القمة الأميركية ــ الصينية... تنافس بشكل مسؤول أو حرب باردة

منذ 1 سنة 126

القمة الأميركية الصينية في سان فرنسيسكو الأسبوع الماضي نجحت في إعادةِ الخط الساخن بين قيادة البلدين المتنافسين على قيادة العالم، وخصوصاً الأمور العسكرية منها، لمنع أي سوءِ تقدير أو خطر يمكن أن يؤديَ إلى كارثة، كما ساهمت في إعادة الاستقرار للعلاقة المتوترة منذ سنة.

إلا أنَّ العلاقة بينهما سوف تبقى رهينةَ السياسة الداخلية والاقتصادية بين البلدين، التي تصفها واشنطن دائماً بالتنافس.

فبالرغم من قول الرئيس الأميركي إنَّ المباحثات كانت صريحة وبناءة، فإنَّ الإجماع في الدوائر السياسية ومراكز الأبحاث وصفت نتيجة القمة بالمتواضعة. وبالرغم من أنَّ الرئيس بايدن تحدث بعد اللقاء عن تقدم مهمّ تمَّ إحرازُه خلال الاجتماع، فإنَّه في الواقع لم يصدر بيان مشترك عمَّا اتفقا عليه، خصوصاً في المسائل الاستراتيجية، واكتفى كل طرف بإصدار وجهة نظره منفرداً. ما يشير إلى أنَّ وجهات النظر لم تكن متطابقة في كثير من الأمور، وخصوصاً السياسية منها، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط والملاحة في المحيط الباسفيكي وتايوان.

لكن كان مهماً تكرار الرئيس بايدن خلال مؤتمره الصحافي أنَّ الولايات المتحدة لن تغير سياستها حول «الصين واحدة». وهذا أمرٌ مهمٌ جداً للصين أن تسمعه من واشنطن، خصوصاً بعد الخطوات التي قام بها بعض أعضاء الكونغرس تجاه تايوان، التي أغضبت الصين وأدَّت إلى تدهور العلاقة الأميركية الصينية، مثل زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي لتايوان السنة الماضية.

بدا واضحاً من تصريحات الرئيسين الأميركي والصيني أنَّهما لا يريان العلاقة من نفس المنظار.

فبينما أكَّد الرئيس بايدن أنَّ الصين وأميركا في علاقة تنافسية، وأنَّ «العالم يتوقع منَّا أن ندير هذا التنافس بشكل مسؤول لمنع تحوله إلى مواجهة أو حرب باردة»، كان الرئيس الصيني يرى أنَّ «الكرة الأرضية» تتَّسع لهما معاً، كما قال.

ففي خطابه أمام كبار رجال الأعمال ورؤساء الشركات الأميركية، قال الرئيس تشي: «إنَّ ما أفكر به دائماً كيف أدير السفينة العملاقة للعلاقات الأميركية الصينية بعيداً عن الصخور وأبحر بها وسط العواصف والأمواج، دون أن نفقد الطريق أو تصطدم». وقال إن «السؤال الرئيسي لنا هو؛ هل نحن خصوم أم شركاء؟ إنَّ هذه هي المسألة الأساسية. إن المنطق بسيط، إذا كان طرف يرى الآخر منافساً رئيسياً وتحدياً جيوسياسياً وخطراً، فإن هذا يؤدي إلى سياسة وأعمال ونتائج غير مرغوبة».

وأكد أنَّ الصين مستعدة لأن تكون شريكاً وصديقاً للولايات المتحدة، الرئيس الصيني لديه حرية أكبر من الرئيس بايدن في أن يصف نتيجة المحادثات، أو أمله بمستقبل أفضل للعلاقة مع واشنطن، لأنَّه عكس بايدن لا يواجه سنة انتخابية على الباب، وجمهوراً أميركياً وكونغرساً، خصوصاً الغالبية الجمهورية في مجلس النواب التي تدفع نحو سياسة أكثر تشدداً تجاه الصين.

وبعد سنة من التوتر في العلاقة مع الصين أصبح الأميركيون أكثر سلبية للعلاقة معها. فقد وجد استفتاء أجراه معهد «غالوب» للاستفتاءات في مارس (آذار) الماضي أن 15 في المائة فقط من الأميركيين لديهم نظرة إيجابية للصين. هذا الرقم كان 53 في المائة سنة 2018. ما يعني أن 84 في المائة من الأميركيين اليوم ينظرون نظرة غير إيجابية إلى الصين.

كما أظهر استفتاء مماثل أجراه معهد العلاقات الدولية في شيكاغو أن 3 من كل 5 أميركيين ينظرون إلى الصين على أنها خطر على المصالح الحيوية الأميركية.

فماذا تم تحقيقه خلال هذه القمة الذي يمكن أن يغير هذا الواقع في العلاقة بين البلدين؟

يمكن القول إن إعادة العلاقة الشخصية بين بايدن وتشي، واستعادة الثقة، كانا من أبرز ما يمكن استشفافه مما صدر عن الرئيس الأميركي، على الأقل عندما قال عن تشي: «إني أعرف الرجل، وأعرف كيف يعمل. لدينا خلافاتنا، ولكنه مستقيم». لكن بايدن عاد ووصف الرئيس تشي بالديكتاتور لاحقاً، لكن ذلك لم يخلق عاصفة في العلاقة كما حدث أول مرة عندما استخدمها، في إشارة إلى أن الصينيين يريدون المضي في تحسين العلاقات.

في ما عدا ذلك، الإنجازات محدودة، لكنها هامة، لأنها توقف الانزلاق في العلاقة نحو مزيد من التوتر. فالقمة وضعت العلاقة على طريق الاستقرار، على الأقل حتى نهاية عهد الرئيس بايدن، وأعادت الحوار والاتصالات بين عسكريّي البلدين لتجنب الأخطاء، وأعادت العمل بلجنة العمل على المناخ، وهذا هام قبل قمة المناخ في دبي لاحقاً هذه السنة. واتفقا على مكافحة مخدر الفينتالين الذي تعاني أميركا من خطره على المجتمع. كما اتفقا على معالجة خطر أنظمة الذكاء الاصطناعي وتحسين أمنها من خلال محادثات صينية أميركية حكومية.

أما القضايا الاستراتيجية فلا يبدو أن تقدماً كبيراً حصل في شأنها. حول تايوان نقلت الصحف الأميركية عن مسؤولين أميركيين أن الرئيس بايدن طرح موضوع الحشد العسكري حول تايوان، وأنه طلب من تشي عدم التدخل في الانتخابات في تايوان السنة المقبلة، وأن أميركا ملتزمة بمساعدة تايوان على الدفاع عن نفسها، وأن الرئيس تشي قال إنه ليس لديه أي خطط لغزو تايوان، حسب مجلة «تايم» الأميركية. أما الجانب الصيني، حسب إعلامه، فإن الرئيس تشي حثّ واشنطن على «دعم سياسة الصين للتوحيد السلمي» مع تايوان.

وفي بيان البيت الأبيض، الذي أكد على سياسة «الصين الواحدة»، تشديد على أن «الولايات المتحدة تعارض التغيير الأحادي للوضع الراهن من أي من الجانبين»، وأنه يجب حلّ أي خلافات بالطرق السلمية، حول مضيق تايوان». ودعا الصين إلى «ضبط النفس في استخدام النشاطات العسكرية في المنطقة نفسها».

وحول الشرق الأوسط، قال البيت الأبيض إن الرئيس كرر دعم حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، وأن يستخدم الطرفان نفوذهما لمنع توسع النزاع. وهنا يعني البيت الأبيض أن تستخدم الصين نفوذها مع إيران. والمؤشر الآخر على تباعد المواقف حول الشرق الأوسط خلال مؤتمر إبيك كان إصدار ماليزيا وإندونيسيا وبروناي بياناً مشتركاً على هامش القمة يدعو إلى وقف إطلاق النار وهدنة في غزة.

وبالرغم من الخلافات على الأمور السياسية، كان واضحاً أن الاجتماع الأهم كان للرئيس الصيني مع رؤساء الشركات الأميركية الكبرى، لأن الصين تريد عودة الاستثمارات الأميركية ورفع القيود والعقوبات عنها التي أثرت على اقتصادها سلباً... إن تصدير التكنولوجيا الأميركية للصين هو الأكثر حساسية لواشنطن. ولا يوجد رئيس أميركي حالي أو قادم مستعد للتنازل في هذا الموضوع. وفي سنة انتخابية مقبلة في واشنطن وتايوان، تبدو العلاقة معلقة على حبال السياسة المحلية.