"الفان الطائر"... عنوان النقل السريع في لبنان

منذ 8 أشهر 77

ملخص

مع مرور الوقت نشأ ما يمكن تسميته "مجتمع الفان" في لبنان، فهذا راكب يقرأ كتاب وآخر يرتب أوراقه، فيما يغلب النعاس والنوم على الكثر ولكل منهم قصته

يتجاوز "الفان" في لبنان الدور المرسوم له تقليدياً كوسيلة للنقل ليلعب وظيفة الحفاظ على ما تبقى من وحدة البلاد، وتنشط الخطوط "الخاصة" التي تربط المركز الناشط اقتصادياً بالأطراف المهمشة، في ظل غياب خطط النقل العام، فاتحة الأبواب أمام شرائح واسعة من العمالة والخريجين الجدد.

وتشتهر هذه "الفانات" بانخفاض البدل المالي من جهة، والسرعة الفائقة من جهة أخرى، الأمر الذي يدفع الركاب بإطلاق تسمية "الفان الطائر" على الوسيلة الأكثر شعبية للنقل.

2.jpg

الخطوط الناشطة

تشكل خطوط "الفان" جزءاً من يوميات اللبناني، يربطها البعض بالذكريات المملة بسبب الحركة البطيئة، وطول الانتظار، ولكنها بالنسبة لآخرين وسيلة للصمود في زمن الغلاء، وإمكانية الوصول إلى القلب التجاري النابض بأقل كلفة ممكنة.

يوفر "الفان" فرصاً متساوية في العمل والدراسة لأبناء الطبقة الفقيرة، وأصحاب الدخل المحدود، وتشتهر بعض الخطوط إلى حد بعيد، إذ تشكل منافساً جدياً لنقل الأجرة داخل العاصمة اللبنانية، على غرار الخط الرابع الذي يربط الجامعة اللبنانية في الحدث بعبدا بمنطقة الحمرا عبر الضاحية الجنوبية لبيروت، والخط رقم 15 الذي يؤمن الانتقال من المتن الشمالي إلى قلب بيروت الغربية، والخط الخامس الذي يعبر من المتن الشمالي إلى الحمرا عبر الأشرفية قلب بيروت الشرقية، ناهيك بالخط رقم 24 الذي يصل فرن الشباك بمنطقة فردان التجارية.

كما تؤمن خطوط "الفان" العلاقة الدائمة بين العاصمة والأطراف، وتشكل منطقة جسر الكولا عقدة مواصلات في البلاد، إذ تتوزع في محيطها المواقف التي تنطلق نحو الشمال والجنوب والبقاع، ويقدم هؤلاء فرصة الانتقال الرخيص في غياب النقل العام، يتمسك ربيع رفاعي (سائق فان) بأهمية "الفان"، فهو مصدر للتوفير، قائلاً "يحتاج المواطن إلى ثلاثة أضعاف ما يدفعه لـ(الفان) من أجل الذهاب إلى بيروت بواسطة سيارته".

ويعتقد أن قطاع النقل الخاص "يؤمن بديلاً عن الدولة، ويريح المواطن، فالخط الذي يصل الكولا بمختلف المناطق، يعمل طوال 24 ساعة"، ويجزم بأنه "لولا الفانات لما تمكن المواطن من الانتقال لأنه سيحتاج إلى استخدام سيارته أو طلب تاكسي"، وهي وسائل تفوق قدرة غالبية الشعب اللبناني، الذي لا يلجأ إليها إلا في حالة الضرورة القصوى.

صلة الوصل بين أطراف لبنان

يلعب "الفان" دور "صلة الوصل" بين سكان الأطراف ولبنان، تشكل منطقة وادي خالد حالة نموذجية تستحق الدراسة في هذا المجال، ويعتبر ماجد إبراهيم ابن بلدة حنيدر "الفان" حاجة ضرورية، ومن دونه لا يمكن الوصول إلى المدينة أو المستشفى أو الجامعة من قبل أبناء المناطق الحدودية المحاذية لسوريا، وتزداد أهميته في ظل غياب الإمكانات الأخرى، فهذه البلدة المحاذية لمحافظة حمص، لا يربطها شيء بلبنان إلا الخريطة و"الفان"، فهناك لا توجد طرقات معبدة بالمعنى الحقيقي للكلمة، كما ترتبط بالشبكة السورية للاتصالات، وتغيب نقاط الأمنية اللبنانية الثابتة، والمؤسسات الحكومية.

يعد "الفان" الذي يمكنه استيعاب 11 راكباً وما فوق الوسيلة المفضلة لدى هؤلاء لأنه "الأرخص والأسهل، إذ تبلغ الكلفة نحو أربعة دولارات، فيما تتجاوز كلفة التاكسي 25 دولاراً أميركياً في الحد الأدنى"، كما "يؤمن الانتقال لفرق عمل الشركات في بيروت"، بحسب ماجد.

من جهته يؤكد المختار بسام مرعي على دور "الفان" في حياة أبناء الأطراف المهمشة، فهم "لا يملكون سيارات خاصة، ومضطرون إلى ركوبه للذهاب إلى العاصمة بيروت".

وبحسب مرعي "لا تقتصر الأدوار التي تلعبها (الفانات) على نقل الركاب، وإنما تتجاوزها إلى إسعاف المرضى، ونقل النساء الحوامل للولادة، ناهيك بالحاجة إليه من أجل تموين البيوت لفترات طويلة بسبب بعد المسافات"، منوهاً بـ"دور (الفان) في تأمين فرص العمل لبعض السائقين في زمن البطالة".   

1.jpg

مشاهد من حياة اللبناني

كثيرة هي المشاهد التي ترافق راكب "الفان" في يومياته، إذ يقدم صورة مصغرة عن المجتمع اللبناني، هنا راكب يقرأ كتاب، وآخر يرتب أوراقه، فيما يقضي كثر أوقاتهم عبر وسائل الدردشة والتواصل الاجتماعي، فيما يغلب النعاس والنوم الكثر، ويستغل البعض الفرصة لإقامة علاقات اجتماعية، والتواصل مع الركاب الجالسين على مقربة منه.

مع مرور الوقت، ينشأ ما يمكن تسميته "مجتمع الفان"، حيث يتحدث عبدالمحسن الرفاعي (سائق) عن دور "الفان" في تأمين فرص العمل لأبناء الأطراف والحفاظ عليها من خلال وسائل النقل الشعبية، إذ ينتظم هؤلاء في مجموعات، يرافقون السائق يومياً في الذهاب والإياب، ويتشاركون أدق تفاصيل حياتهم اليومية، لذلك فهم يتسابقون لحجز مكان لهم في "الفان" في اليوم التالي لأن "عدم اللحاق به سيؤدي إلى مضاعفة الكلف، وطول الانتظار"، فيما "يتقاضى السائق أسعاراً زهيدة"، بحسب الرفاعي الذي يشير إلى أنها "لا ترقى إلى كلفة الأعطال التي يتكبدها السائق".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا بديل عن الدولة

يسهم "الفان" في سد الثغرات في سياسة النقل العمومية في لبنان، هذه الدولة التي كانت تضم شبكات للقطار و"الترامواي" في بدايات القرن الـ20، والتي أطاحتها الحرب الأهلية، حيث تحولت محطات القطار إلى أكوام من الخردة، فيما استوطنت الاعتداءات والمخالفات خطوط النقل العام.

يعتقد المتخصص في قطاع النقل كارلوس نفاع إمكانية حل أزمة قطاع النقل في لبنان على رغم غياب استراتيجيات وطنية للنقل المستدام تؤمن العدالة بين مختلف المواطنين، مشيراً إلى أن "الخلل في جميع الخطط السابقة، أنها انصبت على كيفية تأمين انتقال الوسيلة السيارات، وليس تأمين حق النقل للناس". وتابع "لذلك أنفقت الدولة كثيراً على إنشاء خمسة آلاف كيلومتر من الطرقات لانتقال السيارات، وهذا لم يؤمن الاستدامة لأن الزيادة الطبيعية للسكان، ستؤدي إلى الحاجة لمزيد من الطرقات، وهكذا دواليك، حيث استهلك الساحل بأكمله دون نتيجة، ووصل لبنان إلى حائط مسدود في حل أزمة النقل"، محذراً من طروحات إنشاء الأنفاق والجسور عبر حفر الجبال لأنه "بعد تدمير السلطة للساحل، يطرحون تدمير الجبال".

أولوية النقل العام

يحدد كارلوس نفاع معايير خطة "النقل لكل الناس"، "فهو نقل عام بيئي، ومشترك التي تلعب المبادرة الفردية الحاصة دوراً فيها في لبنان، حيث تزدهر الفانات والباص والتوكتوك والدراجات"، لافتاً إلى "ضرورة أن تترافق خطط النقل العام مع مجموعة من الإصلاحات التي تنطلق من الحكومة الإلكترونية، وتخفيف الحاجة إلى التنقل وإهدار الوقت بين المركز والأطراف"، إلى جانب تنظيم قطاع النقل الشعبي الذي يؤمن النقل لـ40 في المئة من المواطنين والمقيمين، والتي تربط القرى البعيدة بالمدن الكبرى، مقترحاً دخول اتحاد البلديات على خط التنظيم عبر إنشاء تطبيقات ذكية لترتيب العلاقة بين الراكب وصاحب "الفان" الشعبي لتحقيق حاجات المواطنين كافة.