الفن الحبشي تراث يجدد حياة القوميات الإثيوبية

منذ 1 سنة 142

الفن الإثيوبي يوصف كتراث شعبي عريق، إذ إنه يحكي عن واقع مشبع بهموم الحياة في الكدح والبعد والقرب، وكذلك الشجن والحنين والحزن والفرح، إضافة إلى الغزوات والحروب والجمال والسلام.

اشتهر أهل الحبشة بفنونهم الخاصة منذ زمن بعيد واحتفظوا على مر السنين بطابع تراثهم في الغناء والرقص وجملة الفنون، ويرجع الدارسون نشأة الفن الإثيوبي التقليدي الذي يعرف بـ "يا إثيوبيا بهل" إلى عهد القديس يارد قبل 3000 عام.

المناطق الإثيوبية في تعددها وتبايناتها تحتفظ كل منها بفنها وتراثها ويأتي في مقدمة ذلك الفن الشعبي، فلكل قومية طابعها سواء في الكلمات أو الألحان أو الأداء من رقص وحركات.

 طابع حبشي

 انبعاث الفن الإثيوبي وتطوره ذو علاقة بالبيئات المناطقية، إذ يقول الكاتب ساهيد اديجوموبي "وصف الإخباريون القدماء إثيوبيا بأنها أرض الجبال الباعثة على الرعب والوديان السحيقة، فالمرتفعات الشاهقة والأودية الشاسعة لعبت بطبيعتها المتقطعة دوراً مهماً في التاريخ السياسي والثقافي".

الإعلامية نازريت كاندش المو قالت إن "الفن الحبشي الغنائي ذو طابع خاص تتميز به إثيوبيا منذ آلاف السنين وهو أداء شعبي تشترك فيه كل القوميات المقيمة بالمنطقة، إذ يتصدر مختلف مناسباتهم، بل تقام له المناسبات".

وأضافت المو "البيئة لها دورها في المكون الثقافي لإثيوبيا عبر ما تمد به إنسانها من مختلف الهبات، كما يمثل الانغلاق الجغرافي بحكم وعورة التضاريس الحبشية انحصار الشعب على ذاته وتراثه، مطوراً له بالتفاعل في ما حوله، فضلاً عما تدفع به الطبيعة من معطيات سواء في الإيحاءات أو غير ذلك".

بيئة فنية

وأكدت الإعلامية الإثيوبية أن البيئة تعطي الفن روحه وسماته وأبعاده وما يتمثل من عادات مقتبسة أو يشغل هموم الحياة عامة، لافتة إلى أن "أغاني إثيوبيا متنوعة فهي تشمل الغزل بمختلف أشكاله، متفاعلاً مع الجماليات في الوصف والاقتباس، كما تجد انعكاس الطبيعة كذلك على طابع الأداء".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأردفت أن "تمايز البيئات له دوره في التنوع الذي تشهده في إثيوبيا، فحتى الأدوات الموسيقية كان للطبيعة دور في صنعها، إذ تجد الوتريات مصنوعة من شعر ذيول الحيوانات، وكذلك آلات النفخ من قرون الحيوانات لدى بعض القبائل، كما أن آلات الفن التقليدية في معظم القرى تصنع من نباتات البوص أو الخيزران أو القصب الجاف"، منوهة إلى أنه على رغم اختلاف الآلات الفنية إلا أن معظم القبائل تشترك في الأغنيات المستوحاة من هموم الحياة "إذ إنها متماثلة، وتشكل الأرض والزراعة والحيوان مصدر إلهام لكثير من الأغاني الشعبية الإثيوبية".

أنغام زراعية

وشرحت المو أن "بعض الأغاني ترتبط بعمليات الزراعة من رمي للبذور وحرث الأرض، كما يشكل نضوج المحاصيل وحصدها مادة غنية في مكتبة الغناء الشعبي الإثيوبي، إذ تربط مواضيع الأغنيات كذلك بتقلبات الحياة وما يطرأ عليها من ظروف ومستجدات".

وأوضحت أن "أغاني الشباب مرتبطة بالغزل المباشر في المحبوبة والتمجيد لبعض المناطق من مدن وقرى ومعالم، وكذلك التغني بالذكريات، وتنافس كل ذلك أغاني الفروسية والحروب التي تحكي عن وقائع معارك تاريخية وتمجيد للذات، وهي حافز وطني يجمع عليه كل الشعب".

المطرب الأزميري

ولفتت الإعلامية الإثيوبية إلى ظاهرة "الأزميري"، قائلة إنه "يتجول في الأعياد والمناسبات الوطنية فيحمل آلته الموسيقية الشعبية البسيطة (الربابة) ويرتاد بها المقاهي وأماكن الترفيه ويقدم فنه المتنوع إلى الجمهور نظير مبالغ صغيرة".

وأشارت المو إلى أن إيقاعات الفن الإثيوبي تشمل أربعة أنماط أو موازين تسمى "تيزتا" و"باتي" و"أمباسيل" و"أنشيهوي"، إضافة إلى أن أشهر أدوات الموسيقى التقليدية وأكثرها شعبية "الواشنت" "والماسنقو" و"الكيرار" و"الكبرو" وهي تمثل الدفوف المختلفة، معددة أسماء فنانين منهم محمود أحمد ومنليك وجيجي وطلاهون وقسسا، إلى جانب منا لبوش وأسناتيش ووركو وعلي بيرا وكيروس المايهو وتيدى افرو.

ألوان قومية

الباحث الاجتماعي عباس محمد كوركي يقول إن "قوميتَي أمهرا وأرومو تمثلان مقدمة الفن الإثيوبي التقليدي في التنوع والاحتفاظ باللون الشعبي في الكلمات والأداء، وتشترك معظم القبائل الأخرى في اللون الأمهري السائد منذ آلاف السنين"، لافتاً في الوقت نفسه إلى قوميات أخرى منها ولايتا وبني شنقول وهرر، وكذلك القومية الصومالية وغيرها في جنوب إثيوبيا التي تتميز بطابع خاص.

وأشار كوركي إلى أن "ما يميز قومية القراقي ضمن قبائل جنوب إثيوبيا رقصاتها النشطة لدرجة العنف التي تقابلها إيقاعات منتظمة لقومية التيغراي التي لها إيقاع خاص بها يعتمد على الدفوف، إلى جانب هدوء الرقصات والحركة المصاحبة لأداء أغنيات ’التغرنجة‘ كما يطلق عليها".

وأضاف الباحث الاجتماعي "يتبع أداء مقاطع التراث الإثيوبي عادة ارتداء ملابس خاصة يلبس فيها الرجال سروالاً وقميصاً بألوان زاهية، إلى جانب جوارب كاسية حتى الركبة، في حين ترتدي الفتيات الراقصات عادة ملابس حبشية تقليدية ملونة أو بيضاء مع شالات ’النيتيلا‘ في بعض المناسبات أو البرامج".