الفواكه الموسمية تغيب عن موائد الجزائريين

منذ 1 سنة 150

عندما يتحدث الناس في الجزائر عن الغلاء فلا يمكنهم تجاهل ارتفاع أسعار الفواكه الموسمية التي بلغت مستويات لم تشهدها البلاد من قبل، حتى أصبحت بعيدة من متناول كثير من المواطنين، وقد كانت سابقاً تشكل جزءاً من النظام الغذائي اليومي.

وأصبح المواطن الجزائري يدخل أسواق الفواكه ويخرج خالي اليدين، فبعد أن كان يملأ قفته بأصناف الفواكه الطازجة له ولعائلته، بات يكتفي بصنف واحد أو اثنين على الأكثر وكميات قليلة بالكاد تكفي شخصاً واحداً، بسبب الارتفاع اللافت في أسعار الفواكه وعدم استطاعت ذوي القدرة الشرائية الضعيفة ومحدودي الدخل على شرائها.

غلاء

يقول عمر الموظف في إحدى الشركات، إنه يتوجه إلى السوق كل أسبوع لاقتناء مؤونة من الخضراوات والفواكه واللحوم، لكنه يقف مندهشاً أمام الغلاء الفاحش الذي أصبح ملازماً لكل المواد الغذائية وبخاصة الفواكه، على رغم أنها تتزامن مع موسم جنيها.

ويتساءل عن السبب وراء استمرار ارتفاع أسعارها منذ بداية فصل الصيف الذي يعرف نضوج عدد من الأصناف ذات الإنتاج المحلي.

وقد يجد كثير من الناس صعوبة في تحمل عبء تلك الأسعار المرتفعة، ويجدون أنفسهم مضطرين إلى الاستغناء عن شراء بعض الفواكه التي كانوا يعتمدون عليها بصورة يومية.

ولا يخفي عمر استغرابه من إشهار الباعة أسعاراً مرتفعة لفواكه منتجة محلياً، على غرار البطيخ الأحمر الذي بلغ سعره 150 ديناراً للكيلوغرام الواحد (أكثر من دولار) والعنب بأنواعه 450 ديناراً (3.1 دولار)، والإجاص بأنواعه 350 ديناراً (2.4 دولار) والتفاح 400 دينار (2.8 دولار)، وحتى أسعار فاكهة التين الشوكي عرفت ارتفاعاً وأصبحت تباع بـ 200 دينار للكيلوغرام (1.4 دولار) مما جعلها بعيدة من متناول متوسطي الدخل.

فواكه_2.jpg

يجد كثير من الناس صعوبة في تحمل عبء أسعار الفواكه المرتفعة (مواقع التواصل الاجتماعي)

ندرة

وتشهد الفواكه الموسمية ندرة فادحة في الجزائر وتدنياً في نوعيتها، إذ إن كثيراً من المناطق التي كانت تنتج العنب والبطيخ والتين تأثرت بالتقلبات المناخية والأمطار التي سقطت متأخرة خلال الربيع، إضافة إلى موجة الحرارة القياسية التي ضربت البلاد وتسببت في فساد المنتوج وخسائر كبيرة للفلاحين.

وعلاوة على ذلك فهناك قضية البنية التحتية الضعيفة وعمليات النقل المعقدة في البلاد، مما يؤدي إلى تأخير وصول الفواكه إلى الأسواق وزيادة كلف التوزيع والنقل، وكل هذه العوامل تتراكم معاً لتكون سيناريو غلاء أسعار الفواكه في الجزائر.

كما تعتمد الجزائر بشكل كبير على واردات الفواكه من الخارج مما يجعلها عرضة لتقلبات أسعار السوق العالمية، إضافة إلى تأثير العوامل المناخية المتغيرة على إنتاج الفواكه المحلية مما يقلل العرض المحلي ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

وفي عام 2020 منعت الحكومة الجزائرية استيراد 15 صنفاً من الفواكه الموسمية والفصلية بهدف حماية الإنتاج المحلي وكبح فاتورة الواردات.

وقررت وزارة التجارة وقتها رفع قائمة الفواكه الممنوعة من الاستيراد لتشمل 15 نوعاً، ويتعلق الأمر بالحمضيات والمشمش والكرز والخوخ والبرقوق والعنب والإجاص والتفاح واللوز والتين والرمان والزعرور والسفرجل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان هدف السلطات من منع الاستيراد هو دعم الإنتاج المحلي ومساعدة الفلاحين وحمايتهم من ظاهرة كساد السلع، بسبب المنافسة التي فرضها استيراد كميات كبيرة من مختلف المنتجات المتوافرة محلياً.

احتكار

ويقول عضو المكتب الوطني للمنظمة الجزائرية لحماية المستهلك فادي تميم إن ظاهرة ارتفاع أسعار الفواكه الموسمية في الجزائر غريبة ولا تخضع لقانون العرض والطلب الذي يحكم العمليات التجارية.

ويرى تميم أنه على رغم انخفاض سعر الموز الذي كان في السابق بمثابة "بارومتر" لسوق الفواكه في الجزائر لأن سعره يحدد باقي الأسعار، إلا أن الفواكه هذه المرة شذت عن القاعدة وحلقت أسعارها عالياً.

وأشار المتحدث إلى ظاهرة اختفاء بعض الفواكه من الأسواق لأكثر من أسبوع على غرار البطيخ الأحمر، مما يؤشر إلى ضلوع أطراف في عمليات احتكار للاستفادة من ارتفاع الأسعار وخرق قانون المنافسة.

وكشف عن وجود فجوات في أسعار الفواكه بحسب المناطق، إذ يتم تسجيل أسعار مقبولة في المناطق المعروفة بإنتاج الفواكه، بينما تشتعل الأسعار ارتفاعاً في المدن الكبرى حيث يكون الاستهلاك كبيراً.

واتهم تميم أطرافاً وصفها بالدخيلة على التجارة بممارسة الاحتكار في أسواق الفواكه التي أصبحت تلحظ مضاربات، ووصل الأمر بهؤلاء إلى حد رمي المنتجات عوض تسويقها بأسعار منخفضة.

وقال إن المنظمة ناقشت مع وزارة التجارة الحلول لمحاربة المضاربين عبر تكثيف الرقابة في أسواق الجملة لكشف التلاعبات وتنظيف السلسلة التجارية من السماسرة والدخلاء الذين أصبحوا يستبقون أية زيادات في الأجور تعلن عنها الدولة برفع أسعار المواد كثيرة الاستهلاك، مما أنهك جيوب المواطنين.

عقوبات

وقال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إنه لا يستبعد "وجود أناس يقف وراءهم أفراد العصابة، في إشارة إلى رموز من فترة حكم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، يحاولون خلق جو من عدم الاستقرار في البلاد من خلال المضاربة في أسعار المواد الغذائية والمساس بالقدرة الشرائية للمواطن"، متوعداً بالتصدي بحزم لهؤلاء، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية.

وكانت الجزائر أقرت قانون عقوبات وصف بالصارم لمكافحة المضاربة والاحتكار، إذ تصل العقوبات وفق هذا القانون إلى الحبس 30 عاماً إذا ما تمت المضاربة في المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، كما قد تصل العقوبة إلى السجن المؤبد إذا ارتكبت الجريمة في إطار جماعة منظمة.

وتتطلب المسألة تدخلاً جاداً من قبل الحكومة الجزائرية للتصدي لارتفاع أسعار الفواكه من خلال تعزيز الإنتاج المحلي لها وتحسين البنية التحتية وعمليات النقل لضمان وصولها إلى الأسواق بأسعار معقولة، كما يمكن اعتماد سياسات تشجع على الاستثمار في القطاع الزراعي وتدعم المزارعين المحليين لزيادة الإنتاج وتحسين الجودة.

وإضافة إلى ذلك يمكن العمل على تعزيز الوعي بأهمية تناولها وفوائدها الصحية لدى الجمهور، مما يعزز الطلب على الفواكه المحلية ويسهم في تقليل اعتماد البلاد على الواردات، بينما تبقى مكافحة غلاء أسعار الفواكه في الجزائر بحاجة إلى جهود مشتركة من الحكومة والمجتمع والقطاع الخاص لضمان توفر الفواكه بأسعار معقولة وصحية للجميع.