الغزيون يطلبون الأمان فلا يجدون سوى المخاطر

منذ 11 أشهر 128

تنهار آخر نقطة للجوء بالنسبة للفلسطينيين الفارّين من الحصار الإسرائيلي القاسي المستمر لقطاع غزة، تحت وطأة وجود عشرات الآلاف من الأشخاص الذين يسعون وراء الطعام والمأوى، ما يثير مخاوف من احتمال حدوث نزوح جماعي إلى مصر، وفق تحذير مسؤولين في الأمم المتحدة، الأحد.

يزداد الضغط في المنطقة القريبة من الحدود الجنوبية لقطاع غزة مع مصر، وهي رفح، التي يحاول كثير من الفلسطينيين التحرك إليها هرباً من الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد حركة «حماس»، ولا يجدون سوى مزيد من الموت والجوع واليأس.

تساءل رائف ناجي أبو لبدة، مزارع يبلغ من العمر 39 عاماً، هرب إلى المنطقة الحدودية مع زوجته وأبنائه الستة: «إلى أين ينبغي أن أذهب؟». تنام الأسرة حالياً في العراء في طقس بارد، ولا تستطيع العثور على طعام أو حتى مياه مالحة لتشربها وفق قوله. مع ذلك قال أبو لبدة إنه يفضل «العودة إلى دياره والموت هناك» على الاضطرار إلى المجيء إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، وهو سيناريو رفضته مصر وحكومات عربية أخرى في كل الأحوال، خوفاً من ألا تسمح إسرائيل بعودة عدد كبير من الفلسطينيين في حال مغادرتهم إلى أراضيهم.

في بعض الحروب يستطيع المدنيون الفرار من العنف بهروبهم إلى دول مجاورة، ويكون من المفهوم أنهم سوف يعودون إلى ديارهم بعد انتهاء القتال. مع ذلك يثير نزوح الفلسطينيين نتيجة قيام إسرائيل عام 1948، وعقود من النزاع، خوف الحكومات العربية من احتمال استغلال إسرائيل الحرب لطرد الفلسطينيين من غزة بشكل دائم.

صرح أيمن الصفدي، وزير الخارجية الأردني، خلال مؤتمر صحافي في قطر يوم الأحد، بأن الحملة العسكرية الإسرائيلية تصل إلى مستوى «سياسة ممنهجة لإخراج الفلسطينيين من قطاع غزة». الجزء الأكبر من الشعب الأردني فلسطينيون هرب أسلافهم وأجدادهم مما أصبحت الآن إسرائيل، أو أُجْبِروا على مغادرتها، في إطار ما يطلق عليه الفلسطينيون اسم «النكبة»، ويعدونه صدمة تاريخية عميقة.

خلال المؤتمر نفسه المنعقد في قطر، أعرب أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، عن المخاوف من احتمال تسبب الظروف المروعة، التي يعيشها الفلسطينيون المتكدّسون بالقرب من حدود قطاع غزة مع مصر، في حدوث «نزوح جماعي» إلى سيناء. وقال غوتيريش: «لا توجد حماية فاعلة للمدنيين في غزة. أتوقع انهيار النظام العام تماماً قريباً، بل ربما يحدث ما هو أسوأ».

رفضت السلطات الإسرائيلية، بما فيها وزارة الخارجية ومكتب رئيس الوزراء، التعليق على اتهامات وزير الخارجية الأردني. وفي وقت مبكر، وصف إيلون ليفي، متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، ملاحظات الصفدي بالـ«شائنة والباطلة»، وقال: «إن إسرائيل تقاتل دفاعاً عن نفسها من الوحوش الذين ارتكبوا مجزرة السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، والهدف من حملتنا هو مثول أولئك الوحوش أمام العدالة، وضمان ألا يمسّوا شعبنا بسوء مرة أخرى».

لقد أصبح للمعبر الحدودي بين قطاع غزة ومصر أهمية كبيرة بعد فرض إسرائيل حصاراً على القطاع رداً على الهجوم الذي نفذته حركة «حماس» التي تدير قطاع غزة. وقتلت قوات «حماس» نحو 1200 شخص، وفق السلطات الإسرائيلية، في حين أسفر الهجوم العسكري الإسرائيلي الذي أعقبه عن مقتل 15 ألف شخص في غزة، وفق سلطات الصحة هناك، وذلك في إطار حملة قصف مكثفة لم يكن لها مثيل إلا القليل خلال هذا القرن.

ومع إغلاق إسرائيل معابرها مع غزة بشكل كبير، أصبح معبر رفح نقطة الدخول الوحيدة للقسم الأكبر من المساعدات وطريق خروج عدد صغير من الناس. ومع هجوم القوات الإسرائيلية على جنوب غزة، توافد أهل غزة على منطقة الحدود بحثاً عن الأمن والإمدادات. ويصل الآلاف يومياً إلى المنطقة بعد أوامر الإجلاء الإسرائيلية التي وصفت المنطقة بأنها آمنة.

مع ذلك هناك نقص في مواد الإغاثة، حيث حذَّر العاملون في مجال الإغاثة من حدوث تكدس «هائل» ووضع «مريع بائس». ويخشى مسؤولون من أن تدفع تلك الأوضاع المتدهورة الفلسطينيين إلى عبور الحدود إلى مصر. قال فيليب لازاريني، والمفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين، التي تتولَّى رعاية اللاجئين الفلسطينيين، إنَّه حتى إذا لم تكن هناك «سياسة متعمدة» لفعل ذلك، فإنَّ العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي «تمارس مزيداً من الضغوط التي تدفع باتجاه حدوث مثل هذا السيناريو». وصرح خلال مقابلة، يوم الأحد، قائلاً: «يُدْفَع السكان باستمرار نحو أراضٍ أصغر وأصغر داخل قطاع غزة، ولا يمكن أن تتَّسع تلك المساحة من الأرض لهذا العدد من الناس».

لقد وجد سكانُ غزة، الذين فرُّوا إلى تلك المنطقة ظناً منهم أنَّ الجنوب سيكون أكثر أماناً، أنَّ إسرائيل تقصفه أيضاً. وقال زياد عبيد، فلسطيني يعمل موظفاً حكومياً: «لا يوجد لدينا مكان آخر، ولا يوجد مكان آمن». انتهت الحال بعبيد وأسرته إلى الوجود على أطراف رفح بعد مواصلة الهروب باتجاه الجنوب خلال الحرب. وأوضح قائلاً: «نحن نقاتل ليلاً ونهاراً للحصول على لقيمات من الخبز والماء والخضراوات»، مشيراً إلى المحاولات الفاشلة للحصول على بيض من أجل والدته المسنّة.

ولم تطلب الحكومة الإسرائيلية رسمياً من العدد الكبير من سكان غزة الانتقال إلى مصر، لكن قال دبلوماسيون إن إسرائيل تدفع سراً نحو انتقالهم إلى هناك خلال فترة الحرب.

ويعارض القادة المصريون بشكل صريح وواضح تلك الفكرة، ومن أسباب ذلك الخوف من أن يؤدي التدفق الكبير للاجئين إلى الإضرار باقتصاد البلد الذي يعاني بالفعل من مشكلات.

ويخشى كثير من الفلسطينيين من أن تكون خطة إسرائيل منذ بدء الحرب هي جعل الظروف المعيشية في القطاع خطيرة وبائسة، إلى حد يجعل سكان غزة يفرّون إلى مصر على أساس أن ذلك هو الخيار الوحيد أمامهم. وكتب لازاريني في مقال رأي نُشِر خلال الأسبوع الماضي في صحيفة «لوس أنجليس تايمز»: «يشير التطور الذي نشهده إلى محاولات لدفع الفلسطينيين باتجاه مصر دون النظر إلى ما إذا كانوا سيظلون هناك، أم سيعاد توطينهم في مكان آخر».

وقال عبيد الموظف الحكومي: «نعاقَب لأمر لم نشارك فيه. ولا ينبغي أن يعاقَب المدنيون الذين يُقتلون ليلاً ونهاراً في جميع أنحاء غزة». وعبّر أبو لبده، المزارع، عن حزنه وأسفه على سكان غزة الذين يشعرون بتخلي العالم عنهم، وقال: «إن الأمم المتحدة لا تهتم بأمرنا، ولا يكترث مجلس الأمن هو الآخر لأمرنا. لا أحد يلقي لنا بالاً. لقد ألقوا بنا إلى الشوارع والطرقات».

* خدمة «نيويورك تايمز»