القدرات "الخارقة" حقيقية لكنها تغاير توقعاتنا عنها

منذ 7 أشهر 94

ملخص

إثنية تعيش في الهمالايا طورت قدرات خاصة للعيش في المرتفعات التي ينخفض فيها الأوكسجين، ومجموعة لدى أفرادها طحال يشبه ما تحوزه الحيتان، ومتسلق تغلب دماغه على الخوف. إنها قدرات "خارقة" لكنها ليست مما يرسمه الخيال.

تبيَّن لبحاثة أن القدرات الخارقة ربما توجد بالفعل لكنها ليست مثل ما نتوقعه عنها.

وفي بحوث جمعتها لكتابها المقبل المعنون "ممتلك لقوى خارقة"، كشفت الباحثة إريكا إنغلهوبت عن عثور علماء على ما يعتبر "قدرات خارقة" لدى البشر. وعلى رغم أن من وهبوا تلك القوى لا يركضون بأسرع من الصوت أو يحلقون عالياً في السماء، إلا أن البحوث أشارت إلى امتلاك بعض البشر قدرات تتخطى المعايير العادية بأشواط كثيرة، ولربما اعتبرت "خارقة".

ومن شعب "شيربا" في الهمالايا إلى شعب "باجو" الملقبين بـ"رحّل البحر"، يشير بحاثة إلى وجود مجموعات مختلفة من الناس يولدون مع أفضليات جينية تأتي من تكيفات مع البيئة التي ينتمون إليها. وقدمت الباحثة تاتوم سيمونسون من "جامعة كاليفورنيا، سان دييغو" التي دققت في المعطيات الجينية والفيزيولوجية للتأقلم مع العيش في المرتفعات العالية، شرحاً عن ذلك إلى مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" معتبرة أن لا مفاجأة في تلك القدرات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوردت أن "البشر مستمرون في التطور"، لافتة إلى أن شعب "شيربا" يقدم نموذجاً أولياً عن حدوث تأقلم مع التطور إلى حد يمكن اعتباره "قدرة خارقة". ودرست سيمونسون القدرة المميزة لدى تلك المجموعة الإثنية على الاستمرار في العيش مع هواء يحوي أوكسجيناً يقل بـ40 في المئة عما يتوافر لمن يعيشون على السواحل. واعتبرت ذلك نتيجة متأتية من عيش ذلك الشعب طوال 6 آلاف سنة خلت في منطقة تعلو 14 ألف قدم (4267.2 متر) عن سطح البحر.

ولاحظت سيمونسون أنه "توافر وقت طويل يكفي لحدوث عملية انتقاء طبيعية، والتوصل إلى أفضل الطرق في التعامل مع نقص الأوكسجين". وخلال دراستها تلك المجموعة القاطنة في هضبة التيبت، وجدت أن الفضل في قدرات أفرادها على تحمل ذلك النقص في الأوكسجين، يعود لتأقلم تطوري أثَّر في طريقة إنتاج أجسامهم لكريات الدم الحمراء التي تنقل الأوكسجين إلى خلايا الجسد. وبخلاف من يعيشون عند مستوى سطح البحر، تطوّر شعب "شيربا" بطريقة مكنته من الاحتفاظ بمستوى متدنٍّ من كريات الدم الحمراء، بالاستناد إلى قدرة مكون الـ"ميتوكوندريا" في الخلايا على التعامل مع الأوكسجين بطريقة لا تتطلب بذل كثير من الجهد أو الطاقة.

وفي الشخص العادي، يعوض الجسم معاناته الهبوط في مستوى الأوكسجين لدى تسلق المرتفعات، عبر إنتاج أعداد فائضة من الكريات الحمراء كي تلتقط ما يتوافر من الأوكسجين. ويؤدي الإنتاج الفائض للكريات الحمراء إلى زيادة كثافة الدم، مما يحمل إمكان التسبب في مرض المرتفعات، أو حتى الوفاة في أسوأ الحالات. ووجدت سيمونسون أن لدى الـ"شيربا" القدرة على إنتاج كريات دم حمراء بأعداد أقل، ولا يتأثر ذلك بالبيئة الخارجية، وتستمر أجسادهم في إنتاج ذلك العدد المنخفض بغض النظر عن الارتفاع الذي يصلون إليه.  

وبحسب دراسة نشرتها المجلة العلمية "سل" Cell [= الخلية]، فلربما يمتلك شعب "باجو" طفرة جينية تجعل الطحال لدى أفراده أكبر من العادي، مما يعني زيادة في القدرة على تخزين كريات الدم الحمراء المشبعة بالأوكسجين مع إمكان إعادة ضخها إلى مجرى الدم حينما يتقلص الطحال أثناء الغوص.

وتورد الباحثة الرئيسة مليسا للاردو أنه "إذا حدث شيء على مستوى الجينات فسيتكون لديك طحال من حجم معين. ولذا، نرى ذلك الفارق الكبير المحمل بالدلالة". وتشرح تلك الكلمات سبب ضخامة الطحال لدى أفراد "باجو" إلى حد يوازي ما تملكه الكائنات المائية اللبونة مثل الحيتان التي لديها طحالات ضخمة.

وأبعد من التأقلم التطوري، يحاجج علماء أيضاً بأنه من المستطاع تدريب أو تهيئة استجابات معينة في الدماغ. وتوجد إحدى تلك الأنماط "الفائقة" لدى متسلق الصخور أليكس هوننولد المعروف بإنجازه مجموعة من أخطر حالات التسلق الحر في أضخم المنحدرات الأميركية، من دون دعم بأدوات التسلق.

وفي 2016، أشارت مسوحات الرنين المغناطيسي أن دماغ هوننولد يتعامل مع الخوف بطريقة تختلف عن الشخص العادي، إذ أُجريت تلك المسوح أثناء عرض مشاهد مخيفة من شأنها تحفيز عمل مكوّن في الدماغ يسمى "الغدة اللوزية" الموجودة في الجزء الصدغي من المخ وتتولى المسؤولية عن ردود الفعل التي ترافق الإحساس بالخوف. في المقابل، لم تتحرك الغدة اللوزية لدى هوننولد أثناء رؤيته تلك المشاهد، بل بقيت صامتة بصورة ملحوظة.

ولاحظت الاختصاصية في علم الأعصاب من جامعة فيرجينيا، جاين جوزيف، أن قدرة هوننولد على تجاهل الذكريات المرتبطة بالخوف أو كبحها، ربما تأتت من تهيئة عقلية، مما يشير إلى أن "قدرات خارقة" كتلك التي يحوزها هوننولد، ربما تُكتسب عبر التعلّم، وبذلك فإنها ليست محض قدرة موروثة.