تبقى طقوس الاحتفال بعيد الأضحى في فلسطين على حالها، فهي لم تتغير أو تتبدل، على رغم مرور مئات السنين على بدئها.
وعلى رغم أن عيد الأضحى مرتبط بذبح الأضاحي من الأغنام، إلا أن ذلك محصور بميسوري الحال بسبب ارتفاع أسعار الماشية وسوء الأوضاع الاقتصادية.
ويملأ الفلسطينيون الأسواق في ليلة العيد وحتى بزوغ الفجر لشراء ضيافة العيد وملابسه، وحلاقة شعرهم التي اعتادوا على تأخيرها حتى اللحظة الأخيرة لاستقبال العيد بأبهى حلة.
ومع ذلك، فإن الاحتفال "بالعيد الكبير" يبدأ مبكراً من صباح أول يوم فيه بأداء صلاة العيد في المساجد والساحات العامة، وفي المسجد الأقصى بالقدس لمن حالفه الحظ.
ويحرص الفلسطينيون بعد ذلك على زيارة قبور موتاهم في المقابر، قبل الانطلاق في يوم طويل من منزل إلى آخر لزيارة أقاربهم وتهنئهم بالعيد.
ويحرص الفلسطينيون على الذهاب بشكل جماعي إلى "أرحامهم" في العيد بحيث يصل عددهم إلى 30 شخصاً، في خطوة لا تخلو من المفاخرة وطلباً للأجر والثواب.
العيدية
وتعتبر "العيدية" من أبرز العادات المصاحبة للعيد سواء الأضحى أو الفطر، حيث يقوم الرجال عادة بمنح الأطفال والسيدات من أقاربهم كمية من المال تتفاوت بحسب درجة القربى والوضع المالي.
وبعد الانتهاء من زيارة "الأرحام" يتوجه الناس لتهنئة جيرانهم وأصدقائهم، قبل التفرغ لذبح الأضاحي وتوزيعها. ولا تخلو ضيافة العيد في منازل الفلسطينيين من كعك العيد "المعمول" بالإضافة إلى الفاكهة والمكسرات "المخلوطة" والقهوة السادة.
كعك العيد
ومع أن الفلسطينيين يحرصون على إعداد كعك العيد في منازلهم، إلا أن تطورات الحياة، وعمل المرأة يضطر بعضهم للجوء إلى شرائها من المحال التجارية أو من سيدات يحضرونه منزلياً.
وقبل أيام على حلول العيد، تبدأ أم زياد بتحضير كعك العيد في منزلها بمدينة رام الله بحسب الطلب، وبأطعمة ونكهات متنوعة وفق رغبة المشترين.
وتحرص السيدات الفلسطينيات اللواتي يعملن على إعداد الكعك في منازلهن على الاستعانة بأمهاتهن لمساعدتهن، إذ يحتاج ذلك إلى الخبرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتبدأ عملية إعداد الكعك بما يسمى "بسّه"، أي خلط السميد أو الطحين مع السمنة والزبدة وزيت السيرج، ثم تركها طوال ليلة كاملة حتى يتشرب السميد المواد الدهنية.
وفي اليوم التالي يتم عجن ذلك بالماء والخميرة ودقة المعمول المكونة من اليانسون والمحلب والشومر والمستكة، قبل تقطيع العجينة إلى قطع صغيرة.
وبعد التقطيع، يتم حشو تلك القطع بعجوة التمر أو الجوز أو الفستق الحلبي، قبل أن توضع في قوالب خاصة بالمعمول ثم تُخبز في الفرن. ولذلك يوجد في المدن الفلسطينية معامل خاصة لصناعة القوالب الخشبية لتزيين الكعك.
وفي مدينة الخليل توارث الشاب أحمد إدريس مهنة صناعة قوالب المعمول من والده وجده، لكنه دمج فيها التطور التكنولوجي والليزر مع الحفاظ على طابعها التراثي.
عادات تاريخية
وتعود صناعة المعمول في بلاد الشام إلى نحو 5 آلاف سنة في العهد الكنعاني حين كان يُصنع ابتهاجاً بعودة "الإله بعل" من الموت، بحسب الباحث أحمد الحرباوي. وقال الحرباوي إن "النساء الكنعانيات ورثن صناعة المعمول إلى يومنا بشكل مستدير منقوش بعدة زخارف ونقوش مختلفة"، مشيراً إلى أن "شكل معمول اليوم وهو المستدير كقرص الشمس والمثقوب من الوسط جاء نتيجة تطور تلك الأساطير على مدى آلاف السنين".
وبقيت صناعة المعمول بنفس الشكل، وفق الحرباوي، وتُمارس بنفس الطقوس إلى العصر الروماني واليوناني، مشيراً إلى أنه بعد "مجيء الدين المسيحي، ارتبطت صناعة المعمول بشكله الحالي، بشكل الإكليل الشوكي الذي وضعه الرومان على رأس السيد المسيح قبل الصلب".
و"أصبح المعمول يُصنع في عيد الفصح بذلك الشكل الذي استمر حتى الآن"، بحسب الحروباي "وهو ما أسهم في انتشاره في أغلب الدول المحيطة".
ويحرص علماء الدين على الحض على حفظ صلة الرحم خلال العيد وذبح الأضاحي لمن تتوافر لهم الإمكانيات المالية.
وناشد المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين، الفلسطينيين "بضرورة زيارة بيوت وعائلات الشهداء والأسرى والجرحى والمحتاجين" كما دعا القادرين على "الجود بالأضاحي".
وقال حسين إن "الزيارات والجود بالأضاحي ومساعدة الفقراء والمحتاجين يعزز الصلة بين الأهل والأقارب والأرحام ويساعد في تلبية حاجات الفقراء والمحتاجين".