القلق النووي في علاقات أميركا مع روسيا والصين

منذ 1 سنة 189

الولايات المتحدة تقف عند نقطة انعطاف في سياستها النووية والأمنية، حسب مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان، ناقلاً وجهة الرئيس الأميركي، في لحظة «خطرة» في النظام العالمي، حيث تتحضر الولايات المتحدة لإمكانية أن تواجه في المستقبل القريب، ولأول مرة في تاريخها، قوتين نوويتين في نفس الوقت مع صعود الصين إلى جانب روسيا كقوة نووية منافسة.

من هنا جاء كلام مستشار الأمن القومي جايك سوليفان، أمام مؤتمر جمعية الحد من التسلح، ليقدم لأول مرة استراتيجية الإدارة الأميركية النووية والأمنية حول كيفية التعامل مع ندّين نوويين وخصمين جديين يتحديان الولايات المتحدة والنظام العالمي الأمني والاستراتيجي الذي أفرزته الحرب العالمية الثانية وتقوده الولايات المتحدة. هذا النظام الذي بدأت إشارات تشققه تَظهر للعيان، من خلال التحدي الذي يواجهه، ومن خلال نشوء تكتلات دولية جديدة خارجه، يقف اليوم ولأول مرة منذ أزمة الصواريخ الكوبية أمام خطر نزاع نووي، إما عبر الحسابات الخاطئة وإما عبر سوء تقدير.

يأتي هذا الخطر النووي أيضاً بينما بنية الحد من التسلح النووي منهارة تماماً بعد انتهاء مدة الاتفاقات النووية التي كانت تحكم العلاقة الأميركية - الروسية او انسحاب أحد الطرفين منها. الركيزة الوحيدة المتبقية من هذا البنيان الذي وضعه الروس والأميركيون خلال الحرب الباردة هي معاهدة ستارت الجديدة (نيو ستارت)، التي جرى تمديدها في 2021. هذه المعاهدة هشّة اليوم بعدما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعليق العمل ببعض بنودها المتعلقة بالرؤوس النووية والتفتيش المتبادل حول الصواريخ في فبراير (شباط) الماضي بسبب التوتر في علاقة البلدين نتيجة حرب أوكرانيا. ولكن روسيا تركت الباب مفتوحاً عندما قالت إنها ستستمر في احترام السقف المتفق عليه حول الأسلحة النووية.

وأتى الرد الأميركي الأسبوع الماضي عندما أعلنت واشنطن إجراءات تعلق الإخطار نصف السنوي الذي يتبادله الطرفان حول القوات النووية، والإخطار أيضاً حول موقع ووضع الصواريخ ومنصات إطلاقها حسبما تتطلب المعاهدة، إضافةً إلى وقف التفتيش، وغيره من الإجراءات. وقالت واشنطن إنها ستستمر في الالتزام بالمعاهدة في بنودها الأخرى واستعدادها لإلغاء هذه الإجراءات إذا عادت روسيا للالتزام بالمعاهدة.

أتى خطاب مستشار الأمن القومي ليضع النقاط على حروف وضعٍ دوليٍّ هشٍّ خصوصاً في المجال النووي، وفي ظل توتر صيني - أميركي غير مسبوق، وبقاء الصين خارج منظومة الحد من التسلح النووي التي ترتكز اليوم فقط على القوتين العظميين للحرب الباردة.

سوليفان مد اليد لروسيا عبر عرض الدخول في محادثات حول الحد من الأسلحة النووية دون شروط مسبقة، وأعلن موافقته على إعلان روسيا التزامها التمسك بالسقف الذي تضعه المعاهدة والاستمرار في الحد من القوات الاستراتيجية النووية حتى 2026، وقال: «ليس من مصلحة أيٍّ منَّا الدخول في منافسة مفتوحة في مجال القوات الاستراتيجية النووية، ونحن على استعداد للالتزام بالسقف الرئيسي إذا فعلت روسيا ذلك».

والولايات المتحدة تريد فصل ملف الحد من التسلح عن أي ملفات أخرى مثل «أوكرانيا» وغيره. فسوليفان قال: «عوضاً عن أن ننتظر لحل كل خلافاتنا الثنائية، إن الولايات المتحدة على استعداد للدخول في محادثات مع روسيا الآن لإدارة الأخطار النووية وتطوير حد للتسلح لما بعد 2026 (مدة انتهاء المعاهدة)».

ولكنه أوضح أن «نوع القيود التي يمكن أن توافق عليها الولايات المتحدة بعد انتهاء المعاهدة سيتأثر بمدى وبحجم التسلح النووي الصيني. لذلك نحن على استعداد للحديث مع الصين دون شروط مسبقة لنساعد على ضمان إدارة المنافسة وألا تتحول المنافسة إلى نزاع».

لكنَّ الصين تشكل مسألة معقدة بالنسبة إلى واشنطن التي تبدو عاجزة عن إدارة العلاقة معها بعيداً عن التوتر، ويتهمها البعض بعدم فهم كيف تفكر الصين مقارنةً بفهمها لروسيا، بسبب خبرة التعامل مع موسكو على مدى 77 سنة تقريباً.

سوليفان شخّص المشكلة حسبما تراها واشنطن، ولكنه أيضاً مد اليد للصين لبدء محادثات غير مشروطة حول الحد من التسلح. قال إن «الصين اختارت ألا تجلس إلى طاولة مفاوضات والدخول في حوار ذي مضمون حول الحد من التسلح... كما رفضت أن تقدم معلومات حول حجم ومدى قواتها النووية أو أن تشارك في إخطارات حول عمليات الإطلاق (صواريخ)».

إن ما تراه واشنطن السبيل الوحيد لإحراز تقدم مع الصين هو في الواقع لُبّ المشكل معها. سوليفان قال: «ببساطة، لم نرَ استعداداً من الصين لفصل الاستقرار الاستراتيجي عن القضايا الأوسع في العلاقة. إن هذا الفصل كان حجر الأساس في الاستقرار النووي والاستراتيجي لعقود». إن الربط وليس الفصل هو ما تريده الصين، وهنا الاختلاف في توجهها والتوجه الروسي وحجر العثرة مع واشنطن.

الخبير في السياسة الصينية في معهد «كارنيغي»، تونغ زاو، أخبر المؤتمر أن الصين تفضل التوجه متعدد الأطراف، وقال إن الصين «تأخذ الحوار حول الحد من التسلح رهينة لإحراز تقدم في الحوار السياسي والعلاقة مع واشنطن». وأوضح أن سياسة الصين النووية تتغير لأن الصين تتغير، وأن ما يقود السياسة الصينية هو عاملان: الخوف والطموح، وهذان وجهان لعملة واحدة، والولايات المتحدة لا تفهم الجزء المتعلق بالخوف، كما أن هناك عدم فهم لكيفية صنع القرار في الصين.

إن هذا الخوف متبادل. فحسب تقديرات أميركية عدد الرؤوس النووية الصينية اليوم هو 410 رؤوس، ويقدّر البنتاغون أن يرتفع العدد إلى 1500 مع حلول 2035، إذا أضفنا هذا إلى 1500 رأس نووي روسي موجود اليوم، ستواجه أميركا 3000 سلاح نووي روسي وصيني، وهنا يكمن خوف واشنطن.

جزء من استراتيجية واشنطن لمواجهة المرحلة المقبلة وللحد من التسلح هو العمل متعدد الأطراف. فقد اقترح سوليفان العمل مع الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن للحد من التسلح «وتخفيض المخاطر»، معتبراً أن هذا ممكن مع أنه ليس سهلاً. فالعمل مع الخمس الكبار «يوفر الفرصة لإدارة الخطر النووي وضغوط سباق التسلح من خلال مزيج من الحوار والشفافية والاتفاقات»، حسب سوليفان.

واشنطن تأمل أن تشكل خطوة صغيرة، مثل نظام إخطار حول إطلاق الصواريخ، الزخم للبناء عليه والتوصل إلى إجراءات أخرى.

إن العمل من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن خبر جيد لأنه حان الوقت لإعادة الدور للأمم المتحدة وللعمل متعدد الأطراف في حل الأزمات الدولية ونزع السلاح النووي أو الحد منه على الأقل، وإحلال السلام بعدما عانت المنظمة الدولية والمجلس من تهميش دورها في الحلول السلمية للأزمات وتقييد دور المجلس بسبب التوتر بين الخمس الكبار.