القناة الثقافية... لكي تنجح

منذ 1 سنة 138

أيام قليلة تفصلنا عن موعد إطلاق القناة الثقافية السعودية الجديدة، وهي القناة الموعودة، والمنتظرة، التي تأتي تتويجاً للازدهار الثقافي الذي تعيشه السعودية، حيث ستكون، كما قال وزير الثقافة: «منصة لثقافتنا: تراثنا، وأدبنا، تعرض فنوناً بصرية، وفنون الطهي، والأزياء، وأفلاماً، وكتباً، ومسرحاً، وفنوناً أدائية، وموسيقى، وعمارةً وتصميماً».

وزارة الثقافة قالت إن القناة الثقافية ستحتفي بالثراء الثقافي السعودي، مخاطبةً نخب المثقفين والجمهور العام، عبر تقديم محتوى ذي أسلوب عصري وحيوي، يحمل رسائل ثقافية محلية، تعكس نظرة وإرث المتلقي، وتعمل على ترسيخ وجود المحتوى السعودي في المنظومة الإبداعية العالمية.

وقالت إنها تستهدف تشجيع الكفاءات السعودية وتحويل المبدعين إلى أصول ثقافية، وستتولى التغطية الموسعة لكل الأحداث الثقافية، إضافة إلى إنتاج أفلامٍ وثائقيةٍ تسرد سيَراً ومذكرات لشخصيات سعودية بارزة، وشراء حقوق المسرحيات والاحتفالات العالمية، وبناء مكتبةٍ أرشيفيةٍ ضخمة للأعمال الثقافية السعودية والحوارات النادرة مع الشخصيات الوطنية والثقافية، وستعمل على رصد آخر النقاشات الدائرة بين المثقفين، واستضافتهم لفتح دوائر النقاش ومتابعتها باستمرار لتعزيز الحوار الثقافي الفعّال.

لا شكّ أننا نشهد طفرة هائلة في النشاط الثقافي والفني، وأن هذا الحراك الثقافي غير المسبوق بحاجة إلى «إعلام» فاعل ونشيط وقادر ليس فقط على نقله، ولكن في إيصال رسالته التي قام عليها. وظيفة الإعلام الثقافي ليس مجرد النشر، بل المساهمة في خلق فضاءات حرّة للمشاركة والتفاعل في الشأن الثقافي بين عددٍ واسعٍ من الناس، وجعل مفهوم الثقافة واسعاً وشاملاً ولصيقاً بالتجربة الإنسانية.

لكن هذه القناة الموعودة أمامها الكثير من التحديات لكي تنجح. للعلم فقد كانت لدينا قناة ثقافية، تمّ تشييعها إلى مثواها في أبريل (نيسان) 2018، بعد نحو 8 سنوات من عملها، وقد كانت «ابنة» مخلصة للتلفزيون السعودي في ذلك الوقت، تحمل مواصفاته الوراثية، في قوته وضعفه.

أول التحديات التي تواجه القناة العتيدة، هو ذوق المتلقي، الذي يملك قوة التغيير الهائلة في يده المسماة «ريموت كونترول»؛ ما الذي يدفع المشاهد، فرداً أو أسرة، لأن تحضر حفلاً فنياً أو أمسية أدبية، أو جلسة حوارية، في القناة الثقافية، عوضاً عن إمضاء الوقت لمشاهدة فيلم السهرة الجديد؟

القناة المتخصصة بحاجة إلى مزاج متخصص، لكن الجمهور ليس بالضرورة من هذا النوع، هو يحب أن يشاهد الأخبار، ومباريات كرة القدم، والأفلام السينمائية، مع شيء من البرامج الثقافية، لكن هل يمكنه أن يقضي الوقت في مشاهدة القنوات العلمية (مثلاً)، هذه القنوات مثل «ديسكفري» تزين باقات الاشتراكات التلفزيونية، ولكن المشاهد العادي يمرّ عليها مرور الكرام غالباً.

القنوات المتخصصة مثل تجربة أحزاب الخضر في أوروبا، لماذا فشلت؟ ببساطة، لأن الأحزاب الكبيرة ضمنت برامجها جميع أو معظم الأهداف التي تسعى من أجلها أحزاب الخضر، فلماذا يترك الناخب حزباً كبيراً وواسعاً ومؤهلاً للفوز وقادراً على تطبيق رسالته في حماية البيئة، وينصرف لأحزاب لا فرصة لها.

القناة الثقافية لابد أن تبذل جهداً مضاعفاً لكي تستحوّذ على وقت أطول وليس كل الوقت، وعليها أن تسعى بجهد مضاعف لتوسيع قاعدة المشاهدين، لا تكتفي بالنخبة... ولذلك فهي بحاجة لروح وفلسفة جديدة وآليات عمل مختلفة.

ما الذي يجعلها تنجح؟ إذا تمكنت من أن تجعل الثقافة قريبة جداً من الناس، ومعبّرة عن أحوالهم، وتراثهم، وفنونهم، تسامر أدباءهم، وتروي قصص مبدعيهم وروادهم، وتحويل الثقافة لأسلوب حياة، وإلى عنصر رئيسي للتواصل بين الناس، يساعد على رفع مستوى جودة الحياة، وإلى رافد للاقتصاد.

نتفق على أصل الحاجة إلى إعلام ثقافي قوي ومتنوع وحرّ ويمتلك الوسائل والإمكانات لأداء مسؤولياته، إعلام قادر على أن يحوّل كل هذا الحراك الذي نعيشه، من القاعات المغلقة إلى الفضاء المفتوح، يجتذب الأغلبية الصامتة لكي تشارك وتتفاعل وتصوغ الثقافة التي تسير بنا نحو المستقبل.