"لاحقها وهددها بأمنها وأمن عائلتها".. الغارديان: رئيس الموساد هدد المدعية العامة للجنائية الدولية بسبب تحضيرها لفتح تحقيق في جرائم حرب إسرائيلية محتملة في الأراضي الفلسطينية.
كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية، أن الرئيس السابق لجهاز الموساد، وكالة الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية، هدد المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في سلسلة من الاجتماعات السرية، وحاول خلال هذه الاجتماعات الضغط عليها للتخلي عن التحقيق في جرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقالت الصحيفة، الثلاثاء، إن يوسي كوهين، تواصل مع فاتو بنسودا، المدعية العامة السابقة التي شغلت هذا المنصب من 2012 حتى 2021، في السنوات التي سبقت قرارها بفتح تحقيق رسمي حول ارتكاب إسرائيل "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
التحقيق، الذي بدأ في عام 2021، بلغ ذروته الأسبوع الماضي، عندما أعلن خليفة بنسودا، البريطاني كريم خان، السعي إلى إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت وقادة من حماس، بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة.
هذا القرار الذي اتخذه المدعي العام بتقديم طلب إلى الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية لإصدار أوامر بإلقاء القبض على كبار قادة إسرائيل، كانت تخشى الدولة العبرية صدوره منذ فترة طويلة.
وقال مسؤول إسرائيلي كبير إن كوهين تورط بشكل شخصي في العملية ضد المحكمة الجنائية الدولية حدث عندما كان مديرًا للموساد، وحصل على موافقة على مستوى عالٍ وتم تبرير هذه الخطوة على أساس أن المحكمة شكلت تهديدًا بملاحقة عناصر في الجيش الإسرائيلي.
وأوضح مصدر إسرائيلي آخر مطلع على العملية ضد بنسودا، أن هدف الموساد هو النيل منها أو تجنيدها كشخص يتعاون مع مطالب إسرائيل.
وأردف مصدر ثالث مطلع على العملية، أن كوهين كان بمثابة "الرسول غير الرسمي" لنتنياهو.
كوهين، الذي كان أحد أقرب حلفاء نتنياهو وقتئذ والذي أصبح قوة سياسية بارزة في إسرائيل، قاد شخصيًا مشاركة الموساد في حملة استمرت ما يقرب من عقد من الزمن قامت بها إسرائيل لتقويض المحكمة.
"تكتيكات حقيرة"
وأكدت أربعة مصادر للغارديان أن بنسودا أطلعت مجموعة صغيرة من كبار مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية على محاولات كوهين الضغط عليها.
وكان ثلاثة من تلك المصادر على دراية بتفاصيل الإفصاحات الرسمية التي قدمتها بنسودا للمحكمة الجنائية الدولية بشأن هذه القضية.
وقالوا إنها كشفت أن كوهين مارس ضغوطًا عليها في مناسبات متعددة لثنيها عن المضي قدمًا في تحقيق جنائي في قضية فلسطين أمام المحكمة الجنائية الدولية.
ووفقاً للروايات التي تمت مشاركتها مع مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، يُزعم أنه قال لها:
وقال أحد الأشخاص المطلعين على أنشطة كوهين، إنه استخدم "تكتيكات حقيرة" ضد بنسودا كجزء من جهد فاشل في نهاية المطاف لتخويفها والتأثير عليها. وشبهوا سلوكه بـ "المطاردة".
وقام جهاز الموساد بالاهتمام بشكل كبير بأفراد عائلة بنسودا، وحصل على نسخ من تسجيلات سرية لزوجها، وفقًا لمصادر موثوقة على دراية مباشرة بالأمر.
ومن ثم حاول المسؤولون الإسرائيليون استخدام هذه المواد لتشويه سمعة المدعية العامة الدولية السابقة.
وتشكل المعلومات التي تم الكشف عنها حول عملية كوهين جزءًا من تحقيق تجريه صحيفة الغارديان، ومجلة 972+ الإسرائيلية الفلسطينية، ومجلة Local Call الناطقة بالعبرية، والتي تكشف كيف أدارت وكالات الاستخبارات الإسرائيلية "حربًا" سرية ضد المحكمة الجنائية الدولية لعقد من الزمن.
مكتب نتنياهو يعلق
وفي اتصال مع صحيفة "الغارديان"، قال متحدث باسم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي: "الأسئلة المقدمة إلينا مليئة بالعديد من الادعاءات الكاذبة التي لا أساس لها، والتي تهدف إلى إيذاء دولة إسرائيل". ولم يستجب كوهين لطلب التعليق. كما رفضت فاتو بنسودا التعليق.
وذكرت "الغارديان"، أن إسرائيل تلقت الدعم في جهود الموساد للتأثير على بنسودا، من حليف غير متوقع، وهو جوزيف كابيلا، الرئيس السابق لجمهورية الكونغو الديمقراطية، الذي لعب دورًا داعمًا في هذه المؤامرة.
ويأتي الكشف عن جهود الموساد للتأثير على بنسودا في الوقت الذي حذر فيه كريم خان، المدعي العام الحالي، قبل أيام، من "محاولات إعاقة مسؤولي المحكمة أو تخويفهم أو التأثير عليهم بشكل غير لائق".
ووفقاً لخبراء قانونيين ومسؤولين سابقين في المحكمة الجنائية الدولية، يمكن أن تعتبر الجهود التي بذلها الموساد لتهديد بنسودا أو الضغط عليها جرائم ضد إدارة العدالة بموجب المادة 70 من نظام روما الأساسي، المعاهدة التي أنشأت المحكمة.
ولم يوضح متحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية ما إذا كان خان قد راجع ما كشفت عنه سلفه بنسودا الغامبية الجنسية بشأن اتصالاتها مع كوهين، لكنه أكد أن المدعي العام الحالي لم يلتق أو يتحدث مع رئيس الموساد.
وفي حين رفض المتحدث التعليق على بعض الادعاءات المحددة، إلا أنه قال إن مكتب خان تعرض "لعدة أشكال من التهديدات والاتصالات التي يمكن اعتبارها محاولات للتأثير بشكل غير مبرر على أنشطته".
بنسودا تثير غضب إسرائيل
قرار خان بإصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت يعتبر خطوة تاريخية للمحكمة الجنائية الدولية، إذ إنها المرة الأولى التي تتخذ فيها إجراءات ضد قادة دولة متحالفة بشكل وثيق مع الولايات المتحدة وأوروبا.
عام 2015، قررت المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق أولي في الوضع في فلسطين، وعلى الرغم من عدم إجراء تحقيق كامل، إلا أنها قامت بتقييم مزاعم ارتكاب جرائم من قبل أفراد في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
وأثار قرار بنسودا غضب إسرائيل، التي تخشى محاكمة مواطنيها بسبب تورطهم في عمليات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وكانت إسرائيل منذ فترة طويلة صريحة بشأن معارضتها للمحكمة الجنائية الدولية، ورفضت الاعتراف بسلطتها. وكثف الوزراء الإسرائيليون هجماتهم على المحكمة، بل وتعهدوا بمحاولة تفكيكها.
وبعد بدء التحقيق الأولي، بوقت قليل، بدأت بنسودا وكبار المدعين العامين في تلقي تحذيرات بشأن اهتمام المخابرات الإسرائيلية بعملهم، حسب التحقيق الصحفي.
ووفقاً لمصدرين، كانت هناك شكوك بين كبار المسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية حول استقطاب إسرائيل لمصادر داخل قسم الادعاء في المحكمة، المعروف أيضاً باسم مكتب المدعي العام.
وأشار آخر في وقت لاحق إلى أنه وعلى الرغم من أن الموساد "لم يترك بصمته"، إلا أن ذلك كان افتراضًا بأن الوكالة كانت وراء بعض الأنشطة التي علم المسؤولون بها.
ومع ذلك، لم يتم إبلاغ سوى مجموعة صغيرة من كبار الشخصيات في المحكمة الجنائية الدولية بأن مدير الموساد قد اتصل شخصياً بالمدعية العامة.
"حليف مخلص وقوي لنتنياهو"
كوهين، جاسوس محترف، يتمتع بسمعة طيبة في أوساط الاستخبارات الإسرائيلية باعتباره مسؤولاً فعالاً عن تجنيد العملاء الأجانب.
كان حليفًا مخلصًا وقويًا لرئيس الوزراء الذي قام بتعيينه مديرًا للموساد في عام 2016 بعد أن عمل لعدة سنوات إلى جانبه كمستشار للأمن القومي.
وبصفته رئيسًا لمجلس الأمن القومي بين عامي 2013 و2016، أشرف كوهين على الهيئة التي بدأت، وفقًا لمصادر متعددة، في تنسيق جهد متعدد الجهات ضد المحكمة الجنائية الدولية بمجرد أن فتحت بنسودا التحقيق الأولي في عام 2015.
نصب كمين لبنسودا
ونقلت "الغارديان" أن أول لقاء بين مدير الموساد مع بنسودا حدث في مؤتمر ميونيخ للأمن في عام 2017، عندما قدم نفسه للمدعية العامة السابقة خلال حديث قصير.
وبعد هذا اللقاء، نصب كوهين كمينًا لبنسودا في حادثة غريبة في جناح فندق في مانهاتن، وفقًا لمصادر متعددة مطلعة على الحادث.
وكانت بنسودا قد زارت نيويورك عام 2018 في زيارة رسمية، وكانت تجتمع مع كابيلا، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية آنذاك، في الفندق الذي يقيم فيه. وكانت قد التقت كابيلا عدة مرات من قبل، فيما يتعلق بالتحقيق المستمر الذي تجريه المحكمة الجنائية الدولية في الجرائم المزعومة المرتكبة في بلاده.
لكن يبدو أن هذا الاجتماع كان مجرد إعداد لما هو قادم، وفي مرحلة معينة، بعد أن طُلب من موظفي بنسودا مغادرة الغرفة، دخل كوهين، وفقًا لثلاثة مصادر مطلعة على الاجتماع. وقالوا إن الظهور المفاجئ أثار قلق بنسودا ومجموعة من مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية الذين يسافرون معها.
ولم يكن من الواضح سبب مساعدة كابيلا لكوهين، ولكن تم الكشف عن العلاقات بين الرجلين في عام 2022 من قبل صحيفة "ذا ماركر" الإسرائيلية، الذي تحدث عن سلسلة من الرحلات السرية التي قام بها مدير الموساد إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 2019.
وأكدت مصادر متعددة لصحيفة "الغارديان"، أن الرحلات كانت مرتبطة جزئيًا بعملية المحكمة الجنائية الدولية، ولعب كابيلا، الذي ترك منصبه في يناير 2019، دورًا داعمًا مهمًا في مؤامرة الموساد ضد بنسودا. ولم يستجب كابيلا لطلب التعليق.
"التهديد والتلاعب"
وذكرت ثلاثة مصادر، أنه بعد الاجتماع المفاجئ مع كابيلا وبنسودا في نيويورك، اتصل كوهين مرارا بالمدعية العامة، وطلب عقد اجتماعات معها.
ووفقا لشخصين مطلعين على المحادثات، سألت بنسودا كوهين في إحدى المرات كيف حصل على رقم هاتفها، فأجاب
وأوضحت المصادر ، أن رئيس المخابرات "حاول بداية بناء علاقة جيدة" مع المدعية العامة ولعب دور "الشرطي الصالح" في محاولة لكسب ودها، وقالوا إن الهدف الأولي يبدو أنه كان تجنيد بنسودا للتعاون مع إسرائيل.
وبعد ذلك، تبدلت لهجة كوهين وبدأ في استخدام مجموعة من التكتيكات، بما في ذلك "التهديدات والتلاعب"، حسبما قال أحد الأشخاص المطلعين على الاجتماعات.
ودفع هذا بنسودا إلى إبلاغ مجموعة صغيرة من كبار مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية بسلوكه.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، أعلنت المدعية العامة أن لديها أسبابا لفتح تحقيق جنائي كامل في مزاعم ارتكاب جرائم حرب في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
ومع ذلك، فقد أرجأت في ما بعد إطلاقه، وقررت أولا أن تطلب حكمًا من الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية لتأكيد أن المحكمة لها بالفعل ولاية قضائية على فلسطين.