كما يختلف الناس في الخليج قبل رمضان حول هلاله وصيامه، إذ تسبق دول خليجية بالصيام دول أخرى، يختلف الناس أيضاً في أواسط الشهر حول عادة "القرقيعان" بين تحليلها وتحريمها، وهي مناسبة تقليدية وتراثية خاصة بالأطفال.
وعلى رغم أن المناسبة التي يطوف فيها الأطفال وهم يرتدون أزياء شعبية ويرددون الأهازيج وتوزع عليهم الحلوى مهددة بالاندثار، إلا أن ثمة أحياء شعبية لا تزال تحييها. وبدأت تواكب بطريقتها مظاهر التمدن والتكنلوجيا، إذ بات يحييها الناس في المولات والمراكز الترفيهية وعبر منصات التواصل الاجتماعي.
وتختلف أهازيج القرقيعان بحسب كل منطقة عن أخرى لكن ما يربطها هو التوقيت، وهو منتصف شهر رمضان الذي يمسك فيه المسلمون عن الطعام والشراب طوال فترة النهار وحتى مغيب الشمس.
وبالأمس جدد رجل دين كويتي الجدل حول تحريمها، بالقول إنها "بدعة"، لتنهال عليه آراء كثيرين مؤدين قالوا إنها "ليست عبادة وإنما عادة" تشبه بالاحتفال الأعياد الوطنية.
وهي تعرف في الكويت والسعودية خصوصاً المنطقة الشرقية وتحديداً مدينة القطيف باسمها الرائج "القرقيعان"، وفي البصرة جنوب العراق وفي الأحواز تعرف بلفظ قرقاعون. بينما يطلق عليها في البحرين "الناصفة"، وقرنقعوه في قطر، والقرنقشوه في عمان. وفي الإمارات يطلق عليها "حق الليلة" أو حق الله. وفي بلدان عربية أخرى تختلف أسماؤها أيضاً فمثلاً تعرف في السودان بمفهوم مشابه وتسمى بيوم "الحارة أو الرحمتات".
وباختلاف أهازيجها تختلف أيضاً المعتقدات حولها، إذ يعتبرها البعض في الخليج العربي مناسبة دينية، بينما يعتبرها آخرون عادة فرائحية اجتماعية للأطفال، ويراها آخرون مناسبة للصدقة يقدمها أهل المتوفى للأطفال الذين يجوبون الأحياء الشعبية وهم يرددون الأهازيج.
ويعمد الأطفال الصغار إلى لبس الملابس الشعبية القديمة، فيلبس الأولاد "الدشداشة" وسترة، إضافة إلى أحذية شعبية، أما البنات فيلبسن "الدراعات" المزركشة، والبخنق وهو قماش بألوان مختلفة مطرز مع الترتر يوضع على الرأس، ويحمل كل منهم كيساً لجمع المكسرات والحلوى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والعادة المثيرة للجدل لدى الكبار والفرح لدى الصغار تبدأ بعد صلاة المغرب مصحوبة بألحان كثيرة ويأخذ الأطفال بعد إفطارهم بأذان المغرب في التجمع والسير حاملين حول أعناقهم أكياساً قماشية أو سلالاً من الخوص ويرددون الأهازيج والأناشيد الشعبية، فيبدأون بالمرور على البيوت لتجميع المكسرات والحلوى من أهل الأحياء الشعبية، ومن الأهازيج والأناشيد التي يرددونها: "قرقاعون عادت عليكم بالصيام... عطونا الله يعطيكم". وأهل مكة يضيفون "بيت مكة يوديكم". ويقال أيضاً في القطيف شرق السعودية: "ناصفة حلاوة على النبي صلوات اعطونا من مالكم الله يخلي عيالكم ناصفه حلاوة ناصفة حلاوة".
حكاية تحريم #القرقيعان!
نحتفل بالقرقيعان في #الدمام وجميع مدن وقرى المنطقة الشرقية منذ عشرات السنين وأنا واحد منهم وسأنشر غدا مقالا بعنوان #قرقيعان أمي.
الذي حصل بداية الثمانينيات-مع سيطرة زعماء ما يسمى بالصحوة الدينية على المشهد العام في السعودية- أنهم قاموا بتحريم كل…
بالعودة لتاريخ "القرقيعان" بحسب وصف الخليجيين فإن ثمة مصادر ترجح بأنها أتت من كلمة "قرع وقرعان" وجمعها "قرقعة وقرقيعان" وتعني ضرب أو دق الباب أو الشيء والقرع أيضاً مصدر قولك قرع الفناء، والقرنقعوة أو القرقيعان تعني الشيء المخلوط متعدد الأصناف من المكسرات والحلوى أو أنها مشتقة من القرقعة، أي الصوت الناتج من ضرب الأواني والسلال الحاوية للحلويات والمكسرات".
تعدد مسمياتها مع أحكامها
كما أنه مع تعداد المسميات تعددت أصولها وجذورها اللغوية، "فقيل إن القرقاعون أو القرقيعان هو مصطلح شعبي يطلق على السلة الكبيرة المصنوعة من سعف النخيل التي تملأ بداخلها المكسرات ومن ثم توزع على الأطفال".
ويستند أهل التحريم بفتوى دينية سعودية صدرت عن هيئة إفتاء السعودية قبل نحو أربعة عقود تقول إن "الاحتفال في ليلة الـ15 من رمضان أو في غيرها بمناسبة مهرجان القرقيعان بدعة لا أصل لها في الإسلام (وكل بدعة ضلالة)". وأوصت اللجنة الدينية التي كان يترأسها أشهر مفتي البلاد عبدالعزيز بن باز الأسبق "بوجوب تركها والتحذير منها". إذ لا تجوز إقامتها في أي مكان لا في المدارس ولا في المؤسسات أو غيرها، والمشروع في ليالي رمضان بعد العناية بالفرائض الاجتهاد بالقيام وتلاوة القرآن والدعاء".
وبجانب الاختلاف حول تحريمها يرى رجال دين سعوديون آخرون وداري الإفتاء في قطر والإمارات أنها "جائزة"، معللين ذلك بأنه عادة والأصل في العادات الإباحة.
عمق التراث
وبينما يرى عرب أنها عادة دخيلة على المجتمعات المسلمة يؤكد المؤرخ علي الدرورة وهو ناشط في مجال الثقافة، أن الموروث الشعبي "القرقيعان" ليس دخيلاً على المجتمع الخليجي بل هو من عمق التراث وغير موجود خارج دول الخليج. وبحسب تعبير الدرورة يرمز الابتهاج بهذه العادة لـ"التواصل الاجتماعي والتقارب بين الجيران والأحياء الأخرى ونشر المحبة داخل المجتمع وإشاعة الفرح والبهجة في نفوس الأطفال، وبث قيم الكرم في نفوس الأطفال وتكاتف الأطفال في الاحتفال الجماعي وترك الأبواب مفتوحة لدخول الأطفال والنساء، فتدخل البركة معهم لكل البيوت، وغير ذلك من الأمور التي يحث عليها الإسلام من المبادئ ونشر المحبة والتسامح داخل المجتمعات"
وتحدث الدرورة عن الاحتفال بمناسبة القرقيعان قديماً قائلاً "في تلك الفترة الزمنية لم يكن لدينا أكياس كالتي يستعملها أبناء اليوم أو الجيل المعاصر في جمع العطايا، وكنا نستعمل كيس الطحين الذي نحصل عليه من الخباز الشعبي صاحب التنور، نأخذه منه مجاناً وتغسله الأمهات جيداً ثم يقسم إلى نصفين ثم تتم خياطته ليكون خريطتين، وبهذا يكون جاهزاً قبل أيام من مناسبة القرقيعان".
ولحقت بالعادة القديمة مستجدات طرأت على طابعها التراثي وأهازيجها، إذ بدأت تقام في المولات والأسواق. حتى أنها باتت "تجارة رابحة" حين بات أرباب الأسواق يسارعون نحو توفير ملبوساتها وكميات كبرى من حلوياتها الرائجة وحقائبها التراثية، كما تغيرت أهازيجها لأخرى بألحان حداثية وموسيقى أكثر حداثة.