختلف، إذ باتت لدي عائلة ولا بد من تقسيم الوقت بين متطلباتها ومتطلبات الدراسة من ناحية الوقت والتركيز وحتى النواحي المادية".

تطوير المهارات الفردية

العدد الأكبر من المقبلين على التعليم في سن متقدمة في ليبيا يتركز في المجالات التي تطور المهارات الفردية وتمثل إضافة إلى السيرة الذاتية وتفتح الباب لفرص أكبر في مجالات العمل المختلفة.

تجربة من هذا النوع يخوضها حالياً عبدالله العجيلي، الموظف في شركة خاصة لصناعة المشروبات الغازية ويبلغ من العمر 58 سنة ويدرس حالياً في معهد خاص لتعليم اللغات، حيث يتلقى دروس اللغة الإنجليزية لتعزيز مهاراته وفرصه العملية.

ويعتبر العجيلي أن "محاولة تعلم لغة جديدة أمر تأخر به كثيراً وكان من المفترض أن يدرس اليوم لغة ثانية أو ثالثة لأهمية هذا الأمر في العصر الحالي، عصر الانفتاح المعلوماتي، بحيث يمكن الحصول على فرص عمل ممتازة عبر إتقان لغة أجنبية للتواصل مع المؤسسات والشركات في الخارج".

تراجع الأعداد

مدير المكتب الإعلامي بوزارة التعليم في بنغازي وسام العشيبي قال لـ"اندبندنت عربية" إن "أعداد العائدين إلى مقاعد الدراسة من كبار السن في تراجع خلال السنوات الأخيرة مقارنة مثلاً بعام 2010 عندما كانت الدولة تشرف على مشروع لمحو الأمية، لكن مع ذلك فإن التجارب الفردية للتعلم في الكبر موجودة بداية من مراحل التعليم الأساسي إلى المراحل التعليمية العليا".

وعن طبيعة هذه التجارب واختلافها عن التعلم في السن الطبيعية أو المبكرة يقول إنه "من المتعارف عليه علمياً وعرفياً أن التعليم في الصغر راسخ أكثر من التعليم في الكبر، لكن بالنسبة إلى كل الأعمار فإن التعليم الفاعل الذي يرسخ بغض النظر عن العمر هو الذي يراعي مستوى نمو الفرد وإمكاناته ونضجه ونوع العلم والوسيلة التعليمية، ثم الاستمرارية في التعليم".

ويشير العشيبي إلى أن المانع الأول الذي يعوق كبار السن عن السعي إلى الحصول على مزيد من التحصيل العلمي هو النظرة الاجتماعية، أو الخوف منها، موضحاً "تنتشر في البلاد منذ زمن أمثال مثل ’بعد ما شاب خذوه للكتاب‘، مما يجعل بعض كبار السن يخجلون من الدخول في تجربة التعليم المتأخر، وتسبب ذلك في بقاء معظم كبارنا في عداد الأميين وزادت هذه النسبة في الوقت الحاضر بسبب الإهمال المتعمد وعدم إيلاء الاهتمام اللازم بتعليم الكبار، مما أفسح المجال للجهل أن ينتشر في شرائح واسعة من آبائنا وأمهاتنا نظراً إلى الكبوة الكبيرة التي تعثرت بها ليبيا خلال الأعوام الأخيرة بسبب الحروب الكارثية وتفاقم المشكلات بكل أشكالها على بلادنا".

ويخلص إلى أن "هناك خطة تجهز حالياً لتشجيع من فاتهم قطار التعليم الأساسي في مدارس محو الأمية ترافقها محفزات مالية لمن يبادر إلى مقاعد الدراسة ليتعلم أولاً الأبجدية كمفتاح لأبواب أوسع وآفاق أرحب، كما تتضمن الخطة تشجيع من تعثر تعليمهم في المرحلة التمهيدية أو المتوسطة لإكمال مسيرتهم العلمية، ونتمنى النجاح لهذه البادرة الطيبة وهي بالفعل ضربة الفأس الأولى لهدم جدران الجهل في المجتمع الليبي، خصوصاً الطبقات الفقيرة منه".